على عكس مقولة نابليون بونابرت الشهيرة «فتش عن المرأة»، تبدو أمريكا وحدها هى المسئولة عن الارتباك الحالى فى المشهد السورى، الأمر الذى أصبح «ينطوى على خطورة بالغة»، بحسب وصف أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة.
فمنذ وصوله للسلطة، كشف الرئيس دونالد ترامب عن رؤية مغايرة لسابقه فى الحكم باراك أوباما لحل الأزمة السورية، تلك التى لخصها فى تحقيق 3 أهداف، وهى: إبادة داعش، قطع ممر إيران البرى (طهران - بغداد - دمشق - بيروت)، وتغيير النظام السياسى فى سوريا. من ثم جاء تكليف ترامب لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بوضع خطة جديدة لتحقيق الأهداف الثلاثة.
إلا أنه وعلى عكس روسيا التى نجحت بتدخلها فى سوريا منذ سبتمبر 2015 فى قلب المعادلة العسكرية والسياسية على حد سواء، فشلت الولايات المتحدة فى تحقيق أى إنجاز يذكر حتى الأن على يد ترامب أو سابقه، ذلك أن الخطة وضعت على ما يبدو دون دراسة لمدى تطورات وتعقيدات الأوضاع الميدانية على الأرض. ونتيجة لهذا ظهرت الأزمات مبكرا، خاصة مع استمرار الإدارة الجديدة فى تطبيق سياسة سابقتها فى الاعتماد على الميليشيات الكردية ضد حرب داعش، من ثم جاء الخلاف الأول مع تركيا التى تراها امتداد لحزب العمال الكردستانى، من ثم قصف تجمعاتها فى شمال سوريا، الأمر الذى هدد باندلاع أزمة جديدة. ومع تصاعد اللهجة ضد الرئيس بشار الأسد، جاء قرار ضرب قاعدة الشعيرات الجوية، لإثبات مدى جدية وحزم الرئيس الجديد عن سابقه، إلا أنها كشفت فى الحقيقة عن مدى سوء تقدير الإدارة الأمريكية لأبعاد الأزمة، خاصة فى ظل عدم وجود أى دليل على استخدام الجيش السورى للكيماوى فى حادثة «خان شيخون»، وهو ما استدعى تعليق روسيا اتفاقية السلامة الجوية مع أمريكا فوق سوريا للمرة الأولى.
ورغم كم التحضيرات لتحقيق الإنجاز المنتظر والنصر فى معركة الرقة «عاصمة الخلافة»، بل وترحيب أطراف الأزمة، إلا أن سوء التقدير جاء ليضرب من جديد احتمالية تحقيق مثل هذا النصر، فى ظل استمرار أمريكا على نهجها الاستفزازى باستهداف جيش الأسد رغم التحذيرات الروسية، من ثم إعلان الجيش السورى الدخول على خط معركة الرقة، مما تسبب فى اشتباكات بين قواته وقوات «سوريا الديمقراطية»، فماذا تفعل أمريكا؟.. إسقاط طائرة جديدة للأسد!، مما دعى إلى استعراض قوة إيرانى «علنى» بقصف الحرس الثورى «الميادين» بدير الزور للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية، إلى جانب التهديد الروسى الواضح بقصف أى طائرة تعمل فى مناطقها. وهنا ظهر مدى التخبط والتناقض الأمريكى نفسه فى عهد أوباما، حيث إعلان التحالف الدولى مقتل مفتى داعش الثلاثاء الماضى 20 يونيو الماضى فى الميادين فى غارة قام بها فى 31 مايو الماضى، للتغطية على أنباء احتمال مقتل أبو بكر البغدادى فى غارة روسية، بل والتغطية فى الوقت نفسه على القصف الإيرانى للمدينة نفسها. ثم إعلان «البنتاجون» أن روسيا لا تقوم بأي أعمال في سوريا «تثير قلقنا»، فى الوقت الذى أعلن فيه البيت الأبيض بأن قوات التحالف الدولى التى تحارب تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا تحتفظ بحق الدفاع عن النفس.
وهو ما دعى بالكونجرس إلى التأكيد على أن ضربات جوية نفذتها الولايات المتحدة في سوريا مؤخرا لا يشملها التفويض القائم باستخدام القوة العسكرية. وطالب السيناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ا، بأن: «يمارس الكونجرس دوره الدستوري للتفويض باستخدام القوة». من جانبه، قال السيناتور بن كاردين أكبر عضو من الحزب الديمقراطي باللجنة إن: «من الصعب بالنسبة لنا النهوض بمسئوليتنا ما لم نعرف ما يحتاجه القائد الأعلى”. لقد حققت الولايات المتحدة عكس ما هدفت إليه خطتها تماما، حيث أصبحت محصلة استهداف طائرات وجيش الأسد والتصعيد الاستفزازى فى لعبة شد الحبل مع روسيا هى: تعليق اتفاقية السلامة الجوية للمرة الثانية مع روسيا، مع التهديد الواضح بالقصف المباشر هذه المرة، إلى جانب محاصرة قاعدة التنف من ثلاث جهات وفصلها عن السويداء ودرعا مع استمرار تقدم الجيش فى البادية وصولا للحدود الأردنية. ضف إلى ذلك دخول الجيش السورى على خط المواجهة بالرقة، فى ظل نجاحه فى الوصول إلى الحدود العراقية، ومنع المجموعات الموالية للولايات المتحدة من «جيش سوريا الحر» من الوصول إلى طريق «تدمر- دير الزور»، الذي كان سيمنع قيام القوات من كسر الحصار عن دير الزور، وهو ما فتح الطريق أمام إيران لتحقيق هدفها فى الممر البرى، إلى جانب استعراض قوتها فى دير الزور، فى الوقت الذى تقف فيه تركيا متأهبة للتدخل فى أى لحظة بالرقة. هكذا وعلى منوال مقولة الفيلسوف والمفكر السياسى الإنجليزى جون لوك «إنه أسهل بالنسبة للمدرس أن يأمر من أن يعلم»، فإن أمريكا وجدت أن محاولة ضرب نجاحات الآخرين أسهل من تحقيق النجاح نفسه. إن إطلاق ترامب يد العسكريين وحده فى سوريا على عكس أوباما لإيجاد موطئ قدم فقط فى سوريا دون رؤية واضحة لحل الأزمة لن يفيد الولايات المتحدة، بل ربما يورطها فى كارثة هى فى غنى عنها، بل والعالم أجمع.
رابط دائم: