صفعتان متتاليتان قد يغيران اتجاه السياسة الفرنسية وتنقلها من جيل المخضرمين من اليساريين واليمينيين الي جيل شاب ربما تنقصه الخبرة والممارسة الا انه يحمل في جعبته أفكارا واعدة يهدف من خلالها إلى طَي صفحة الماضي التقليدي الذي سأمه المواطن وازدادت احواله سوءا خلاله.
والواقع ان الشعب الفرنسي قد أصيب بحالة يأس تام عبر عنها بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تشهدها فرنسا حاليا،حيث سجلت نسبة الممتنعين عن التصويت 51٫29% وهو ما اعتبره المراقبون نكسة في تاريخ الجمهورية الخامسة.
ويشير المراقبون إلى أن هذه الانتخابات قد تكون مصيرية بالنسبة للمرحلة، فهي التي ستصنع القرار وتحدد ملامح سياسة البلاد لمدة خمس سنوات قادمة. وبدون شك قد يكون لحصول الحزب الحاكم علي الاغلبية القدرة علي تنفيذ برامجه الاصلاحي الذي وعد به.
فقد استطاع الحزب الذي اتي بالرئيس الجديد ايمانويل ماكرون (٣٩عاما)الي السلطة ان يحدث تغييرا راديكاليا في اروقة السياسة الفرنسية العقيمة التي ظلت مستقرة لحقب سياسية متعددة وتداولت السلطة خلالها بين حزبين أساسيين اليساري الاشتراكي واليميني الجمهوري. والواقع ان نتيجة الجولة الاولي من الانتخابات التشريعية..المتوقع عدم تغيرها بالجولة الثانية -المقرر لها الأحد المقبل ١٨ يونيو الحالي - جاءت صادمة للطبقة السياسية وصنفتها الساحة بالتاريخية من حيث الاحباط الذي اصاب اليسار واليمين معا. وقد أصيب الحزب الاشتراكي بحالة انهيار شديد وخسر ثلاثة من اقطابه الرئيسيين مقاعدهم في البرلمان وهم المرشح الرئاسي بونوا امون، ورئيس الحزب الاشتراكي جان كريستوف كامباديليس، ووزيرة الثقافة السالفة أوريلي فيليبيتي...واعتبرت الساحة هذه الخسارة «نهاية حقبة» لواحد من أكبر الأحزاب السياسية التقليدية في فرنسا, فقد تراجع تمثيل الحزب إلى أقل من أربعين مقعدا في البرلمان، بينما عجزت أسماء لها ثقلها في الحزب ذاته الذي يعد واحدا من أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في فرنسا،من العبور إلى الجولة الثانية، فلم يحصل اليسار سوى على 9 إلى 10٫2% من الأصوات.. ذلك بالمقارنة لما حققه الحزب في نفس التوقيت من انتخابات2012، حيث انها جاءت بعيدا عن نسبة 29٫3% التي حصلت عليها- آنذاك -وهي التي مكنته من شغل 300 مقعد نيابي. لذلك خرجت اصوات كوادر الاشتراكيين تنادي بضرورة اجراء تغييرات جوهرية في اروقة الحزب.وكذا مني حزب مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة بسقوط مدو وخسارة لكثير من الأصوات، شأنها شأن اليسار الرديكالي وغيرهما. ويري الخبراء ان نسبة التغيب عن المشاركة في الانتخابات كانت صادمة بالفعل كونها الأولى منذ نحو ستين عاما، وواضح ان الجيل الجديد الذي انتخب ماكرون هو الذي حرص علي المشاركة، فقد تصدرت النتائج حركة الرئيس إيمانويل ماكرون، «الجمهورية إلى الأمام». وفى الوقت نفسه حظيت النساء بالحظ الاوفر للمرة الأولي في تاريخ البرلمان الفرنسي، ذلك لحصولهن علي 245مقعدا وهو ما يسجل زيادة عن حصتهن في المجلس السابق بـ100 مقعد.
هكذا جاءت الانتخابات التشريعية مرة اخري لتبهر الساحة السياسية مجددا كما سبق في الانتخابات الرئاسية،وعلي الرغم من حداثة الفترة الزمنية لهذا الكيان الحزبي الجديد الذي لم يكن موجودا قبل عامين،فهو يكتسح بغالبية مؤكدة في الجمعية الوطنية،وان كان البعض من المراقبين يري ان اكتساحه ليس لكفاءته الفائقة بقدر ما هو فشل للسياسات العقيمة السالفة. ويري البعض الآخر أنه مع حصول حزب الرئيس على 32,32% من الأصوات وتوقعات تشير إلى فوزه بـ400 إلى 455 نائبا من أصل 577، فإن بوسع ماكرون الإمساك بكل السلطات،وهذا سيمنحه انتصارا تاما لإستراتيجية التغيير التي وعد بها اثناء حملته الانتخابية.
وان كانت الفرضية الاخيرة تعجب البعض من الطبقة السياسية حيث يرون ان الاغلبية المطلقة التي سيفوز بها الحزب الحاكم قد تحول دون وجود حقيقي للمعارضة اللازمة لتقويم السياسات تحت قبة البرلمان، من منطلق ان مناقشة سياسة البلاد لابد وان تكون في البرلمان وليس في الشارع.
رابط دائم: