رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى الأزمة القطرية
تحالفات عسكـرية وعودة القرار لـدول المنطقة

> جـميل عفيفـى
جاءت الاحداث الاخيرة حول الدور القطرى ورعايتها للإرهاب ، ليثبت ان إدارة الأمور فى المنطقة عادت مرة أخرى إلى أصحابها، أى بيد دول الشرق الأوسط هى التى تحدد ما تريد لحماية الأمن القومى العربى، بعد سنوات طويلة من التبعية للغرب، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت لها اليد الطولى فى تشكيل وتحديد مسار العلاقات فى المنطقة.

إن ما حدث أخيرا ضد دولة قطر هو النهاية الحقيقية للنظام الحاكم بها، وأيضا نهاية الأنظمة الداعمة للإرهاب فى المنطقة وهى تركيا وإيران وقطر، لذا بدأت تلك الدول فى اتخاذ اجراءات تتخيل ان تحمى بها دولة قطر، أو ربما بنت تلك الدول استراتيجيتها ان هناك هجوما عسكريا قد يتم على تلك الدولة، وربما ان ارسال تركيا لعدد 3 الاف جندى الى قطر، يعتبر دعما معنويا لمحاولة بث روح الطمأنينة لقيادات تلك الدولة.

وبالطبع من الواضح استراتيجيا أنه لن يتم تنفيذ اى عمل عسكرى ضد قطر بل انه غير موضوع ضمن البدائل، ولكن ربما تريد تركيا وايران اشعال الموقف فى منطقة الخليج العربى لتنفيذ أى عملية متهورة تجر المنطقة بكاملها الى صراع مسلح وذلك ضمن سياسة الارض المحروقة التى قد يستخدمها الحلفاء الثلاثة فى حال تضييق الخناق عليهم، وربما جاء تصريح وزير الخارجية القطرى يلمح بذلك عندما قال ان الخيار العسكرى ليس مطروحا فى الوقت الحالى .

الغريب فى الامر فى التحالف القطرى الايرانى والذى يدل على ازدواجية فى العلاقات، فايران تساند بشار الاسد فى سوريا وارسلت قواتها لمحاربة الجماعات الارهابية وتدعيم نظام بشار، وعلى الجانب الاخر فان قطر تدعم الجماعات الارهابية مثل داعش وغيرها من التنظيمات التى تحارب النظام والجيش السوري، مما يدل ان ايران تستخدم قطر لتنفيذ مخططها فى الخليج العربى بإثارة الفتن لمصلحة الجمهورية الايرانية والمد الشيعى .

الجديد فى ادارة الأزمة أن دول الخليج هى التى قررت وهى التى نفذت الان، لدرء المخاطر عنها فى الوقت الحالي، بعد ان كانت المنطقة مسرحا للتحالفات الجديدة فى ظل الصراعات، وقد كان لروسيا دور كبير فى الفترة الاخيرة إلا انه مع التحرك العربى ضد قطر ابتعدت روسيا عن المشهد وايضا الولايات المتحدة التى اعلن رئيسها ان قطر دولة تمول وترعى الارهاب، مما جعل الامر فى يد دول المنطقة فقط.

لقد أظهرت السنوات الست الاخيرة وبالتحديد بعد ثورات الربيع العربى ودخول منطقة الشرق فى صراع مسلح داخلى بين الجيوش النظامية والجماعات الارهابية، او صراعات طائفية وقبلية، بزوغ قوى اقليمية جديدة تسعى الى فرض نفوذها وان يكون لها الكلمة العليا فى المعادلة الجديدة لمنطقة الشرق الاوسط، وايضا دخول قوى دولية لتغير المعادلة بالكامل وتحقق نصرا معنويا لها يعيدها مرة اخرى الى الساحة الدولية كقوة فاعلة قادرة على تغيير اللعبة لمصلحتها والامساك بكل خيوطها، كما ظهرت تحالفات جديدة تحاول فرض نفوذها بشكل قوى على المنطقة .

و يجب ان نعود قليلا الى الخلف لنؤكد ان سبب ما يحث الآن فى المنطقة وتحكم قوى دولية فى اللعبة الاستراتيجية فى المنطقة يعود الى عام 1990 واحتلال العراق دولة الكويت وتبعات ذلك من تكوين تحالف دولي، وانشاء قواعد عسكرية امريكية وغربية فى دول الخليج العربي، انتهت باحتلال العراق عام 2003 والقرار الغريب بحل الجيش العراقي، وبذلك اسدال الستار على واحد من اهم الجيوش العربية والقوة التى لا يستهان بها، كل ذلك جاء فى وقت سمح للولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، فيتم تنفيذ كل ما يرغبان فيه فتلك الاحداث جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتفككه، وكانت الولايات المتحدة هى القطب الأوحد واعتقدت انها المتحكمة فى مقدرات المنطقة كلها.
وعندما بدأت عملية الربيع العربى تغيرت الخطة تماما فقد ظهرت فجأة جماعات إرهابية لم تكن موجودة من قبل مثل جبهة النصرة التابعة للقاعدة وانصار الشام وبيت المقدس وغيرهم كثر، حتى ظهور التنظيم الارهابى الأكثر دموية على وجه الأرض وهو داعش والذى كان الخطة البديلة بعد فشل تمكين الاخوان من الحكم فى مصر، وبعد ثورة 30 يونيو، فقد ظهر التنظيم فى يوليو 2013 فى العراق ليقتل على اساس طائفى ليخلق فى المنطقة صراعا جديدا لم تشهده من قبل المنطقة، ودخل ايضا فى صراع مسلح مع الجيش السورى فى مواقع عديدة من الاراضى السورية، واعتقد من انشأوا هذا التنظيم والتنظيمات الاخرى انهم قادرون على مواجهة الجيوش النظامية بل والحاق خسائر بها وربما تستطيع تفكيكها، وهو الامر الذى لا يمكن ان يحدث مطلقا، وهو ما شاهده الجميع فى سوريا، وما يحاولون ان يفعلونه فى سيناء وايضا فى ليبيا.

كل تلك الترتيبات تمت بعيدا عن روسيا، وبعد احتدام الصراع فى المنطقة لسنوات فقد قررت روسيا ان تكون هى اللاعب الاساسى فى منطقة الشرق الاوسط وانها لديها المقدرة على الامساك بزمام الامور وأن تعيد الكرة الى ملعبها مرة اخري، وتعود كقوة فاعلة ومؤثرة فى النظام العالمى بعد سنوات طويلة من الابتعاد.
قررت روسيا انها ستتدخل فى الحرب فى سوريا لسببين الاول لحماية امنها القومى والقضاء على الارهابيين المنضمين الى التنظيمات الارهابية، والذين يحملون الجنسية الروسية أو من دول الاتحاد الروسى حتى لا يعودوا مرة اخرى الى بلادهم متشبعين بالفكر الارهابى ومنفذين عمليات اجرامية تهدد بها امن واستقرار روسيا، والسبب الثانى ان الفرصة سنحت لها مجددا كى تقول كلمتها و تحقق مكاسب عديدة من وراء المشاركة، كما انها ترغب فى الوقوف بجانب سوريا الحليف لها وايضا بسبب القواعد العسكرية لها الموجودة فى محافظة طرطوس، وقد اختارت روسيا الوقت المناسب فى ظل الفشل الذريع للولايات المتحدة الامريكية فى ادارة ملفات الصراع، وبالفعل استطاعت روسيا ان تحقق طموحها وتحقق نصرا كبيرا فى سوريا ضد الجماعات الارهابية .
يأتى ذلك فى الوقت الذى رغبت فيه ايران ان تكون لها ذراع طولى فى دول الخليج العربى وتحقق اطماعها فى السيطرة على تلك الدول وان تكون طوعا لها، لذا بدأت فى دعم النظام السورى للوقوف فى وجه الجماعات الارهابية كما انها بدأت فى دعم انصارها اصحاب المذهب الشيعى فى العراق ودول الخليج العربي، والحوثيين فى اليمن، وبالفعل حققت ايران مكاسب عديدة على المستوى الاستراتيجى فى المنطقة بل اصبح لها قوات موجودة على الأرض، ولا يمكن ان ننسى المكاسب التى جنتها ايران بعد احتلال العراق، وتغلغلها فى الجنوب العراقى وفتح مكاتب استخباراتية لها هناك.
على الجانب الآخر نجد ان تركيا هى الاخرى سعت ان تكون الزعيمة فى المنطقة وتعيد الامبراطورية العثمانية مرة اخرى بعد دعمها لجماعة الاخوان المسلمين فى مصر حتى وصولهم للحكم، وبعد ان فشلت المخططات بثورة 30 يونيو، حاولت ان تفرض نفوذها على سوريا بدعمها الجماعات الارهابية هناك، لتخوض حربا بالوكالة وبعد حركة الانقلاب الفاشلة على اردوغان ونظامه، سعت مرة اخرى للظهور فى الصورة ولكن هذه المرة بشكل عسكرى عندما تدخلت لضرب مواقع للاكراد فى سوريا وايضا كما تزعم لتنظيم داعش الارهابى على الاراضى السورية، وذلك رغبة من القيادة التركية لتقول للعالم انها قوية ومؤثرة فى المنطقة.
كل ذلك وتقف مصر مراقبا لما يحدث فهى تعلم جيدا المخاطر والتهديدات التى تواجه المنطقة، ولديها رؤية واضحة فى مواجهة تلك الازمات ، والحل كان بسيطا بأن طرحت على جامعة الدول العربية طلبا بانشاء القوة العربية المشتركة، من اجل الحفاظ على الأمن القومى العربى من التهديدات الخارجية الا ان بعض الدول رفضت هذا الطلب الذى كان سيحقق الامن والاستقرار فى اطار اتفاقية الدفاع المشترك،لذا كان لمصر موقفها الواضح بأنها ستقوم بضم احدث ما توصل اليه العلم الحديث فى التسليح لحماية حدودها وامنها القومي، بل والوصول الى التهديدات ووأدها قبل وصولها الى الاراضى المصرية وذلك بامتلاكها حاملات المروحيات من طراز ميسترال والطائرات الرافال ذات المدى البعيد كما انها تؤكد دائما الثوابت بأن الأمن القومى العربى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري.

الحقيقة الواضحة الآن ان منطقة الشرق الاوسط اصبحت مسرحا كبيرا لفرض النفوذ الدولى عليها، واصبح صراع الكبار يتم على اراضى دول المنطقة، الا ان الثابت فى الامر ان الوضع السابق لن يعود نهائيا، فالمنطقة تغيرت بالكامل، والمرحلة المقبلة ستحدد بشكل اساسى القوى الفاعلة فى المنطقة بجانب مصر.


[email protected]

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق