هى مهمة صعبة - إن صح التعبير- ولكنها ليست بالمستحيلة.
المهمة هى الحفاظ على آثار مصر المحروسة وصيانتها التى لا يحق لنا أن نتعامل معها على أنها أمر من الأمور المستحيلة التى لا تتجاوز حدود الأمنيات.
فـ»بر مصر» هو تاريخ وتراث وحضارة ولا يمكن بأى حال أن يترك نهبا للظروف والعشوائيات أو لمن يعتبره مجرد إرث كبير يستحيل استيعاب كل مفرداته وتفاصيله الموجودة على طول امتداد مصر بسهولة.
جدير بنا أن نعرف أن مهمة الحفاظ على التراث المصرى قد بدأت منذ زمن بعيد، ويمكننا أن نتوقف عند مرسوم صدر منذ أكثر من مائة وثمانين عاما بتوقيع محمد على باشا والى مصر لحماية آثارها من الأجانب الذين جاءوا إلينا, للقيام بأعمال حفريات بحثا عن آثار ومومياوات كانت تعد منذ ذلك الزمن تجارة رابحة لا تقل خطورة عن محاولة استعمار البلاد.
فالآثار هى هوية مصر وصيانتها والحفاظ عليها كانت قضية دائمة طرحت للجدل سنوات وسنوات, ظهرت من خلالها التشريعات التى تنظم تعامل الناس مع إرثهم الحضارى مرورا بالقانون 117 لعام 1983 حتى ما أعلن عنه أخيرا من إعداد مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار وإحالته لمجلس النواب ليأخذ دوره هو الآخر فى المناقشة والجدل لوضع خطة لتراث مصر الحضارى الضخم الذى تعرض للتهديد فى السنوات الأخيرة.
ولكن هل نتوقع موجة من الجدل ؟
بالطبع، فكل إقرار لقانون أو تعديله يصحبه عرض وتحليل وموافقة أو رفض، استحسان أو استهجان ، ولهذا كان علينا أن نعود إلى السؤال الأساسى والأهم : ما الذى تحتاجه آثار مصر الآن ؟!
تقول د. فايزة هيكل أستاذ المصريات بالجامعة الأمريكية: أولا المطلوب كثير ، وعلى سبيل المثال إن البحث والتنقيب حق أصيل للعارفين بأصوله من الأثريين ، وعلى المصريين أن يفهموا جيدا قيمة آثارهم وأنه من المهم ترميمها وصيانتها، لأن هذا يصب فى مصلحتهم. فالآثار ليست مجرد بناء له شكل جمالى ويدر علينا دخلا سياحيا، فهو يدل على حضارة وتقدم وهو إشارة ورمز للقصة الحقيقية لمصر.. والسؤال هو : كيف نحافظ على آثارنا إذا لم تكن هناك ميزانية ورعاية كبيرة، وكيف لنا أن نتحدث عن الهوية المصرية دون صيانة الآثار ودون معرفة بالتاريخ.
تطبيق القوانين
ويرى د. حسنى نويصر أستاذ الآثار الاسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة أن القانون 117 الخاص بالآثار واضح وصريح، ويغطى كل متطلبات العمل الأثرى فى مصر ويتعرض لكثير من النقاط الخاصة حتى بعمل البعثات الأجنبية وناتج الحفائر.. ولكن المشكلة الرئيسية هى كيفية تعامل الناس مع القانون. . فعلى سبيل المثال من المفترض قانونا أن يكون لكل أثر «حرم يحيط به»ولكن هل يحدث هذا فى الواقع؟
ترميم البشر
ويعتقد د. محمد الكحلاوى أمين عام اتحاد الأثريين العرب أن الترميمات مهمة جدا لكل الآثار المصرية ولكن هناك حاجة أخرى لا تقل أهمية وهى توضيح حقيقة ودور هذه الآثار. صحيح أنه يمكن تغليظ العقوبات فى حالة الاعتداء على الآثار، ولكن بدون وجود لوعى ثقافى بأهمية التراث لا يمكننا أن نأمل فى احداث تغيير كبير. .ولكى نتعرف على حجم المأساة والتعامل الغريب والصعب والمحبط مع الآثار يمكننا الذهاب لزيارة مناطق بالقاهرة الاسلامية مثل الغورية لنرى الملابس المستعملة معلقة على أبواب المساجد والمدارس الأثرية.
أين المتاحف ؟
ويشير د. خالد عزب رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمتاحف إلى أن النظرة للآثار المصرية لابد أن تتغير من خلال إعادة هيكلة القانون الحالى بشكل أشمل وأعم ليتناسب مع طبيعة المتغيرات المقبلة. فالقانون لايضم مواد تتعلق بالمتاحف المصرية وتنظيمها وآليات العمل بها، وطريقة التعامل مع العهد المخزنية بالمتاحف ، كما يجب الزام الجهات المختصة بالـتأمين على أمناء المتاحف، وبما أن وزارة الآثار تمول نفسها بنفسها ، فلابد أن يكون كادر المرتبات ملائما لطبيعة العمل الأثرى فى مصر حيث إن المرتبات المتدنية لا تحافظ على التراث الوطني. كما يجب النص حرفيا على كيفية توظيف الآثار واستغلالها لأن القانون الحالى به جمود لتعظيم العائد الاقتصادى ، وأيضا الفصل بين إدارة الموقع كأثر وتوظيفه لخدمة حركة السياحة فلابد الا يكون خارج النسيج الحضرى والعمرانى للمنطقة المحيطة به. وهناك تشوهات فى العمل الأثرى منذ صدور أول قانون للآثار فى مصر، فى حين أنه فى كل دول العالم تقسم الآثار إلى ثلاث مجموعات. أولاها ما لا يجوز التعامل معه إلا بالحرص الشديد مثل مدرسة السلطان حسن، والثانى آثار يجوز استغلال أجزاء منها طبقا للمعايير والمواصفات الدولية التى تلتزم بها مصر ، والثالث تراث يحظر استغلاله وإحداث بعض التغييرات به كالفيلات والقصور.ويجب أن نعترف بأن حجم التراث المصرى أكبر مما نتصور، وعليه فإن مشاركة المجتمع المدنى أصبحت ملحة، كما أن المتاحف التى يمتلكها أفراد و مؤسسات ووزارات يجب أن يكون لها قانون خاص ينظم عملها.
مسألة حظ
ويتساءل د. محمد حسام الدين إسماعيل أستاذ الآثار الاسلامية بجامعة عين شمس عن حال الآثار المصرية الذى يفرض عليه أكثر من سؤال: الأول خاص بالترميم الذى لابد أن يكون مطابقا لما أقرته منظمة اليونسكو والايكوم «المجلس الدولى للمتاحف» ، والثانى خاص بالاشتباك بين الأوقاف والآثار الذى لم يحل إلى الآن. والسؤال الأخير خاص بصيانة وحفظ الأثر، فهناك بعض المبانى التى تسجل بعد مرور مائة عام عليها، فى حين أن هناك مبانى أخرى لا تسجل، ومبانى لم يمر عليها هذا الزمن وتسجل.
رابط دائم: