لم تكد أفغانستان تنهي صراعها الطويل الدامى مع حركة طالبان المتمردة، إلا وانفتح عليها باب آخر من الجحيم، ببدء فصل جديد من الصراع مع متمردين جدد يحملون العقيدة والفكر ذاتهما، وتصبح البلاد مسرحا لعمليات عسكرية تتصارع فيه الكثير من الأطراف الخارجية لخدمة أجندات خاصة، وتبقى هى وحدها تدفع فاتورة الدم.
فـ"داعش أفغانستان" أو "ولاية خراسان" التى يعود تاريخها إلى عام ٢٠١٤ على الأكثر، زاد نشاطها مؤخرا لتشن هجمات متلاحقة على العديد من الأهداف الأفغانية جرى اعتبار بعضها الأعنف فى تاريخ البلاد منذ الغزو الأمريكى لها عام ٢٠٠١، مثل ذلك الهجوم الإرهابى الأخير على الحى الدبلوماسى بالعاصمة كابول الذى راح ضحيته أكثر من ٤٠٠ شخص ما بين قتيل وجريح، فضلا عن استهداف بعض المقاصد الشيعية والمراكز الأمنية والقواعد العسكرية، ليجعل الوضع فى شرق أفغانستان - حيث معقل التنظيم الرئيسي - مترديا للغاية.
ويعود نشاط التنظيم الزائد فى الفترة الأخيرة على الأرجح لتراجع نفوذ المنظمة الأم في سوريا والعراق بسبب الضربات القاصمة التى تعرض لها مؤخرا، مما جعله يبحث لنفسه عن أرض جديدة لبناء "دولة الخلافة" المزعومة، وقد وجد فى أفغانستان تلك التربة الخصبة بحكم أوضاعها الأمنية السيئة والانشقاقات الكثيرة الحادثة بين صفوف طالبان، فضلا عن غضب الشباب من التدخلات الخارجية في البلاد، وارتفاع نسب البطالة لتصل إلى حد ٤٠٪.
فى الوقت ذاته، يشهد وضع التنظيم في أفغانستان نفسها ترديا كبيرا مؤخرا بعد تراجع عدد مقاتليه من ٣ آلاف مقاتل عام ٢٠١٥ إلى ٨٠٠ على الأكثر فى الوقت الراهن، وفقا لآخر الإحصائيات الأمريكية، مما جعله يسرع بتوجيه ضربات سريعة ومتلاحقة تلقى صدى عالميا كبيرا للفت الأنظار إليه ولتجنيد مزيد من الشباب الغاضب سواء من داخل أفغانستان أو من الدول المجاورة. داعش رغم توافقه الفكرى الكبير مع طالبان ووحدة أهدافهما، إلا أنه لا يعتبرها حليفا، بل ظلت المعارك دائرة بينهما لفترة طويلة حتى ترددت الأنباء عن توقيع هدنة بين الجانبين، لتبقى أفغانستان هى الضحية مع دول آسيا الوسطى كإيران والصين وروسيا التى يعد وجود معقل أساسى لتنظيم إرهابى يدعى اتباعه المذهب السنى على أبوابها أمرا خطيرا للغاية. واشنطن، من جانبها، رغم الاتهامات لها بأنها الداعم الأول والرئيسى لداعش لتحقيق أهداف بعينها وللضغط على دول آسيا الوسطى، أكدت أنها لن تترك المشهد يتطور مرة أخرى فى أفغانستان حتى تخرج منه هجمات جديدة على الولايات المتحدة على غرار التى حدثت فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، بل وتعهدت بأنها لن تدع العام الحالى يمر حتى تقضى تماما ونهائيا على التنظيم الإرهابى.
ومنحت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تفويضا لوزارة الدفاع "البنتاجون" لتحديد عدد القوات الأمريكية المطلوبة هناك، مؤكدة وقوع أخطاء فى الإدارات السابقة، لا توجد نية لتكرارها.ووفقا لقرار الانسحاب الأمريكى من أفغانستان عام ٢٠١٤، فإن عدد القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان لا يتجاوز الـ ٨٤٠٠ جندى، وتعتزم إدارة ترامب، وفقا لتقارير مسربة، إرسال تعزيزات من الجنود يتراوح قوامها ما بين ٤ آلاف إلى ٥ آلاف جندى للمشاركة فى العمليات ضد داعش إلى جانب الجيش الأفغانى. وفي هذا الصدد، يؤكد وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس أنه سيطرح استراتيجية عسكرية أمريكية جديدة خاصة بأفغانستان على الرئيس ترامب فى الأسابيع المقبلة،لا تعتمد فقط على زيادة الجنود بل صياغة استراتيجية إقليمية أوسع وأشمل تتجاوز الإطار العسكرى البحت، فضلا عن ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية أكبر على الدول المجاورة لأفغانستان للقضاء على التنظيم. ويؤكد ماتيس أنه لن يكرر "أخطاء الماضى" في أفغانستان، فى إشارة إلى إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما الذى كان يفرض رقابة على نشر أى جنود داخل أفغانستان، مشيرا إلى أن واشنطن "لا تحقق أى انتصارات فى هذا البلد رغم مرور أكثر من ١٦ عاما على اجتياحه"، ليجعله الصراع الأطول فى تاريخ الولايات المتحدة.
فهل تنجح الولايات المتحدة وتصدق تلك المرة فى القضاء على داعش؟ أم أن الأمر لا يتجاوز كونه ذريعة للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان وتحقيق مكاسب خاصة؟
رابط دائم: