عمر هو ذلك الطفل الذى أطل علينا فى مثل هذا اليوم عام 2015 من يخت المحروسة بقناة السويس مع الرئيس، يعتبر مستشفى ٥٧ بيته، حتى تشعر أنك ضيفه فيها، يختار لك المكان المناسب للجلوس، مفوها فصيحا، رغم أن سنوات عمره لا تتعدى الـ 12 عاما. يعرف كيف يروى القصص والحكايات، يحب بقلب يبدو أكبر مما تتيحه له سنوات عمره، فكل زواره أصدقاؤه، مفتون ببطولات رجالات الحرب، وتضحيات الشهداء، يصارع السنين من أجل أن يحصل على لقب ضابط يريد أن يضمن اللحاق به.
بحثنا عنه فى مقره، إن شئت فقل فى بيته الثانى مستشفى ٥٧٣٥٧، وجدناه لدى «ترزى المستشفي»، يضبط «بدلته» العسكرية، يخيط نياشين وشعارات أهداها إليه أصحابه من الضباط، هكذا أخبرنا، بدأنا بالتحية العسكرية، ثم جلس على كرسى إلى جوارنا وقص علينا كعالم بفن الخطابة والحوار، فقال: «أنا عايز أحكى لكم قصه، كان فيه أب بيحب ولاده، بس كان دايما بياخد رأى الكبير، وكان عنده ابن صغير، بس ما كانش بيسأله عن رأيه، ففى مرة الولد الصغير بعت لوالده هدية، ووضع جواها رسالة «أرجوك أن تنتبه لوجودى يا أبي»، سألناه من تريد أن ينتبه لك؟، فقال: أريد أن ينتبه الرئيس لرجائى فى أن أكون أصغر جندى بالجيش، هذه أمنيتى الوحيدة التى أريد لها أن تتحقق، أريد أن أثأر لصديقى أحمد عبد اللطيف، لأنه أصيب فى سيناء، قاطعته والدته، قائلة: الضابط أحمد هو من جعل عمر يتعلق بالعسكرية، كان دائم الزيارة له، واللعب معه، وعندما أصيب زاره عمر فى المستشفى وسمحوا له بدخول غرفة العناية المركزة بناء على طلب شخصى من الضابط أحمد عبد اللطيف، ثم قاطعنا عمر قائلا أنا زرته بورد ملفوف فى علم مصر، ثم سكت عمر لحظة وامتلأت عيناه بالدموع قائلا: «وصاحبى الشهيد أحمد زهران أنا بأزور مامته»، وأردف قائلا: «ممكن تقرأوا الفاتحة معايا لصحابي»، ثم قام من مجلسه ووقف قائلا، العام الماضي، كنت بألعب مع الدكتور بتاعى وشفت الضابط سيف المهدي، كان بيعمل مسح ذرى لزوجته، وشافني، وطلب منى يتصور معايا، قلت له بس بشرط، توصل الكلام اللى هقوله للريس، قاطعناه بسؤال: ماذا لو تكرر اللقاء هذا العام؟، ماذا كنت ستطلب منه نظير صورتك؟، فقال: «أمنيتى انى أبقى ضابط، زى صحابى الضباط، كنا ٢٣ بقينا ١٣، الـ ١٢ الباقيين استشهدوا»، وبكى صديقته رقية التى توفيت بعد صراع مع مرض السرطان إلى جواره فى المستشفى قائلا كنت أحب رقيه لكنها توفيت، ثم سألناه فى الذكرى الثانية لافتتاح قناة السويس، ماذا تريد، خاصة أنك قابلت الرئيس فى افتتاحها، فقال أريد أن أقابل الرئيس مرة ثانية، فسألناه لماذا تريد لقاء الرئيس؟، فقال أريد أن أسلم عليه، وأقول له: «إيدى فى إيدك أنا والأطفال هنا هنبنى مصر معاك»، ثم استطرد عمر قائلا أنا بحب كل حاجه فى مستشفى ٥٧ ودكتور شريف عشان فى مرة كان فى زيارة ووزعوا على كل الأطفال لعب، وأنا ما أخدتش لعبه، فدكتور شريف إدانى فلوس وقال لى اشترى أحسن لعبه تحبها، وفى العيد بييجى الصبح بدرى يجيب لكل الأطفال فى المستشفى لعب ويفرقع لهم بالونات تحت عشان ننزل كلنا ويلعب معانا، ثم نظر إلى عمر وقال، أحكى لك حكاية؟، وأكمل: «فى مرة لقيت بنت قاعدة بتعيط عشان ما أخدتش لعبة، فاديتها لعبتى عشان ما تعيطش، ود.شريف شافنى فإدانى علبة شيكولاته كبيرة وقالى وزعها انت على صحابك فى المستشفي، عشان كده أنا بحبه».
رابط دائم: