ماذا يحدث بعد سقوط «داعش» عسكريا؟ وأين سيذهب أتباعه ومن كانوا تحت سيطرته من افراد؟ وكيف يمكن رصد تحركات هؤلاء عبر الحدود إقليميا ودوليا والتعامل معهم؟ إنها الأسئلة التى تبحث كل المؤسسات الأمنية والبحثية عن إجابات لها.
وفى مجلس الأمن تم تداول تقرير يحذر من مخاطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يغادرون ميدان القتال ويعودون إلى دولهم الأصلية أو دول إقامتهم أو ينتقلون إلى دول ثالثة، والتى غالبا ماتكون مناطق مشتعلة بالنزاعات أو مرشحة لإشعال نزاع بها من قبل الجهات الدولية الراعية للإرهاب.
وكان أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة قد أشار فى تقريره الأخير المقدم إلى مجلس الأمن بهذا الشأن إلي أن تنظيم «داعش» والمنتسبين إليه أصيبوا بانتكاسات، مؤكدا أهمية يقظة الدول الأعضاء لأن التهديد النشط والعابر للحدود الوطنية الذى تشكله هذه الجماعات الإرهابية على نحو متزايد ما زال يقوض بشدة السلام والأمن الدوليين.
وقد تم التحذير من زيادة مستوى التهديد الذى يشكله هؤلاء الأفراد العائدون نظرا لما يبذله تنظيم «داعش» وأتباعه من جهود لتعزيز دور المنتسبين إليه، عن طريق بث الأفكار الهدامة لدى بعض الأفراد وإرشادهم، وتوجيههم مركزيا (عن بعد) فى بعض الحالات، لشن هجمات على أهداف مدنية.
وقد أسفرت ظاهرة العائدين من مناطق كانت خاضعة لتنظيم «داعش» وأشباهه عن عدة ملامح فى المحيط الإقليمى والدولى كان لها مردودها الأمنى والقانونى والاجتماعى والإنسانى وتمثل أبرزها فيما يلى:
1ـ فى حوض بحيرة تشاد، أدت النجاحات العسكرية التى حققتها القوة المشتركة المتعددة الجنسيات والقوات الوطنية إلى استسلام أعداد كبيرة من المقاتلين. وحاليا تواجه دول حوض بحيرة تشاد تحديا يتمثل فى كيفية التعامل مع المقاتلين الذين تم أسرهم خلال العمليات العسكرية، أو خلال حركة الأفراد والجماعات عبر الحدود ومن مخيمات المشردين داخليا واللاجئين وإليها.
2ـ لمواجهة الزيادة في أعداد المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان إقامتهم، عدلت عدة دول تشريعاتها لحرمان المشتبه فى كونهم مقاتلين إرهابيين أجانب من الجنسية أو إلغاء وثائق سفرهم قبل عودتهم من الخارج.
وفى بعض الحالات، يكون اللجوء إلى هذه التدابير دون إدانة جنائية أو الاحتكام إلى القضاء. وفى بعض الدول لا تنص التشريعات على تدابير حماية واضحة تمنع تحويل المواطنين إلى أفراد عديمى الجنسية.
3ـ وعندما لا تتوافر الأسس القانونية الكافية والأدلة المقبولة، تواجه دول العبور تحديات عديدة عند احتجازها المقاتلين الإرهابيين الأجانب المشتبه بهم أو محاكمتها لهم فى أراضيها أو تسليمها إياهم. وهناك قلة قليلة جداً من الدول هى التى تجرم السفر إلى مناطق محددة باعتباره جريمةً قائمة بذاتها. ولا يزال جمع الأدلة الكافية ضد المقاتلين الإرهابيين وإثبات نواياهم أمرا ليس باليسير. وفى ضوء ذلك، ثمة خطر يتمثل فى أن يظل بمقدور المقاتلين الإرهابيين الأجانب مواصلة سفرهم حتى بعد توقيفهم فى بلدان العبور.
4ـ وكلما طال بقاء المقاتلين الإرهابيين الأجانب فى مناطق النزاع، زادت احتمالات ارتكابهم أعمالا إرهابية أو جرائم خطيرة أخرى، واعتناقهم قضايا التطرف العنيف، واكتسابهم مزيدا من الخبرة والتدريب، وتعزيزهم شبكات عملهم. وقد يشترك المقاتلون الإرهابيون الأجانب الباقون فى الدول التى ذهبوا إليها فى مواجهات عسكرية مباشرة وعدائية. وعلاوة على ذلك، فإن الشبكات التى ينشئونها فى الدول التى تسللوا إليها (المقصد) قد تساعدهم فيما بعد على التسلل بشكل غير مشروع إلى بلدانهم أو الانتقال إلى غيرها دون أن ينكشف أمرهم.
ولتوفير حلول شاملة طويلة الأجل لهذه التهديدات، يمكن إكمال التدابير الإدارية المتعلقة بالسفر عن طريق التعاون مع الدول الأخرى على تقديم الإرهابيين إلى العدالة.
سبل الوقاية والمواجهة
أما سبل الوقاية والمواجهة المقترحة لظاهرة العائدين من مناطق «داعش» فشملت عدة محاور كان من أبرزها مايلى:
1ـ عدم اكتفاء الدول بالتركيزعلى رصد ومتابعة طرق السفر التى يستخدمها المقاتلون الإرهابيون الأجانب الساعون للانضمام إلى تنظيم «داعش» أثناء «الدخول»، بل يجب رصد طرق «الخروج» التى قد تختلف عن طرق الدخول. فينبغى إكمال جهود مراقبة سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب بتدابير تكفل تقديمهم إلى العدالة.
وقد حذر أمين عام الأمم المتحدة من أن الدول مازالت تواجه العديد من العراقيل فى عملية التوصل للمعلومات المخابراتية وتحويلها إلى أدلة مقبولة ضد المشتبه فى كونهم إرهابيين عائدين. ونصح بإعطاء أهمية خاصة للتدابير الرامية إلى تعزيز التعاون وبناء القدرات فى هذا المجال، ولتدابير إضافية، مثل تحسين جمع المعلومات والأدلة وحفظها وتقاسمها فى مسارح النزاع ومواقع الهجمات.
2ـ كما تم النصح بأهمية تتبع وسائل اتصالات الإرهاب لتحديد سبل فعالة لمنع ووقف انتشار الرسائل الإرهابية وجمع الأموال لأغراض إرهابية.
3ـ وضع وتنفيذ استراتيجيات للتعامل مع فئات «محددة» من العائدين مثل النساء والأطفال والتركيز على العوامل التى تؤدى إلى تجنيد المستضعفين من أفراد المجتمع، وبخاصة الأطفال، واستغلالهم وإيذائهم لأغراض إرهابية، بهدف تحديد الثغرات الرئيسية وضمان توفير الحماية والدعم الكافيين لهم، ووضع المناهج التى تلبى احتياجاتهم المحددة فيما يتعلق بإعادة الإدماج داخل مجتمعاتهم.
4ـ توفير الحماية الكافية للاجئين الفارين من مناطق النزاع. فبعض الدول تتخذ تدابير مشددة للسيطرة على ظاهرة سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وصد المهاجرين على الحدود، وتسليم الأفراد وطردهم وترحيلهم دون اتباع الأصول القانونية المرعية، وهو ما يثير مسائل مهمة تتعلق بحقوق الإنسان ولكن الأهم هو أنها تحمل فى طياتها خطر تحويل مسار المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى دول أخرى ووجود بيئة مواتية لنمو أنشطة أخرى غير مشروعة مثل الاتجار بالبشر وتهريبهم.
5ـ نظرا لتشجيع تنظيم «داعش» بشكل متزايد لمقاتليه والمتعاطفين معه على شن هجمات فى الدول التى يقيمون فيها، تبرز بصفة خاصة أهمية حماية البنى التحتية الحيوية، بالتعاون مع كل الجهات المعنية.
6ـ تزويد موظفى الخط الأمامى القائمين على إنفاذ القوانين بالمهارات والمعارف اللازمة لكشف المقاتلين الإرهابيين الأجانب ومنع سفرهم فى المطارات الدولية.
وقد تم التنويه إلى وجود مبادرات من المنظمات الدولية تعمل على تنمية المهارات المتصلة بالتعامل مع العائدين ومعالجة حالة الأطفال من المقاتلين الإرهابيين الأجانب.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول ملزمة قانونا بمقاضاة أولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة للقانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى أو اقترفوا جرائم إرهابية وبأن تقدمهم إلى العدالة وبأن تطبق معايير متسقة فى تقييمها لمثل هذه الحالات، وذلك بغض النظر عن كيفية وقوع هؤلاء الأفراد فى نطاق مسئوليتها وعن مكان إقامتهم الحالى. ووفقا للقرار الأممى رقم 2349 (2017)، يجب على الدول أيضا أن تضع تدابير شاملة للتعامل مع جميع الأشخاص المرتبطين بجماعات إرهابية بما يشمل، حسب الاقتضاء، تنفيذ برامج تهدف إلى نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والتأهيل وذلك بما يتسق مع المعايير الدولية.
رابط دائم: