سلام واستقرار العالم فى خطر. هذا ما تؤكده الشواهد وأكدته تحذيرات مدير منظمة التجارة العالمية. فما هو منبع الخطر؟ وما هى ملامح الصراع إذا نشب؟ وما هى أبرز خطوط المواجهة؟
حذر روبرتو أزيفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، من وجود «خطر واضح» يتمثل فى إمكان نشوب حرب تجارية نتيجة تبنى الكثير من الدول سياسات «الحمائية».
وقال أزيفيدو، أثناء مشاركته فى مؤتمر ببنما، إنه يتعين على المجتمع الدولى أن يكون حذرا، «لأن خطر حرب تجارية واضح جدا».
وحذر أزيفيدو من عواقب نشوب تلك الحرب لأنه: «أيا كان البلد الذى يفرض إجراءات أحادية، فإن البلدان الأخرى سترد، مسببة ما يشبه تأثير الدومينو. ومن السهل رؤية أين تبدأ ردود الأفعال المتسلسلة هذه. إذا نشبت حرب تجارية، فإن الدول ستكون فى النهاية بوضع أسوأ بكثير من بداية النزاع». ودعا أزيفيدو إلى مزيد من الحوار، مشيرا إلى الأثر المحتمل الذى يمكن للتقنيات الرقمية أن تتركه على التجارة العالمية، ومنبها إلى أن التقنيات الجديدة تتطور بشكل أسرع من قطاعات تقليدية.
وأكد فى تصريحاته على أن منظمة التجارة العالمية تحث على الحوار مع مسئولين ومنظمات دولية معنية، فى ظل الحاجة إلى ما وصفه بـ «رفع الوعى بين القادة والحكومات» وبالرغبة فى العمل معهم لإيجاد الحلول...لمثل هذه الظواهر. ولا يعد تحذير أزيفيدو هو الأول بل هو الأحدث فى سلسلة من التحذيرات المتكررة والرسمية. فخلال القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين التى انعقدت فى سبتمبر 2016 بمدينة هانجتشو بالصين، وعلى غير المتوقع، جاءت كلمة الرئيس الصينى شى جين بينج فى افتتاح أعمال القمة بمثابة رسالة تحذير تؤكد أن العالم أمام خطر هائل قادم مالم يتم تلافى مسببات ذلك الخطر. وهذا الخطر متمثل فى تدهور اقتصادى قد يؤدى إلى نشوب صراع هائل بين أقلية تملك وأغلبية لاتملك، وقد يتطور الأمر إلى نشوب حرب عالمية شاملة وليست تجارية فقط. وأعرب عن اعتقاده بأن ملامح «المنعطف الدقيق» الذى يمر به الاقتصاد العالمى حاليا تتمثل أخطرها فى ما تواجهه العولمة الاقتصادية من عوائق خاصة فى ظل تنامى «الممارسات الحمائية» وحالات «التصادم» بين الترتيبات التجارية المتعددة الأطراف بالإضافة إلى خطر زيادة الفقاعات المالية.
وفى مارس 2017 عقد وزراء مالية دول مجموعة العشرين اجتماعات فى ألمانيا، وسط مخاوف من حرب تجارية نتيجة سياسة «أمريكا أولا» التى تتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة.
وأعرب المتابعون لاجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين، عن اعتقادهم بأن «الحمائية» أصبحت أقوى تأثيرا فى الاجتماعات، حيث لوحظ تزايد مستوى التحفظ بشأن تضمين البيان الختامى للاجتماع، أى تعهد بمحاربة «الحمائية»، على الرغم من أن هذا التعهد كان يعد فقرة شبه ثابتة فى بيانات المجموعة، وعندما يحدث خلاف اقتصادى بين الأعضاء.
أما ملامح الحرب التجارية التى تم التحذير منها فقد بدأت فى الظهور تدريجيا منذ سنوات قليلة وهوالأمر الذى تلازم مع رسم خطوط المواجهة الكبرى المتوقعة بين مختلف القوى التى تستعد للصدام فى مرحلة قادمة.
ويعد أبرز ملامح الحرب القادمة على المستوى العالمي، حيث القوى العظمى والتكتلات الأعظم، هو حالة الاضطراب التى تتعرض لها الأركان الرئيسية لتجمع «بريكس» الذى يضم أقوى اقتصاديات صاعدة فى العالم (روسيا والصين والهند و البرازيل وجنوب افريقيا). فهذا التجمع الذى تعلقت به آمال الكثير من الأطراف، خاصة فيما يتعلق بإنهاء الأحادية القطبية بإنهاء انفراد الولايات المتحدة بالقمة الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى العالم، أصبح اليوم على شفير زلزال حاد يهدده. ان الضغط الأمريكى على روسيا قد زاد بعد فرض واشنطن المزيد من العقوبات على موسكو مما ينبئ بمواجهة سياسية اقتصادية وبعقوبات وضغوط متبادلة بين الطرفين!
أما الصين، فقد دخلت فى نزاع مثير للقلق مع الهند خاصة أنه مصحوب بتحركات متعلقة بتوزيع النفوذ بينهما فى القارة الآسيوية وربما يمتد خارجها أيضا.
ودخلت البرازيل وجنوب إفريقيا فى دوامات من الأزمات الداخلية التى تهدد استقرارهما السياسى ومن ثم الاقتصادى والتجاري. وعلى المستوى الإقليمى يأتى ما يحدث فى الشرق الأوسط كأبرز مثال حى على الأزمة التى تم التحذير منها. فقد تداخلت عوامل مكافحة تمويل الإرهاب مع محاولات فرض الإرادة السياسية والاقتصادية فى تأزيم الموقف بين قطر المدعومة تركيا وإيرانيا من جانب ومجموعة الدول العربية المقاطعة لقطر من جانب آخر، والتى تضم دولا أبرزها حتى الآن كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وقد بدا الطابع التجارى للصراع بوضوح عندما هدد تعليق اجتماع دول مجلس التعاون الخليجى فى لندن خطط بريطانيا الخاصة باتفاق التجارة الحرة.
وكانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى قد وعدت العام الماضى باستضافة الاجتماع الأول لدول مجلس التعاون الخليجى خارج الخليج فى ديسمبر2017 كرمز للعلاقات التجارية المستقرة للدول الخليجية مع بريطانيا ، إلا أن النزاع بين قطر والدول الأربع المقاطعة لها غير من خطة القمة التى كان يراد لها الانعقاد فى بريطانيا.
وتقدر قيمة التجارة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجى بـ 30 مليار جنيه استرليني، وهو ما يتخطى صادرات بريطانيا للصين وأكثر من ضعف الصادرات إلى الهند. وكانت قطر، التى طالبتها الدول العربية المقاطعة بتنفيذ قائمة من المطالب التى يتعلق أغلبها بوقف تمويل ودعم الإرهاب، قد اتجهت إلى منظمة التجارة العالمية وتقدمت رسميا بـ «طلب اجراء مشاورات» (وهو مصطلح يعنى شكوى) تجاه الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) تتمحور حول إجراءات الدول الثلاث التى تعتبرها قطر من وجهة نظرها أنها «تقيد تجارة السلع والخدمات من قطر وحقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة».
ويعد ما قامت به قطر الخطوة الأولى فى نشوب نزاع تجارى، وتكون تلك الخطوة سابقة على إقامة دعوى قضائية فى منظمة التجارة أو فرض عقوبات تجارية.
وبذلك تحاول قطر نقل الأزمة إلى مستوى جديد يستتر بالتجارة، فى حين أن الأزمة فى أساسها تتعلق باتهامها بالإضرار بالأمن القومى لعدة دول عربية وبتقويض جهود مكافحة الإرهاب.
وقد ردت الدول العربية بأن جميع الإجراءات التى تم اتخاذها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر تتفق مع القواعد الدولية التى تتيح تشريعاتها تحرك الدول الأعضاء ضد أى دولة تمس أمنها واستقرارها، وهو حق سيادى مكفول فى الاتفاقية العامة للتجارة فى السلع.
وتقود الملامح المقلقة السالفة الذكر فى حال استمرارها إلى تهيئة العالم بوجه عام للمرور بحالة مشابهة لتلك التى كان عليها قبل الحربين العالمتين الأولى والثانية حيث، أدى الاقتصاد المتدهور والاضطرابات الجماهيرية على المستوى الوطنى فى أوروبا والسياسات التجارية الحمائية والرغبة الملحة فى فتح الأسواق بالقوة إلى توليد تفاعلات سياسية واجتماعية قادت بشكل مباشر إلى تفجير نار الحرب العالمية.
فهل سيستمر العالم فى انزلاقه نحو الهاوية أم أن تفاعلات المصالح وتغليب الحوار والتعاون والتحمل بالمسئوليات ستنقذ العالم؟!
إنه السؤال الذى ستأتى إجابته من مجتمع دولى مضطرب تضاربت مصالحه وتشوشت أفكاره إلى درجة تنبئ بالخطر.
رابط دائم: