رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بوتين وشبكة «جواسيسه السريين»

رسالة موسكو : د. سامى عمارة
كشفت روسيا خلال الايام القليلة الماضية عن الكثير مما يتعلق بشبكة عملائها السريين فى الخارج. اعلنت عن “الادارة “اس” - احدى اخطر وحدات جهاز “كى جى بي” التى احتفلت موسكو مؤخرا بذكرى تاسيسها الخامسة والتسعين .

وكان الرئيس بوتين اماط اللثام عن بعض ملامح المنتسبين الى هذا “الفصيل الضارب” فى صفوف أحد أخطر واعتى اجهزة المخابرات فى العالم ممن وصفهم بـ”المصطفين الاخيار” الذين طالما قدموا ويقدمون خدماتهم المجيدة لحماية امن الوطن.

أزاح القائمون على أمر هذا «الجهاز السري»، النقاب عن الكثير من ملامحه، دون أن يقولوا فى حقيقة الأمر شيئا يرضى فضول المتطفلين، وعلى النحو الذى لا يستطيع خصوم الوطن والمتربصون به، ان يجدوا فيه ما يمكن ان يكشف عن اى من مواقعهم أوهوياتهم، أوتعدادهم. قال سيرجى ناريشكين الرئيس الحالى لجهاز المخابرات الخارجية، ردا على سؤال بهذا الشأن بمناسبة الذكرى الخامسة والتسعين لتاسيس «جهاز المخابرات السرية» ان «عدد العاملين فى هذا الجهاز يبلغ ما يكفى لتلبية احتياجات الوطن وحماية الامن القومي». وفيما يتعلق بمواقعهم والبلدان التى ينتشرون بها، أشار ناريشكين الى «انهم ينتشرون حيثما تقتضى الحاجة الى تأمين مصالح الوطن وأمن المواطن». اما عن أهميتهم ومدى الحاجة اليهم، قال انهم «عيون وآذان الوطن». هكذا اجاب رجل المخابرات الاول فى روسيا اليوم عن كل الاسئلة، دون ان يكشف عمليا، عما من شأنه فض مكنون سرية المعلومات!

غير ان ما استطعنا التقاطه من مفردات عن هذا الكيان الذى يكتنفه غموض كثير، كان كافيا لان نخلص الى اننا امام ما هو أشبه بالاساطير، وان الحديث يدور حول اناس يعيشون من أجل الفكرة وفى سبيل الوطن، تحت اسماء غير أسمائهم، وجنسيات غير جنسيتهم، لسنوات طوال ودون أمل فى شهرة او غد يحمل بين طياته ما يلبى احتياجات الذات وطموحاتها. هذه الشبكة السوفيتية - الروسية تأسست منذ 95 عاما، اى بعد ثورة اكتوبر 1917 بخمسة اعوام، حين اقتضت ظروف حصار ومقاطعة الدولة السوفيتية الوليدة انتشار ابنائها لجمع المعلومات اللازمة لتأمين أمنها، والحيلولة دون ما يتهددها من أخطار خارجية. لم يقتصر العاملون فى هذا الجهاز الوليد على أبناء روسيا حيث سرعان ما انضم اليهم المتعاطفون من مواطنى البلدان الاجنبية، مع ثورتها الاشتراكية، عن يقين وايمان بعدالة الفكرة، وصحيح التوجه دون انتظار لأية مكاسب او امتيازات عينية او مادية. وصفهم الرئيس فلاديمير بوتين بـ «الأخيار» ممن “يتمتعون بصفات خاصة وطبائع بشرية متميزة ويؤمنون بقناعات راسخة». وكان بوتين كشف عن أنه فى شبابه وبحكم عمله ممثلا لجهاز امن الدولة «كى جى بي» فى درزدن بالمانيا الديموقراطية فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضي، كان مسئولا عن «تجنيد العملاء السريين»، والاتصال بالمنتشرين منهم فى الالمانيتين. وذلك ما يفسر الاعتزاز الخاص الذى يكنه بوتين لهؤلاء الذين وصفهم بـ”الاخيار” ممن “يتمتعون بصفات خاصة وطبائع بشرية متميزة ويؤمنون بقناعات راسخة». اضاف ان الحياة التى يعيشها «جواسيس الوطن غير المعلنين»، « تقتضى التخلى عن الحياة الطبيعية، وتَحَمُل وطأة الغربة بعيدا عن الاهل والرفاق، وهو أمر ليس فى مقدور الجميع، ونمط حياة لا يستطيعه سوى المصطفين».يقولون ان من يختار مثل هذه المهنة يجب ان يتحلى بذكاء متوقد ، وذاكرة حديدية، وسرعة بديهة، وشخصية قوية ، واستعداد للتفانى فى سبيل الوطن منكرا ذاته وحاضره ومستقبله، فضلا عن معرفة خارقة باللغات الأجنبية وقدرة على المناورة للخروج من المواقف الصعبة دون خسائر او شبهات، وبما يكون معه المرشح للقيام بمثل هذه المهام على استعداد للتضحية بحياته دون ان يعلم أى من ذويه عنه شيئا إيمانا من جانبه بمصداقية شعار العاملين فى «المخابرات غير المعلنة» الذى يقول « بان المجد للوطن ولا حق لغيره فى شهرة او تاريخ». ومع ذلك، فان تمتع المرء بكل هذه السمات والخصائل الفريدة، لا يمكن ان يكون كافيا دون تدريب واعداد كشفت المصادر الامنية الروسية انه يستمر تحت اشراف فرق عمل خاصة، لسنوات طوال قد تتخللها مفاجآت وتعرجات وتعقيدات كثيرة لا تهدد وحسب عملية اعداد هذه الكوادر، بل ويمكن ان تنسف الكثير من أركان أمن واستقرار الوطن. وكان الرئيس بوتين كشف عن أنه كان مسئولا خلال عمله فى الخارج عن تجنيد العملاء المدعوين الى جمع المعلومات عن الناتو والدوائر الغربية. لم يشر بطبيعة الحال الى اية تفاصيل، يمكن ان تفض مكنون الكثير من المهمات السرية وما حصل عليه الاتحاد السوفييتى من معلومات. لكنه قال ان بلاده استطاعت الحصول مع آخر سنوات الحرب العالمية الثانية على اسرار القنبلة النووية من الولايات المتحدة بمساعدة علماء امريكيين. اضاف ان من هؤلاء العلماء من أدرك فى حينه خطورة ما توصلوا اليه من «اكتشافات»، كانت ولا تزال كفيلة بتدمير كل البشرية، ما دفعهم الى البحث عن السبيل الى تحقيق التكافؤ والتوازن وبما يكفل لاحقا الحيلولة دون استخدام مثل هذه الاسلحة. وكان السبيل فى تسريب «سر القنبلة النووية» الى الاتحاد السوفييتى الذى سرعان ما اعلن قبل نهاية اربعينيات القرن الماضي، عن امتلاكه ايضا ، ما كان بالامس القريب حكرا على الولايات المتحدة.

وقد حرصت موسكو خلال الايام القليلة الماضية على نشر الكثير من المواد الاعلامية التى تعيد الى الاذهان امجاد الكثيرين من ابناء شبكة عملائها السريين ممن جرى الكشف عن هوياتهم وما حققوه من امجاد وبطولات. وذلك ما يدفعنا الى العودة بالذاكرة الى سبع سنوات مضت، يوم اعتقلت اجهزة الأمن الأمريكية، وكما قالوا آنذاك اعضاء احدى اكبر شبكات الجاسوسية الروسية فى الخارج.

وكانت هذه الشبكة تضم من وصفتها الصحافة العالمية فى ذلك الحين بـ«الجاسوسة الحسناء» أنًا تشابمان، وعشرة آخرين من أبناء روسيا وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق فى 27 يونيو 2010 الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن الامريكية بتهمة الحصول على الكترونيات عسكرية دقيقة ومنها منظومات الرادار والرصد واجهزة التوجيه والمتفجرات، والتى جرى ارسالها الى روسيا. ونسارع لنقول ان المخابرات الامريكية لم تستطع التوصل الى هذه الشبكة من خلال قدراتها الذاتية، بل استنادا الى ما قدمه لها من معلومات أحد «الخونة» من ضباط المخابرات الروسية الذى كان لاذ بالفرار الى الولايات المتحدة فى وقت سابق، وهو ما أثار فى حينه ضجة واسعة النطاق لم تخفت اصداؤها الا بعد التوصل الى اتفاق بين موسكو وواشنطن يقضى باستبدال اعضاء «الشبكة الروسية» بأربعة من المتهمين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة المعتقلين فى السجون الروسية على ارض مطار فيينا، فى «صفقة» قالوا انها الاكبر بين البلدين منذ عام 1986. لكن المهم فى هذه القصة هو ما أغدقه الرئيس بوتين من اهتمام هائل بهذه المجموعة من «الجواسيس السريين» وكان معظمهم من الشباب وعلى رأسهم «الفاتنة الحمراء».

ما يهمنا هنا هو مدى الاهتمام من جانب الرئيس بوتين بافراد هذه الشبكة من الجواسيس السريين، وحرصه بعد عودتهم الى أرض الوطن، على استقبالهم وتناول العشاء معهم فى اجواء اتسمت بالحميمية والود، فضلا عن تعليماته بمنحهم أفضل المناصب الوظيفية، بما فيهم أنًا تشابمان التى استعادت اعتبارها ومكانتها فى المجتمع الروسي، وصارت نجمة تليفزيونية من خلال برنامج خاص ظلت تقدمه لسنوات طوال تحت اسم «أسرار العالم مع أنًا تشابمان»، وإن «سقطت» لاحقا فى براثن «قراصنة الاعلام» ممن استمالوها الى الدعاية والتصوير فى مطبوعات على غرار مجلة «ماكسيم» التى «تستهوى الرجال أكثر».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق