بالرغم من أهمية تنفيذ الأحكام لتحقيق العدالة وردع المخالفين , فإن عدم تنفيذ الأحكام الإدارية أو المماطلة فى تنفيذها، وخاصة المتعلقة بالموظفين أصبحت ظاهرة يتعين التصدى لها، والبحث عن ثغرات الممتنعين عن تنفيذها , فلا قيمة للقانون بدون تطبيقه, ولا قيمة للأحكام بدون تنفيذها, ولا قيمة لمبدأ الشرعية فى الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام القضاء وضرورة تنفيذ أحكامه.
ماذا يجدى أن يمد القضاء الإدارى اختصاصاته أو يتوسع فى شروط قبول الدعاوى أو يضاعف من حالات القبول أو يحسن العمل القضائى أو الرقابة القضائية إذا كانت أحكامه مصيرها الموت أو العدم ، هذا التساؤل تطرحه المستشارة هدى الأهوانى نائب رئيس هيئة النيابة الادارية، قائلة : أى قاعدة قانونية أو تنظيم يفقد سبب وجوده إن لم يكن فعالاً ومنتجاً, فالقضاء دوره إنهاء المنازعات , وقد حذرت المحاكم من خطورة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية، وقضت بأن «المماطلة فى تنفيذ الأحكام وتأخير تنفيذها إدارياً على درجة من الخطورة، لما فى ذلك من زعزعة الثقة فى الدولة كدولة قانون , تخضع فيها الإدارة لمبدأ المشروعية, وتلتزم بأحكام القانون , وتحترم الأحكام القضائية النهائية الصادرة وتلتزم بتنفيذها» ، ونجد المشرع قد واجه تلك المشكلة بأن كفل للموظف العام من السبل و الضمانات التى تمكنه من الحصول على حقوقه حال مماطلة الإدارة، أوامتناعها فى تنفيذ حكم قضائى صادر ضدها , حيث خول للموظف الحق فى اللجوء إلى القضاء بالطعن على القرار الإدارى الصادر بالامتناع عن تنفيذ الحكم، حيث يخضع القرار الصادر من الإدارة بعدم تنفيذ الحكم إلى رقابة القضاء الإدارى والذى يحكم بإلغاء قرار الإدارة الصريح أو الضمنى بالرفض, كذلك للموظف الحق فى رفع دعوى لتعويضه للأضرار اللاحقة به من جراء عدم تنفيذ الحكم الصادر لصالحه , وكذا المطالبة بالحقوق الناشئة عن الحكم برفع دعوى أخرى , وتكبد مصاريف فى سبيل ذلك, بجانب هذا نجد من حقوق الموظف تطبيق أحكام المسئولية المدنية الناشئة عن عدم تنفيذ الحكم, بحسبان أن عدم التنفيذ يعد مخالفة قانونية تستوجب التعويض لكونها خطأ مصلحياً , وفى حالة عدم تنفيذ الحكم من قبل موظف عام وجبت مساءلته تأديبياً بجانب مساءلته عن مخالفته لأحكام الدستور، ورغم أن تلك الضمانات التى من شأنها العمل على كفالة تنفيذ الحكم و إزالة الآثار السلبية عن الموظف من الأضرار التى لحقت به, ورغم أن الإدارة ملزمة بتنفيذ هذا الحكم وجبر ضرر الموظف و إصلاح ما انطوى على قرارها من مخالفة قانونية، وإزالة تلك الأثار بأثر رجعى , ورغم وضوح تلك القاعدة القانونية إلا أن الواقع العملى يشهد بوجود عقبات عند إعادة الأوضاع على ما كانت عليه قبل إلغاء القرار بالنسبة لبعض القرارات التأديبية كقرارات الفصل من الخدمة وكيفية إعادة الموظف المفصول لوظيفته فى حالة شغل الوظيفة الوحيدة أو إلغائها , أو تحصن قرار من شغل الوظيفة خلفاً للموظف المفصول, وكذا ما يترتب على قرار الفصل من أثر على المرتب, حيث استقرت أحكام القضاءعلى أن الموظف المفصول لا يستحق راتبه خلال الفترة التى تم فصله فيها على أساس أنه لم يؤد عمله تبعاً للقاعدة المعروفة وهى الأجر مقابل العمل مع حق الموظف فى المطالبة بالتعويض من قرار فصله دون أن يكون له الحق فى المطالبة لراتبه عن مدة الفصل، يقاس على ما سبق عدم إستحقاقه للبدلات الملحقة بالمرتب، ورغم ما تشهده الإدارة من معوقات عديدة حال تنفيذ أحكام صادرة ضدها وخاصة ما يتعلق بقرارات الفصل من الخدمة مما يضعها فى مأزق, إلا أنه لا مناص أمامها سوى التوفيق فى إعادة الأوضاع للموظف المفصول على ما كانت عليه بذات المزايا السابقة لقرارها أو تعويض الموظف التعويض الكافى احتراماً لحجية الحكم القضائى .
وفى كل الحالات لا يجوز الدفع من جهة الإدارة بانتفاء المصلحة الشخصية خلف عدم تنفيذ الحكم, أو التعلل بصعوبات مادية أو قانونية, وكذا لا يجوز لها الدفع بأن الهدف هو المصلحة العامة، إذ لا يجوز ان تتستر الإدارة خلف هذا الرداء الواهى والاعتماد عليه، حيث أن تنفيذ المصلحة العامة لا يكون بارتكاب أعمال غير مشروعة, أو بالامتناع عن تنفيذ ألاحكام أو تعطيلها .
رابط دائم: