مع اقتراب حسم وانتهاء المعركة العسكرية في مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وإعلان النصر العسكري علي تنظيم «داعش»الإرهابي، برزت علي الساحة العراقية تساؤلات فرضت نفسها تتمحور حول مستقبل العراق في مرحلة مابعد القضاء علي تنظيم «داعش»، خاصة مع هشاشة الأوضاع السياسية والتجاذبات الطائفية والاتهامات بالفساد.
والشعور السائد حاليا هو الترقب من جميع الفصائل والأطراف التي شاركت في العمليات القتالية للمطالبة بدور مهم ورئيسي في خطة المستقبل، وذلك للمحافظة علي مكتسباتها ومن ثم ضمان تأمين مصالحها في الوقت ذاته. والحقيقة أن مرحلة إدارة الموصل في مرحلة مابعد القضاء علي التنظيم الإرهابي هي التحدي الأصعب والأهم لتثبيت هزيمة داعش سياسياً كما هو الحال علي الأرض، وبالتالي ضمان استقرار المدينة بدلاً من تحويلها لساحة للصراع للأطراف السياسية المتعددة، وذلك لتحويلها لنموذج حي للتعايش.
فأطراف عدة عراقية وإقليمية ودولية تستعد لاقتسام الغنائم ومساندة حلفائها بعد إعلان القضاء علي داعش، فالولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب تعلمت من التجربة الأمريكية السابقة في العراق حين سمحت بعد سحب القوات الأمريكية للنفوذالإيراني بالتمدد بصورة أزعجت واشنطن وحلفاءها في المنطقة، وهي ترغب بقوة في وقف التمدد الإيراني في المنطقة عن طريق تحجيم دور طهران في بغداد المساندة بقوة لقوات الحشد الشعبي التي وصلت الي الحدود مع سوريا . وهذه المرة تدرك واشنطن أهمية استمرارها في العراق والضرر الفادح الذي قد يطولها في حال إنسحابها بعد إنتهاء العمليات العسكرية.
ومن المؤكد أن واشنطن لديها خطة واضحة للفترة المقبلة ربما تتضمن انخراطها في الحياة السياسية والإقتصادية العراقية بطريقة تحقق مصالح أمنها القومي، ولا تظهر فيها بصورة المحتل وإنما الداعم للدولة العراقية.
كما أن الطرف الكردي الذي رغب عبر مشاركته في الحرب ضد داعش في التشديد علي إمتلاك الأكراد لقوات نظامية قادرة علي حماية الإقليم في حال إستقلاله، وأيضاً ربما إرسال رسائل طمأنة مفادها أن أربيل ستقف بجانب بغداد في حال إحتياج الأخيرة للمساعدة ضد أي تهديدات قادمة. كما أن الطموحات الكردية إرتفع سقفها بإعلان رغبتها في ضم مناطق جديدة للإقليم تشمل سنجار ومناطق من كركوك وديالي وبالتالي توسيع دولتهم المستقبلية، وهو ما يستدعي إستراتيجية أكبر وأوسع في العراق تضمن بقاءه موحدا وقوياً وهو الهدف الأسمي لها، من خلال متابعة العمل علي المصالحة الوطنية ومحاربة الفساد
وبعيداً عن الإشكاليات السياسية والإقتصادية التي ستواجهة المدينة قريباً فينبغي أيضاً علي الحكومة العراقية إدراك أن مسالة طرد عناصر داعش لايعني بالضرورة القضاء علي الفكر المتطرف نهائياً، فطول مدة بقاء التنظيم الإرهابي بالإضافة لإحساس السنة وهم المكون الأكبر لسكان الموصل بتهديدات منذ عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتصاعد القوي الشيعية الأمر الذي وفر تربة خصبة لبعض الأشخاص للتأثر بهم، ومن ثم ينبغي علي الحكومة المركزية معالجة أسباب الفساد ودفع السكان للمشاركة والإنخراط في مستقبل المدينة وخطط إعمارها، ومن ثم إستعادة الثقة بين المواطنين والحكومة وإلا فإن البديل سيكون أشخاصا يمثلون قنابل موقوتة يصعب حصارهم.
رابط دائم: