رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تفكيك المشروع القطرى ــ التركى فى سوريا

رسالة لندن ــ منال لطفى
لقد طالت الأزمة السورية بما يكفي لكي تدرك كل الأطراف المؤثرة، حقيقة أهداف ومساعى الأطراف الأخرى المنخرطة على ساحة الحرب.

وهناك تطوران يعيدان تشكيل الساحة السورية.
أولاً: الأزمة القطرية -الخليجية -المصرية على خلفية رفض الدوحة تفاهمات دولية -إقليمية حول سوريا، وقضايا أخرى، تتبلور منذ أكثر من عام تقضى بوقف الحرب وبدء مرحلة التسوية السياسية .

ثانياً: قرار واشنطن قبل نحو أسبوعين إنهاء برنامج وكالة المخابرات الأمريكية (سى آى آيه) لدعم وتدريب وتسليح المعارضة السورية، وذلك لرفع الغطاء عن الدول التي ما زالت تقوم سراً وعلانية بدعم فصائل معارضة غالبيتها يعتنق إيديولوجية متطرفة وعلى علاقة بتنظيمي «النصرة» و»داعش».

ومع هذين التطورين، طُلب من جميع الأطراف المنخرطة في دعم الفصائل المسلحة وقف التمويل والتدريب والتسليح. وبادرت قوى خليجية عديدة، ساهمت بسخاء من قبل في تمويل الكثير من هذه الفصائل، إلى الإلتزام بالتفاهمات وأوقفت الدعم والتمويل.

لكن قطر ومعها تركيا رفضتا الالتزام بوقف التمويل وإنهاء دعم الفصائل التى ساهمتا في صناعتها. فالدوحة وأنقرة لديهما أهداف لا تتحقق بالضرورة مع انتهاء الحرب السورية وبدء التسوية السياسية.

وجزء كبير من الأزمة بين قطر ومحيطها الاقليمى يعود إلى تباين الحسابات فى سوريا، وعلاقة الدوحة ببعض المنظمات الأكثر تطرفاً.

فالقرار الأمريكى -الروسى، بالتفاهم مع مصر والأردن وقوى أخرى، لتوسيع تجربة مناطق خفض التوتر، وضع كل من قطر وتركيا أمام خيارات صعبة، وحاصر مشروعهما في سوريا.

التردد القطرى والتركى فى قبول التفاهمات الدولية والإقليمية الجديدة حول سوريا يرجع إلى حجم الاستثمار السياسى والمالى والمخابراتى للبلدين من أجل تغير النظام السورى.

فوفقاً لتقديرات صحيفة «فاينشيال تايمز» البريطانية أنفقت قطر خلال أول عامين للأزمة السورية ما لا يقل عن 3 مليارات دولار على المعارضة. هذا الرقم تضاعف مرتين حتى اليوم. وبكل الحسابات، تعد الدوحة أكبر ممول لدعم تنظيمات المعارضة سياسياً وعسكرياً. ووفقاً لـ»معهد استوكهولم الدولى لإبحاث السلام»، الذى يرصد عمليات نقل الأسلحة حول العالم، فقد أرسلت قطر مئات الشحنات العسكرية للفصائل السورية عبر تركيا.

ويوضح المسئول الأوروبى فى هذا الصدد:«القطريون فعلوا أكثر من أي طرف آخر لدعم المعارضة السورية عسكرياً. أرسلوا آلاف العناصر على الأرض لتعمل مع المعارضة، حتى أن الكثير من شحنات السلاح الأمريكية التي كانت تتوجه إلى سوريا، كانت توزع على فصائل المعارضة وفقاً لمعلومات آتية من تركيا وقطر».

ويضيف:»لكن شحنات الأسلحة الأمريكية كانت تتجه إلى أكثر الفصائل تشدداً. الأتراك والقطريون كانوا يرددون لشركائهم الأمريكيين: ليس من المهم لمن ستتوجه الأسلحة. المهم أن يسقط الأسد». وبحسب أكثر من مسئول أوروبى فإن هذا أدى إلى تباين مضطرد بين واشنطن من جهة، وأنقرة والدوحة من جهة أخرى. وتدريجياً لم تعد هناك أرضية مشتركة للعمل، وتعمق التضارب.

وأحد أمثلة التضارب، هو «تصنيف» جماعات المعارضة السورية المعتدلة وفصلها عن المتطرفة، وتوحيد المعارضة المعتدلة الراغبة في خوض مسار الحل السياسى مع الحكومة السورية.

القاهرة وموسكو على خط الأزمة:

ومنذ دخل الروس على خط الأزمة بنهاية 2015، تغيرت المعادلات جذريا. فالروس، استهدفوا الفصائل المرتبطة بتركيا وقطر والتي كانت مدعومة في السابق من أمريكا. ورفضوا تصنيفها بين معتدل ومتطرف. فعلى أرض الواقع، تقاتل كل الفصائل معاً بغض النظر عن التسميات والانتماء الايديولوجي. حتى جماعات المعارضة التي كانت تدربها المخابرات الأمريكية كانت تتعاون وتقاتل مع جماعات مرتبطة بالقاعدة مثل «جبهة النصرة» و»فتح الشام»و»جيش الاسلام».

كما أن دخول القاهرة على خط «مناطق خفض التوتر» لمواجهة الطموحات التركية الواضحة في شمال سوريا لعب دوراً في التوتر الأمريكي -التركي -القطري المتصاعد في هذا الملف وملفات أخرى.

فمناطق «خفض التوتر» تفتح الباب أمام مقترب آخر للحل في سوريا يقوم على التهدئة جنوباً وشرقاً، غرباً وشمالاً. لكن التهدئة خاصة في الشمال، تشكل انتكاسة لجهود تركيا إقامة منطقة عازلة أو آمنة على حدودها شمال سوريا. ولا عجب أن يتم تراشق لفظي وسياسي حاد بين أنقرة وواشنطن.

فالمبعوث الأمريكى فى التحالف الدولى ضد «داعش» برت ماجورك قال قبل أيام إن إدلب باتت «أكبر معقل لتنظيم القاعدة في العالم»، ممهداً الطريق أمام عمليات عسكرية كبيرة بدعم جوي أمريكي -روسي لطرد كل التنظيمات المتواجدة في إدلب حالياً.

ووجه المبعوث الأمريكي سهام نقد حادة إلى أنقرة بسبب «ترك السلاح يصل إلى المتطرفين» في إدلب لعدم ضبطها للحدود، وإغماض العين عن شحنات الأسلحة التي تمر عبر حدودها لـ»النصرة» وباقي التنظيمات المتطرفة. فردت أنقرة على اتهامات برت ماجورك، بوصفه أحد بقايا إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما «الفاشلة».

طبعاً أنقرة لديها أسبابا عديدة للتشكيك فى المبعوث الأمريكى على رأسها أنه «همزة الوصل» بين واشنطن و»قوات سوريا الديمقراطية»، التي تتشكل في غالبيتها من أكراد سوريا، والتي تراها أنقرة تهديداً وإمتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه جماعة إرهابية.

ومع التحذيرات الأمريكية لأنقرة والدوحة وإنهاء واشنطن برنامج المخابرات لدعم وتدريب فصائل المعارضة، يجد البلدان نفسيهما محاصرين في سوريا. ويوضح المسئول الأوروبى:»قرار ترامب وقف برنامج الأستخبارات الأمريكية والأزمة القطرية -الاقليمية -الدولية وما تبعها من عقوبات أقتصادية على الدوحة، يعني أولاً أن مصادر التمويل لفصائل المعارضة السورية ستجف بشكل كبير. فقطر محاصرة. وستجد أنقرة، التي مولت الكثير من أنشطتها في سوريا بالتفاهم مع أمريكا ومن الجيب الخليجي، ستجد نفسها مجبرة على مراجعة خططها للتمدد في إدلب وريف حلب الشمالي، من أجل إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا». هذه التحولات الدولية في سوريا حركها أولأً فشل مشروع المعارضة السورية. فبعد سنوات من الدعم والتمويل والتسليح والتدريب وصلت أمريكا إلى قناعة وهي أن «التحكم في هذه الفصائل مستحيل».

إذن تدخل الأزمة السورية منعطفاً جديداً. هذا المنعطف يعيد تشكيل التحالفات في المنطقة ويحاصر الدوحة وأنقرة.

ويوضح جوشوا لانديز: «قرار وقف برنامج دعم المعارضة قرار صائب. ففصائل المعارضة تخسر في سوريا. وأوباما نفسه كان سيتخذ قراراً مماثلاً. الكثيرون سيرحبون أن تسعيد قوات الجيش السورى الأراضي التي ما زالت بحوزة تنظيمات متطرفة مثل النصرة وداعش... لقد تفكك منطق تغيير النظام فى سوريا بالقوة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق