لم أرتب .. و لا قصدت .. لا في الأمر الأول، ولا ما تلاه.. تسللت الرائحة الي كل مسامي، وليس إلي أنفي وحده، تغلغلت حتي التبس علي الامر: في أي يوم نحن؟ واين بالضبط ، هذا الموضع الذي اقف فيه ، من العالم؟ أهي الجمعة الرابع عشر من اغسطس ٢٠١٥ .. أو ٩مايو ٢٠١٧؟ أهو مطبخ بيتنا في «المعادي»، أقف فيه بعد وصلاة الجمعة ١٤.أغسطس ٢٠١٧، أعد ما هفت اليه نفسك ، و جاوبتك اليه ، في ذلك اليوم ؟ أو أني البي طلب «مالك» حفيدي ذي الاعوام الستة قبل أن يعود من مدرسته القريبة من ضاحية هايد بارك ، حيث جامعة شيكاغو التي تدرس بها ابنتنا، وتعد رسالتها للدكتوراة .. ؟
هل ما يصلني هو صوتك قادما من المكتبة يسبقك، تناديني: «ممكن شاي أخضر يا جميل؟»، فأصطاد الفرصة الدانية، وأعد بدلا من كوب واحد من شايك الاخضر، كوبين ، أحدهما بالنعناع، أدخل بهما، كأنهما
«حصان طروادة»، أختبئ داخله، وأتعلل لأمكث وقتا على مقعدي المواجه لمكتبك، بينما تعيد تصفيف بعض الكتب.. نعم الجمعة بعد الصلاة هذا وقتك الأثير، في يدك «البرنسيسة»، .. «البرنسيسة» هي الريشه المخصصة لك لتقوم بالمرور علي الكتب، بنفسك يوم ككل جمعة بعد صلاة الجمعة،.. هكذا اسمتها معاونتي في المنزل ، تمييزا لها ، وحتي لا تختلط بغيرها ولا تتساوي !.. «الواحد بينسي يا «جميل» .. الكتاب «.....» كان عندي و اشتريته تاني ! «..أهونت عليك في ذلك اليوم بأكثر من المعتاد ، و لا أدري السبب ، اقترحت أن نشترك في العادة فهرسة جزئية .. شكلت رائحة البقدونس والشبت المخلوط باللحم المفروم وبعض الأرز النئ، مع قليل من الفلفل الأخضر «غيمة».. تكورت داخلها ... أغمضت عينى، تاركة أصابعي تفرك «عجين» داوود باشا، بينما هدي سلطان تغني «عمري ما شفت الحب غير لما حبيتك .. ولا شفت راحة قلبي الا وانا في بيتك» تعرفني .. لا تستقيم ساعاتي بغير السماع ..و لكل ساعة سماعها .. تعودت منذ صار لنا بيت ، أن أبدأ شئون المطبخ بتلك الأغنية .. أحب عبد الوهاب وهدي سلطان ومحمد عبد المطلب وعبد الغني السيد و طبعا عبد الحليم ، و أدخلتني أنت الي عوالم سماع بعرض الكرة الأرضية .. الإيراني والتركي والمغربي والصيني و قدود حلب و مواويل الصعيد و موشحات الأندلس حتي موسيقي التبت .. عدت من عملي مساء أحد الأيام .. أمام باب الشقة، استشعرت ارتجاجات ، فتحت الباب ، تحولت الارتجاجات الي خبطات منتظمة قادمة من المكتبة .. جريت باتجاهها .. فتحت الباب .. رفعت رأسك من علي الورق « أهلا يا جميل ..!» جميل .. إيه ده يا جيمي؟
تعالي .. تعالي .. دي موسيقي التبت !
كأنما الزمان بغير انقطاع، أو أن العقارب توقفت عند ظهيرة ذلك اليوم الصيفي الذي بدأ وديعا، مسالما أكثر من المعتاد،أو كأن اليوم امتد.. آمنا، لم يسلبني « ليله» اطمئناني كله، قرب الثانية من فجر السبت ١٥ اغسطس. وأنا أحاول أن ألبسك خفين بيد، وأتلقي رأسك علي كتفي، ويدي الأخري تحوط وسطك، بينما تتلاحق أنفاسي محاولة طمأنة نفسي، حا تعدي .. حاتعدي يا جيمي، ماتخافشي ياحبيبي .. «أنا تعبان يا ماجدة» ..أنا خايف المرة دي .. ليه باغتتني «المرة دي» .. أتت .. ونحن في ذروة « صفا» ، أو هكذا كنا نظن .
كان عاما من التجلي .. نلت فيه جائزة النيل ، وأصدرت «حكاياتك الهائمة» ومجموعة «اليمام» ، و صدرت الترجمة الفرنسية لآخر دفاترك. وما استبق ذلك من تحقق لحلمك .. وحلمي وحلم ماجي وقبولها بواحدة من أعرق جامعات العالم، والأولي في أمريكا في دراسات الاقتصاد و«اللاهوت»، جامعة شيكاغو .. كان اليوم جمعة، قبل موعد سفرها، فجر الأحد، بأربعة وعشرين ساعة .. كان نهار الجمعة أشبه بالبحر لما يستكين و يصير «حصيرة» ، منبسط وأَلوف، .. تذكر قالها لنا يوما ذات ربيع عام ٧٤ .. في نوبة من نوبات جنوننا العاقل، أخذنا القطار إلي الاسكندرية .. القينا بطلة علي البحر، رمقنا عجوزا يصطاد و بنظرة «الفاهم» دون سؤال، قال : البحر حصيرة لا موج .. ولا تيارات تبادلنا معه كلمات آنسته ، أكلنا سمكا وعدنا .. حين عدنا وسألونا ، قلنا رحنا نطمئن علي أن البحر مازال أزرق اللون ووجدناه مطمئنا ساكنا.. وجدناه «حصيرة» .. كان الرابع عشر من أغسطس «حصيرة».. انشغلت ماجي بإعداد حقائبها ومالك طوال اليوم.. صلي محمد الجمعة و لعب رياضته. تناولنا معا بشهية كفتة داوود باشا التي هفت إليه نفسك، ولم أنس السلطة، وقت قيلولتك ، قناة الناشيونال جيوجرافك، كانت تعرض فيلما عن مصر الفرعونية، وأردت أن تشاهده مع «مالك».
و عند العصر « فردت» ظهرك لدقائق قبل أن تجلس إلي المكتب وتصدح منه موسيقاك المغربية، أتعرف .. حضورك عندي تصحبه دوما «الموسيقي» ..أميز أوقات اليوم بها.. نهارك في باكورته، لاتحتله غير ليلي مراد.. أو أتذكر يوم هاتفتك بعد أن كتبت عنها يومياتك كاملة ؟ يومها جاءني صوتك منفعلا، جياشا «تقولي مين لسه قافل معايا دلوقت!؟» .. حزرت و رحت وجيت ولم أصل .. وحين نطقت باسمها، خيل إلي أنك تهتف .. أثيرتك ، صوتا وصورة .. حضورا و ذكري .. في الجمعة ١٤ اغسطس ٢٠١٥ ختمت سماعك بصوتها.. و دعوتني أن نتشارك السماع، بعد أن أنهيت عملك، بعد منتصف الليل بنصف ساعة .. جئت «بالآي بود» والسماعة وجلسنا متجاورين علي كنبة غرفة المعيشة، وضعت « فردة» من السماعة في أذنك والأخري في أذني .. «من القلب للقلب رسول، والحب له شرح يطول».. فجأة.. خلعت السماعة و أنت تمصمص الشفاة:«صوت زي نور القمر علي صفحة النيل».. ثم أعدت السماعة إلي أذنيك و أنت تغني معها..كيف كان لي أن أستشرف أنها سوف تكون مرة سماعنا الاخيرة ؟ كيف كان بمقدوري وأنا غارقة في «الصفو الآمن» أن أدرك أنه بعد ثلاث ساعات فقط سوف أسمع صوتك لآخرة مرة، مستنجدا من الوجع.. لم يكن قد مر غير أسابيع، علي نجاتنا جميعا، أنت وأنا ومالك ومحمد، من تسمم عنيف، أثر صنف حلو جلبناه، من محل ينتهي «مآله» واحد من «أصحاب الحظوة» .. كانت ماجي ابنتنا ، تستعد بعد سنوات من الكد والانتظار، أن تبدأ دراستها للدكتوراة .. فقط حين تستحضر قلقك علي «الحبوب» كما كنت تنادي ماجي، كنت ألمح دمعتيك «المعلقتين».. «نفسي اطمن عليها».. عندها، عند «الحبّوب»، كان يغلبك ذلك اللاشعور الذي طغي عليك في السنوات الأخيرة، «الزمن».. الا تنجز ما تتمناه وعلي رأس قمته «الحَبّوب» وكأنك تسبق الزمن وتسابقه .. تعمل يوميا لما يقرب من ثمانى عشرة ساعة:«عندي أفكار ومشروعات محتاجة عمر.. مشكلتي الوقت» كان الزمن هاجسا مهيمنا.. ولنقل أنه كان سؤالك الوجودي منذ تساءلت، طفلا: «هو امبارح راح فين؟».. وتحولت علاقتك به إلي شبكة من الأسئلة التي تفتش عن إجابتها في علم الفلك والفيزياء.. تتذكر تلك المناظرة الفريدة التي أجريتها مع واحد من علماء الفيزياء، وسألتك بعدها عن العلاقة مابينك وبين هذا العلم الصعب؟ يومها قلت لي: كيف لا أهتم بالفيزياء وأنا مهموم بالزمن؟.. الزمن وخطي البشر والنسيان، والمقاومة بالفن .. نعم تكتب لتقاوم المحو، والنسيان.. تقرأ العمارة، من الهرم الي السلطان حسن، علي أنها مجاهدة الانسان ومقاومته للنسيان.. آخر ما اخترقني بصوتك في تلك الليلة «خايف المرة دي ما تعديش» .. أوينا للنوم في تلك الليلة يغمرنا امتنان غير محدود ورضا، لم يخل من شجنك المقيم.. كيف، وجهة نظرك، لم تنتبه بالقدر، الذي تراه مناسبا، لتأمين محمد وماجدة، و كما اعتدت أنا أن أقول، أنك أديت بأكثر من المطلوب.. حصل محمد علي بكالوريوس الهندسة وانفقت كل جوائزك علي ماجستيرين له أحدهما في الإدارة من جامعة كولمبيا والثاني في الاقتصاد من جامعة بوسطن، وأرسلت ماجي إلي مدرسة لندن للعلوم السياسية والاقتصاد وإلي جامعة نيويورك لتحصل علي درجتي ماجستير، وكلل الله مسعاك ومسعاها بمنحة للدكتوراة في جامعة شيكاغو سوف تسافر لها خلال ساعات .. كأنك كنت تستشعر ما سوف يجري قرب الفجر .. كأنك كنت تري ما لم أفطن إليه .. وكأنني اطمأننت أكثر مما ينبغي.. لم يكن بحرنا فجر السبت الخامس عشر من اغسطس ٢٠١٥: «حصيرة».. كمن في أحشائه «الإعصار الأكبر» الذي عصف بأولادنا وبي نحو الثالثة فجرا، حين صحوت علي أنات وجعك ، واستغاثتك و عيونك تخترقني بالوصايا.. وأنا.. أنا أخالف ما اعتراني من هول، وأنفث بكل ما أملك رسائل طمأنة لا أصدقها.. منذ تلك اللحظة لم أعد أنتمي لما يجري من حولي.. لم أملك رفاهية إظهار لا الخوف ولا الحزن .. كلاهما كانا رفاهة لأبقي شراع مركبك مرفوعا، يجاهد الإعصار.. وإن انقصم ظهري وتعري .. كل ماجري بعدها كنت أراه وكأنه يحدث لغيري.. فصلني لوح شفاف واحتميت «بغيمة» من الروائح والأصوات وملامستك.. بالعكس، لم تعد تغادرني بالسفر أو الانشغال.. أحكمت عليك جدار القلب إحكاما بغير منافذ، تغلغلت أنت طواعية وقبولا ففاضت روحي بحضورك المستقر منذ الواحد والعشرين من ابريل ١٩٧٤، لما التقينا في اليوم الربيعي في مطعم «بترو» بالهرم وأمضينا أربع ساعات نأكل ونحكي، ختمتها بكتابك «أرض..أرض» ، وعليه سطران «رغم أن تعرفي بك قد تم منذ وقت قصير، إلا أني أحس اني أعرفك منذ زمن بعيد» «...» في أول أسبوع من إبريل، كان اليوم الذي اصطحبتني فيه الي جامع السلطان حسن لتريني ما لم يكتشفه أحد قبلك.. «رع» يتوسط أعلي جدار السلطان حسن. تلك الشمس الفرعونية، التي أرسلت اليها عينيك وأخذت كفي بين يدك التي رفعتها في صوب الاتجاه .. كانت مرتنا الأولي.. وعناق أكف بدأ واستمر حاملا تواصلا، تباينت رسائله علي مدي عقود ، و لم يتوقف ولن .. نتعاتب به ويموج بالمكنون .. نتآزر عبره ونتساند، أفتش عنه إن غاب ملتمسة الأمان ..أشكوك إليه أن أغضبتني.. استسمحك عبره و أصالحك، أقبله شابة وجدة .. صار سارية، علمي،.. في التاسع من مايو نفس العام نزلت من قطار المعادي حلوان، محطة باب اللوق، كنا اتفقنا أن نلتقي في الحسين .. هناك بمقهي، أعلي تلك العمارة المطلة علي مشهد سيدنا الحسين الذي لم أعرف الطريق اليه إلا معك قبل أسابيع .. لم أوقف تاكسي..سرت باتجاه عكس اتجاه مدرستي «ليسيه الحرية» باب اللوق.. رحت أفتش عن مكتبة كنت، أشتري منها كراساتي وأقلامي، دخلت.. لا أعرف بالضبط طلبي.. غير متيقنة من قراري.. هل أملك شجاعة تنفيذه؟ هل سوف أصمد؟.. أصبح عندي ما أخفيه عن العالم، وهو ما لم أتعوده.. «عندي سر» أدفنه في داخلي .. أفتش عن بغيتي التي لم أحددها، سوف.. اشتري هدية عيد ميلاد لرجل أحبه..لمحتها.. قلم جاف باركر ثمنه جنيهان وخمسة وسبعون قرشا، في علبة غطاؤها بلوني المفضل «الأزرق» أو الكحلي، بمعني أدق بلون تنورتي التي أذهب بها إليك يعلوها القميص الأصفر، وهو نفس اللون الذي سوف نشتري عنه كتابا باللغة الفرنسية بعد أكثر من ثلاثة عقود، وتطلب مني أن أقرأه لك مترجما، ونخصص له ساعة تسبق جلستك اليومية علي المكتب. لم أطلب من البائع أن يلف العلبة لفة هدية.. تركته بغير قصد، يتصور أن القلم لنفسي.. كان القلم فعليا «لنفسي».. نفسي التي تعرفت عليها أو عرفتني أنت عليها.. دسست العلبة في حقيبة معلقة بكتفي ، وفوقها يدي .. أتحسسها بكل كفي ثم.. بأطرافي، أطمئن لوجودها.. وأفكر ماذا أقول لك، وكيف أعطيها لك؟ هل أقول لك كل سنة وأنت طيب .. هل أكتب معها ورقة بإهداء؟ هل أضعها صامتة في كفك ؟ هل أقولك لك اني أحس بأمر لا أفهمه؟ هل.. في مقهانا الذي لم يكن «الفيشاوي» ، لمحتك منحنيا فوق كتاب .. لم أكن أعرف الكثير عنك.. كل ماكان عندي، كانت تلك البهجة التي تعتريني وأنا مقبلة للقائك ، عطري الذي أراوغك في تحديد اسمه حين تسألني ..«أزرقي» الذي رأيته جميلا فيما ارتديه واقترحت علي ان اضيف اليه «الاحمر الياقوتي»، لونك المقرب .. أو الأخضر بلون حجر الزمرد، بصوت لم تخفضه منذ عرفتك قلت: «أهلللللا» .. طويلة وجهورية، كأنك ترحب بصديق .. مددت يدي أصافحك وسحبتها بسرعة.. غمرني خجل.. لا أعرف هل كان السبب تلك «الأهلللا» التي تشبه هتافا.. والتي تصورت أنها سوف تصعب مما انتويته، أو أن السبب كان تبخر شجاعتي وقد أدركت ، أنه صار لي «سري» ... . كانت أغنية لفيروز، تنبعث من بعيد..وكنت كعصفور ، أقفز ولا أسير .. حتي جلست أمامك .. وتأملت أصابعك الطويلة وهي تلف سلسلة متشابكة من دبابيس المكتب!، كانت السلسلة مدخلا لإنقاذي، حين وجدتني أنظر اليها متسائلة .. ضحكت وأرجأت الإجابة وأنت تناولني الكتاب الذي كنت تقرأ فيه : «قررت أعرفك علي أصدقائي.. اليك أيتها الآنسة الجميلة واحدا من عظماء الرواية «ايفو اندريتش» وروايته «جسر علي نهر درينا».. بعدها بعام ونصف، في السابع والعشرين من ديسمبر ١٩٧٥، بعد زواجنا بيومين، سوف نسافر معا إلي الاسكندرية ومعنا كل أجزاء رواية «أسرة تيبو» التي ستصفها إلي اليمين من جانب فراشنا. شربنا شايا ومددت أصابعك تشير إلي مآذن وقباب، تشرح طرزا وتقرأ أحجارا ثم وقفت فجأة ومددت إلي بذراعك التي سوف تبقي دوما ممدودة،: عازمك علي الغدا عند «أبوهاشم».. بقيت محملقة.. أضحك وأتكلم وأختبئ في ضجيج أنفعال مصطنع .. لم يكن يشغلني الا العلبة ذات الغطاء الازرق و القلم «الرسول» الذي احتفظت انت به ومازال مستكينا «ناعما، منعما» في العلبة ذات الغطاء الأزرق، في الدرج الأول من يمين مكتبك ، تخرجه لي من حين لآخر، في رسالة تتعمد طمأنتي بها قائلا «هو الوحيد اللي في الدرج» .. «أي قلم تاني لا يمكن ييجي جنبه» صمت أنا فجأة، تاركة يدي لكفك .. أطبقت علي يدي ثم تخللت أصابعك .. أصابعي وسرنا صامتين ، وأنا أخشي أن أقطع «وصلنا» الصاخب .. معا .في الطريق الي «أبو هاشم» عرجنا علي حارة «الدرب الأصفر». هنا بيتنا قبل الانتقال إلي مدينة نصر فتحت لي خزائن عمرك .. «وانسابت كلماتك، وكان مهري منك «غمر صادق».. حين وصلنا الي باب «مطعم ابوهاشم» القابع في دواخل الحارة .. سحبت يدك، وبنصف انحناءة قلت ضاحكا اتفضلي يا جلالة «الملكة» من لحظتها توجتنى علي حياتك وصرت عندك «جلالة الملكة» . يومها سرنا علي الأقدام من الحسين الي باب اللوق، صعدت معي الي رصيف القطار، هكذا كنا نسميه قبل أن يتحول إلي مترو .. و قفنا علي رصيف المحطة، فوتنا قطارين وعند وصول الثالث، أخرجت «سرى» العلبة ذات الغطاء الأزرق.. رفعتها إلي مستوي نظرك .. «كل سنة وأنت طيب» وقفزت إلي القطار وقد بدأت رحلتنا «معا» مفتاح باب الشقة المقابلة وجارنا العجوز ، وبصوته ينادي بالانجليزية علي زوجته.. والجرس الذي يشير إلي وصول الأسانسير إلي الدور السابع والثلاثين، شقا «غيمة» الروائح .. مزق «حوصلتي».. انتبهت إلي صوت ارتطام الأمطار بالنوافذ الزجاجية الواسعة لشقة ماجي ابنتنا في البناية التي تطل علي بحيرة، ميتشجان، التي ينتهي عندها شارع ٥٦ من الجانب الشرقي لضاحية هايد بارك، علي بعد ثلاثة شوارع عن جامعة شيكاغو .. لم تكن هناك المكتبة، ولا كنبة غرفة المعيشة التي نتشارك عليها سماعتك والآيبود.. لم أكن في مكاني .. ولكنا كنا «معا» في الزمان الممتد .
رابط دائم: