رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اللاجئون..قضية مستعصية على الحل

إيمان عارف
فى الوقت الذى تؤكد فيه الأمم المتحدة استمرار جهودها لحل النزاعات والحروب، وبينما يواجه المجتمع الدولى تحديات جمة يأتى فى مقدمتها مواجهة الارهاب، تظل قضية اللاجئين قضية محورية، ليس من منظورها الانسانى فحسب، ولكن من منطلق تاثيرها الحالى والمستقبلى على الاجيال القادمة.

الأمر الذى يجعل هذه القضية مشكلة مستعصية على الحل أمام المجتمع الدولي بكل أطرافه. والدليل على ذلك الأرقام الصادمة التى ظهرت فى أكثر من تقرير أصدرته المنظمة الدولية ووكالاتها المتخصصة، حيث وصلت أعداد اللاجئين طبقا للأرقام المعلنة لأكثر من 65 مليون لاجئ وهو رقم غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ولكنه لا يشمل اللاجئين الفلسطينيين الذين توارى ذكرهم للاسف فى خضم الحديث عن طوفان اللاجئين الجديد.

هذا الرقم المفزع الذى يعد دلالة واضحة على مدى تدهور حالة السلم والامن الدوليين، دفع الامم المتحدة لتدشين حملة بعنوان «مع اللاجئين» من المقرر أن تستمر حتى التوقيع على ميثاق عالمى لهؤلاء العام القادم، وهو أمر استقرت عليه المنظمة الدولية خلال المشاورات السنوية للمفوضية فى جنيف بمشاركة الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية العاملة فى مجال اعادة توطين اللاجئين، خاصة ان هذه الارقام تؤكد ضرورة تضافر جهود كل الاطراف. وهو أمر أكده كثيرا فيليبو جراندى المفوض السامى لشئون اللاجئين، الذى أوضح أن اعادة توطين اللاجئين تزيد بمقدار 13 مرة عن الاماكن المتاحة لذلك.

فخطورة المشكلة ـ كما تؤكد التقارير ـ تتمثل فى أن قضية اللجوء أصبحت تتسارع بوتيرة غير مسبوقة منذ عام 2011 وبالتزامن مع اندلاع الحرب فى سوريا، وهو ما جعلها بالتأكيد المصدر الرئسى للنزوح فى العالم، يليها أفغانستان ثم الصومال، بل إن الاخطر طبقا للتقارير أن الاطفال يشكلون أكثر من نصف عدد اللاجئين حول العالم وهو أمر ستكون له نتائج سلبية بلا شك على مستقبل هؤلاء. وبالرغم من تأكيد التقارير المختلفة أن سوريا أصبحت وبكل المقاييس أكبر أزمة انسانية فى العصر الحالى بعد أن وصل عدد اللاجئين السوريين فقط إلي 6 ملايين لاجئ، فانه لم يغفل كذلك عن الصراعات فى كل من العراق واليمن وجنوب السودان التى تسهم بدورها فى تفاقم أعداد طالبى اللجوء.

واللافت فى هذه القضية المتشابكة والمعقدة أن أوروبا تعد بلا منازع الوجهة الاولى لطالبى اللجوء والمهاجرين، رغم أن نقص الامكانات وغياب الطرق الآمنة يضع نهايات مأساوية لمئات ممن يخاطرون بحياتهم عبر البحر المتوسط. وطبقا للاحصاءات فقد استقبلت القارة الاوروبية خلال عام 2016 ما يقرب من 1٫2 مليون لاجئ، ومع ذلك فان الواقع يشير الى أن الدول الاوروبية الغنية ليست الطرف الذى يتحمل العبء الاكبر للأزمة. فتركيا على سبيل المثال يوجد بها نحو ثلاثة ملايين لاجئ سورى، بينما تستضيف لبنان نحو 1٫7 مليون سورى، ونصف هذا العدد تقريبا يوجد فى الاردن. الأمر الذى يوضح أنه بالرغم من أن التركيز العالمى على أزمة اللاجئين من نصيب اوروربا، فان الواقع يؤكد أن الدول ذات الدخل المحدود والمتوسط هى التى تتحمل العبء الاكبر فى مواجهة هذه المأساة. هذا الوضع الملتبس دفع مسئولى الامم المتحدة وفى مقدمتهم المفوض السامى لمطالبة الدول الاكثر ثراء باستقبال المزيد منهم، رغم دعوات الممانعة والرفض والتقييد من دول كبرى مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال.

ولعل الجانب الاخطر فى هذه القضية هو تداعياتها على الوضع الداخلى فى الدول التى تستضيفهم سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. فقد رصد المراقبون تزايدا فى تيار الرفض لوجود هؤلاء وزيادة ملحوظة فى الشعور المعادى لهم، انعكس سلبيا على السياسة الداخلية فى كل من بريطانيا والمجر وهولندا وفرنسا وايطاليا والمانيا، وكلها دول اكتسب فيها اليمين المتطرف أرضا جديدة. وهو ما دفع المفوضية العليا ـ على لسان رئيسها ـ للتحذير من هذه الروح العدائية تجاه مواطنين عزل وجدوا أنفسهم ضحية لصراعات وحروب طاحنة عصفت بهم وبأمنهم. والدليل الواضح على هذا الشعور العدائى ما شهدته بعض الدول الاوروبية من تصاعد فى موجات العنف ضد اللاجئين، ولعل ألمانيا هى النموذج الأبرز في ذلك كونها الدولة التى استقبلت العدد الاكبر من اللاجئين، وهو ما شكل لاحقا ضغطا سياسيا هائلا على المستشارة انجيلا ميركل. فقد كشف تقرير لوزارة الداخلية الألمانية مطلع العام الحالى أن الهجمات التى استهدفت اللاجئين أسفرت عن تعرض 560 شخصا لاصابات بينهم عشرات الأطفال، ووصل الامر لمعدل عشر هجمات يوميا، رغم الادانات الحكومية والتأكيد المستمر على حق من طلبوا الحماية فى المانيا فى الحصول على مأوى آمن. لقد كشفت قضية اللاجئين أنها لم تعد مأساة انسانية فقط، ولكنها قضية سياسية بالأساس تتعلق بفشل المجتمع الدولى، وتنصل الدول التى تملك القوة والقدرة من مسئوليتها فى وضع نهاية للحروب والصراعات التى طال أمدها وتسببت فى مزيد من الانتهاك للقوانين الانسانية .ولعل ذلك هو ما دفع انطونيو جوتيريش الامين العام للامم المتحدة لتوجيه نداءات للمجتمع الدولى لزيادة الدعم الانسانى لهذه القضية، مشيرا الى أن المساعدات ليست منحة ولكنها التزام يحتمه القانون الدولى، داعيا الدول لعدم اغلاق حدودها أمام هؤلاء الفارين بحثا عن الامن والى المواجهة الجدية للعنصرية التى تستهدف اللاجئين وتعتبرهم جزءا من التهديد الارهابى بينما هم أول ضحاياه.

لقد سبق وأشاد فيليبو جراندى المفوض السامى لشئون اللاجئين بشجاعة ومثابرة أكثر من 65 مليون لاجىء حول العالم فقدوا كل شىء ولكنهم لم يفقدوا الامل فى غد أفضل، ولكن السؤال المطروح: الى متى سيتحمل هؤلاء المعاناة ويتمسكون بالامل؟ والى متى سيغض المجتمع الدولى الطرف عن هذه القضية الانسانية التى شارك فيها تارة بتشجيع اطراف النزاع وتارة اخرى بالصمت والتجاهل لما يحدث؟.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق