كان صوت القاص والروائى نبيل عبد الحميد واهنا متعبا أثناء إجراء الحوار، حيث خرج أخيرا من محنة مرض صعبة وخطيرة، لكن لا يمكن إلا أن تلمح فى ثنايا كلامه تلك الإرادة القوية والإصرار على العطاء، وكذلك حجم التفاؤل الذى يحمله قلبه، بوصفه رئيسا لنادى القصة، تجاه مستقبل النادى رغم اعترافه بالمشقة الكبيرة التى يتكبدها مجلس الإدارة بسبب الأزمة المالية «المزمنة» التى يعانى منها منذ سنوات.. مررت بفترة مرض صعبة وطويلة، والملاحظ أن نشاطك استمر ولم يتوقف خلال فترة المرض.
هذا صحيح فلم يكن باستطاعتى التوقف عن أداء دورى فى الحياة الثقافية رغم مرضى الشديد، حيث أشعر بأن هذا المجهود هو جزء من وجودى فى الحياة، وبالتالى فإنى كنت أثابر لكى أستمر فى هذا النشاط الذى أشعر معه بمتعة كبيرة، وأحقق معه ذاتى كأديب وجد أخيرا الفرصة لتحقيق ما يتمناه فى هذه السن، فقد كنت، رغم آلام المرض، أجد السلوى والراحة فى الكتابة وفى متابعة أعمالى الثقافية.
وقد بذلت خلال الفترة الماضية مجهودا كبيرا سواء فى المجلس الأعلى للثقافة أو فى نادى القصة، فأنا عضو فى لجنة القصة بالمجلس التى يترأسها الكاتب يوسف القعيد، حيث تحاول اللجنة بحث المشكلات الحقيقية التى تواجه الكُتَّاب وإيجاد حلول لها، وقد بدأنا العام الماضى مجموعة من الندوات الإضافية الصيفية، فى فترة توقف جلسات المجلس خلال فصل الصيف، ومازلنا ننظمها هذا العام أيضا، وقد اقترحت فكرة تنظيم هذه السلسلة من الندوات التى يشارك فيها مجموعة من أدباء أقاليم مصر المختلفة، حيث نستضيف كل شهر أدباء ونقاد أحد الأقاليم، وتلك الندوات تحقق نتائج لافتة، على اعتبار أن بعض هؤلاء الكتاب لم يدخلوا المجلس ولا يعرفون ما يدور فى رحابه، وبالتالى كانت هذه الندوات فرصة لأن يتم إلقاء الضوء على إبداعهم، كذلك يتم تقييمهم من داخل المجلس بشكل جاد.
وماذا عن نادى القصة؟
أُجريت الانتخابات الدورية لتجديد هيئة المكتب أثناء فترة مرضى، ورغم ذلك فقد نجحت واحتفظت بمنصب رئيس النادى، وذلك لثقة الأعضاء فى جهودى، وللتفاهم والانسجام مع أعضاء مجلس الإدارة، وقد بدأت سلسلة ندوات أيضا فى نادى القصة استضفنا فيها مبدعى ونقاد الأقاليم، وقمنا بعمل نوع من الحراك الثقافى بالتجديد فى أسلوب اختيار الضيوف وفى مواضيع الندوات، كذلك استمرت مسابقة نادى القصة السنوية التى أنشئت منذ عهد طه حسين، وهذه المسابقة تكتسب مصداقية كبيرة والإقبال عليها متزايد، لدرجة أن بعض المبدعين العرب شاركوا فيها، وهذا يرجع إلى أن هدفنا الوحيد منها هو اكتشاف مبدعين حقيقيين، وقد حضر وزير الثقافة تسليم جوائز العام الماضى، ورأى بنفسه حجم الإقبال عليها، كذلك فإن لوحة الشرف المسجل فيها أسماء الفائزين بالمسابقة فى السنوات الماضية تحمل الكثير من الأسماء اللامعة على الساحة الأدبية التى كانت بدايتها الفوز بمسابقة نادى القصة، هذا بالإضافة إلى الندوات التدريبية والتعليمية التى يقبل عليها الشباب بشكل كبير.
إلى أين وصلت الأزمة المالية التى يواجهها نادى القصة منذ سنوات؟
الأزمة مازالت موجودة رغم الدعم البسيط الذى وفره لنا وزير الثقافة حلمى النمنم، ونحاول تدبير الأمور بهذا الدعم، ولكن الأزمة قاسية لدرجة أن الدافع الوحيد لأعضاء مجلس الإدارة يرجع لتقديرهم وانتمائهم لهذا المكان العريق الذى نواجه مشقة بالغة ونبذل جهودا مضنية لاستمرار نشاطه، حتى لا تفقد الثقافة المصرية ركنا مهما يفخر بأسماء كبيرة عملت تحت مظلته وما زالت أركانه تحمل عبقهم مثل طه حسين ونجيب محفوظ وغيرهما، فقد وصل بنا الأمر لجمع تبرعات من الأعضاء لكى نستكمل نفقات النادى، ولكن من الصعب الاستمرار فى قيام النادى على مثل هذه التبرعات، ولذلك نحاول البحث عن موارد أخرى، فقررنا استضافة حفلات التوقيع وبعض المعارض، لكن هذا يتطلب الحصول على موافقة أصحاب المكان، لأن المقر مؤجر وليس ملكا للنادى، ونسدد عنه إيجارا شهريا، كذلك قررنا تقليص بعض الأنشطة لتقليل النفقات رغم أن ذلك يشعرنا ببعض التقصير لكن لم يعد بيدنا حلول أخرى، خاصة مع الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وأملى الكبير أن يظل نادى القصة مفتوحا يقدم أنشطته للأدباء.
إذا انتقلنا للجانب الإبداعى، فسنجد أنك تهتم بنقل التغيرات التى تحدث فى المجتمع المصرى من خلال أعمالك، خاصة التطورات الاقتصادية، ما سبب هذا الاهتمام؟
لقد لفت نظرى الانفتاح الاقتصادى وآثاره على الناس خاصة الموظفين، لأنى كنت موظفا بإحدى الشركات التجارية، وكنت قريبا جدا من التعاملات والخلافات الاقتصادية، فكتبت بعض الأعمال، منها رواية «فرس النبى» التى ركزت على أثر هذا الانفتاح الاقتصادى فى تشكيل المجتمع المصرى فى هذا الوقت، وقد لاقت هذه الرواية استحسانا ورواجا كبيرا، لأنى حاولت أن أتعامل مع الأمر بصدق وشفافية.
هل يمكن القول إن الواقع هو البطل الأساسى؟
هذا صحيح، فأنا أجد نفسى فى الواقعية، رغم أنى أمزجها بشىء من الخيال، وأضفى على الأحداث شيئا من هواجس النفس وما يدور فى نفس الإنسان، لكنى اعتمد فى الهيكل الأصلى على الواقعية والتأثر بالمتغيرات التى نعيشها، وهذا يتضح بشكل كبير فى أعمالى الأخيرة، خاصة سلسلة القصص التى نشرتها متلاحقة على صفحات الأهرام، ومن أكبر مميزات الواقعية فى الإبداع أنها تقودنا للجانب الإنسانى لأنها تتعدى من مجرد الشكل إلى التوغل فى النفس الإنسانية.
ارتبطت بأديب نوبل نجيب محفوظ لفترة طويلة.. ماذا استفدت منه؟
استفدت منه الإصرار الذى كان أكثر ما يميزه، وأيضا بشاشة الوجه مهما كانت الظروف، فقد كان يحسن استقبال الناس بصفة عامة، وأصحاب مهنة الأدب بشكل خاص، وكان يعطى الجميع نوعا من الأمل، فلم يكن، رحمه الله، ينظر أبدا للجانب المتشائم من الحياة، بل كان يحرص على المثابرة والعمل، هذا إلى جانب تواضعه الشديد، وهذه كلها صفات رائعة تعلمتها منه.
رابط دائم: