رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لافروف وتكرار الخروج على النص

رسالة موسكو د. سامى عمارة

على الرغم من شهرته كدبلوماسي عابر للحدود جابت شهرته الآفاق، وكمحب للشعر الذي «يقرضه» بامتياز، وعاشق للنكتة والدعابة التي طالما أذابت الكثير من الجليد في أعقد الظروف السياسية، فان هناك من الأشياء ما لا يفارق ذاكرة الصحفيين المحليين والأجانب، ومنه الذي يرتبط باسمه كضوء أحمر طالما أشعله انذارا وتحذيرا، مثل خروجه عن «المألوف في لغة الدبلوماسية والسياسة»، وتحوله الى ما هو أقرب الى أساليب التعنيف والسباب. ذلك هو سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية الذي عاد مؤخرا الى سجالاته مع عدد من الصحفيين ممن يفتقدون أصول اللياقة والكياسة خلال الفعاليات السياسية، وهو ما أعاد الى الاذهان «انزلاقه»، الى ما قد يقترب من التعنيف والاهانة، مثلما حدث مؤخرا في أعقاب لقاء الرئيسين بوتين وترامب في هامبورج، وفي ختام مؤتمر وزراء خارجية بلدان منظمة الامن والتعاون الاوروبي، وقبل ذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع أحد وزارء الخارجية العرب في موسكو.

وزراء الخارجية في الاتحاد السوفيتي السابق، ولاحقا في روسيا، طالما عرفهم العالم تحت تسميات وكُنىً مختلفة. فبينما عرف العالم عميد الدبلوماسية العالمية، وأقدم وزراء خارجية الاتحاد السوفيتي اندريه جروميكو تحت اسم "السيد لا"، في اشارة الى رفضه الدائم والمتكرر لكل العروض والمقترحات في العديد من المحافل الدبلوماسية العالمية، تاكيدا لحق بلاده في فرض وجهات نظرها ابان سنوات الحرب الباردة، جاء اندريه كوزيريف أول وزراء خارجية الرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين، الذي عُرف بتنازلاته المستمرة وموافقاته على كل ما يطرحه الغرب من مقترحات، ما كان تفسيرا صارخا لكنية "السيد نعم" التي ظل يتمتع بها، حتى جاء يفجيني بريماكوف في عام 1996 ليعيد للدبلوماسية الروسية وقارها ومكانتها من موقعه كوزير للخارجية، قبل ان يغادره في عام 1998 ليتولي رئاسة الحكومة الروسية، ويتركه الى ايجور ايفانوف الذي لم يخرج عما وضعه سلفه من قيود والتزامات. وحين أراد الرئيس فلاديمير بوتين التغيير في عام 2004 ، لم يجد أفضل من سيرجى لافروف المندوب الدائم لروسيا في الامم المتحدة لما يزيد عن عشر سنوات ، والذي توقف عنده خياره ليشغل ذلك المنصب منذ ذلك الحين وحتى اليوم، ادراكا من جانبه لمدى ما يمثله من قيمة ومكانة، وتقديرا لكفاءاته التي طالما حظيت بتقدير واعجاب أقرانه في مجلس الامن وغيره من المحافل الدولية.

ويذكر المراقبون ان لافروف جاء الى "المبنى العالي" في وسط العاصمة، وهو الاسم الذي يطلقونه على مقر وزارة الخارجية غير بعيد عن الكرملين، ليؤكد الكثير من القيم الايجابية لأسلافه، مضيفا اليها المزيد من النشاط والحيوية، المفعمة بجسارة وإقدام يبدوان تجسيدا للقول المأثور ان "الهجوم هو خير وسيلة للدفاع". ومن هنا كان خروج سيرجى لافروف في الكثير من المواقف الاستثنائية، عن المألوف، بعيدا عن "النمطية" التي عادة ما يتسم بها أبناء السلك الدبلوماسي.

ومن هذا المنظور، وفي لقائه مع نظيره الامريكي ركس تيلرسون الذي كان وصل الى موسكو في أول زيارة له للعاصمة الروسية كوزير لخارجية الولايات المتحدة في ابريل الماضي، لم يكن غريبا ان يحتدم غضب سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية من جراء تدافع الصحفيين المرافقين لتيلرسون ومحاولاتهم الخروج على تقاليد "تصوير بداية المباحثات"، التي لا تسمح بتوجيه الاسئلة. لم يمسك لافروف نفسه عن التعليق على مواصلة الصحفيين الامريكيين صخبهم وصياحهم في محاولة لتوجيه اسئلتهم في غير موقعها، بقوله :" من الذي قام بتربيتكم؟ من علمكم مثل هذا السلوك؟". قال لافروف ذلك، ليواصل حديثه ترحيبا بضيفه الامريكي، ما اضطر الجميع معه الى التزام الصمت. وحين فرغ لافروف من كلمته توجه الى الصحفيين الامريكيين ساخرا ليقول: "والان يمكنكم توجيه اسئلتكم!".وفى مناسبة أخرى إعترض لافروف على مواصلة بعض الصحفيين مقاطعتهم له ولزملائهم من الصحفيين الذين احتشدوا حوله في ختام لقاء الرئيسين بوتين وترامب في هامبورج على هامش القمة الاخيرة لمجموعة العشرين. آنذاك ضاق لافروف ذرعا باستمرار عدد منهم في مقاطعته، وتجاوز الزملاء ممن سمح لهم بتوجيه اسئلتهم ليصيح قائلا: "من الذي قام بتربيتكم؟"! ، ليخيم الصمت على المكان ويعود كل الى مكانه. وفي ختام مؤتمر وزراء خارجية بلدان منظمة الامن والتعاون الاوروبي عاود الصحفيون ممارساتهم التي اعتبرها لافروف تجاوزا يفوق الحد. وكانوا احتشدوا أمام منصة المؤتمر، فيما أدار بعضهم ظهوره الى المجتمعين، الى الحد الذي اضطر معه الوزير الروسي الى التدخل قائلا:" افسحوا المكان .. نكاد نختنق! انكم تزاحمون الجالسين الى مائدة المفاوضات.. ان أقل ما يمكن ان نصف به مثل هذا السلوك انه "قلة ادب"!. وما ان حاولت احدى الصحفيات الالتفات الى لافروف لتتوجه اليه بسؤالها وقد القت بجسدها عبر المائدة للاقتراب أكثر من الوزير الروسي، حتى انفجر فيها قائلا: "من ذا الذى تولى تربيتكم؟ في المدرسة ؟ أم الوالدان؟ ألم يقولوا لكم انه من الواجب الابتعاد، طالما المتحدث يواصل حديثه؟".

تلك نماذج مما تناقلته وسائل الاعلام في صدد وصفها لبعض المواقف التي اضطر فيها الوزير الروسي الى الخروج عن النص مع الصحافيين. فماذا اذن عن مواقفه مع زملائه من أساطين الدبلوماسية العالمية؟.

نذكر بهذا الصدد بعض مواقف وتعليقات شاءت الاقدار ان نستمع اليها منه شخصيا خلال أحد احتفالات وزارة الخارجية الروسية برأس العام الجديد التي عادة ما يدعو اليها بعض الصحفيين الاجانب. نذكر اننا سألناه عن نوادره مع التدخين الذي يعتبر لافروف أحد أكبر مدمنيه. قال لافروف أنه لا يدخن في الكرملين خلال اجتماعاته مع الرئيس بوتين، لكنه يذكر موقفا صادفه ابان عمله مندوبا دائما لروسيا في الامم المتحدة. أراد لافروف الاحتجاج على قرار اتخذه كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة حول حظر التدخين داخل المقر. قال انه اضطر الى الصعود الى مكتب عنان، حيث اشعل سيجارته دون ان يلقي بالا الى احتجاجات كوفي عنان، التي رد عليها بقوله "انه اي عنان لم يتدارس "قرار الحظر" مع أعضاء الامم المتحدة، وان المبنى ملك لاعضائه، وأن وظيفته تقتصر على الادارة المؤقتة". قالها لافروف ضاحكا لينتهي الموقف عند هذا الحد، ودون تبعات تذكر.

يذكرون ايضا ان الوزيرتين السابقتين للخارجية الامريكية هيلارى كلينتون وكونداليزا رايس لم تنجوا من لسانه اللاذع، حيث قيل انه طالما وصف الوزيرة هيلارى كلينتون بالمجنونة، او حسب الترجمة الاكثر دقة "الهستيرية"، وهو الوصف الذي كان أطلقه على سابقتها رايس. ويذكر الكثيرون من رجال الدبلوماسية والسياسة، بل والصحافة أيضا، ما قاله سيرجي لافروف في حق نظيريه البريطانيين فيليب هاموند وجاك سترو، وهي أوصاف لم ينج منها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء، وكانت تسربت عبر الميكروفون المفتوح، الذي طالما أودى بالكثيرين من رجال السياسة العالمية ومنهم الرئيسان الامريكيان رونالد ريجان وباراك اوباما ومعهما الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الى "هوة السقوط في شرك المحظورات" مثلما حدث خلال لقاء اوباما مع ساركوزي الذي وصف فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بانه غير موثوق به لانه "كذاب"، ولم يكن يدرى ان "الميكروفون مفتوح". وعلى الرغم من كل حدة التعبيرات التي ندت عن لافروف في العديد من المناسبات، فان أحدا لم يضعها عقبة أو سببا في عدم التعامل معه، ادراكا من جانبه ان لافروف كان ولا يزال أحد أبرز رموز وأركان الدبلوماسية الروسية والعالمية وأكثرهم براعة، وما قد يكون في صدارة أسباب رفض الرئيس بوتين للتخلي عنه، وكان طلب اكثر من مرة اعفاءه من منصبه .. هكذا يقولون في العاصمة الروسية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق