رئيس مجلس الادارة

هشام لطفي سلام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفكر المتطرف .. وآليات المواجهة ( 14)
د. إبراهيم الهدهد: مناهج الأزهر بريئة ونقاوم الإرهاب بأسلوب عصرى
تكفير داعش مسئولية القضاء وليس الأزهر

> أجرى الحوار ــ العزب الطيب الطاهر

الدعوات المطالبة بتنقية التراث فارغة ولا تستقيم مع الفكر الإنسانى 

مليون طالب وطالبة من مصر و116 دولة يدرسون فى 10 آلاف معهد و80 كلية

 

بينما تشير أصابع الاتهام إلى مناهج الأزهر من قبل البعض على أنها قاطرة تحمل متفجرات الفكر الإرهابى المتطرف، وينحى البعض باللائمة على هذه المؤسسة العريقة وحدها، فى انتشار الإرهاب الذى بات يشكل ظاهرة ممقوتة فى العالم كله. فما زال علماء الأزهر ومفكروه يرفضون هذا الاتهام ويسوقون الأدلة على بطلانه من التاريخ والواقع بل والحركة المستقبلية،

وهو ما يجسده الدكتور إبراهيم الهدهد المفكر الإسلامى ورئيس جامعة الأزهر السابق، فى حواره مع «الأهرام»، والذى فند كل الاتهامات مؤكدا ان مناهج الأزهر بريئة من التطرف وأن الدعوة إلى تنقية التراث نوع من أنواع العبث الفكري، وانه لا جدوى من إعلان الأزهر تكفير «داعش» حتى لا يستدرج إلى هذا المربع. وإلى نص الحوار:


دخل الأزهر شيخا ومشيخة وجامعا وجامعة ومعاهد منتشرة فى مختلف بقاع المحروسة دائرة الاتهام بأنه المسئول عن تفشى التطرف وظاهرة الإرهاب التى تفاقمت فى السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها بتفجير كنيستى طنطا والإسكندرية مؤخرا، ما ردكم على هذا الاتهام؟

إن هذه الحملة الممنهجة ضد الأزهر، واتهام مناهجه بأنها تفرخ الإرهاب أو تدعو إلى التشدد، وما إلى ذلك من دعاوي، لا تستند إلى أى حقيقة علمية، ويمكن الرد عليها وتفنيدها ودحضها بالتأكيد عبر حقائق عديدة، لأن التاريخ خير شاهد على ما يقدمه الأزهر لمصر وللعالم الإسلامى بأسره، والأزهر الشريف مكون من خمس هيئات, الأولي: هيئة كبار العلماء، والثانية: مجمع البحوث الإسلامية. والثالثة: جامعة الأزهر، والرابعة : قطاع المعاهد الأزهرية والخامسة والأخيرة: المجلس الأعلى للأزهر، وقطاع المعاهد الأزهرية يضم عشرة آلاف معهد منتشرة فى أنحاء الجمهورية، وهناك بعض المعاهد خارج البلاد, وتضم أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، وجامعة الأزهر بها ثمانون كلية فى مختلف فروعها، يدرس بها أيضا أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، منهم أكثر من عشرين ألف طالب وافد من 116 دولة، إلى جانب عشرين ألف طالب وطالبة وافدين فى التعليم ما قبل الجامعى من دول عديدة سواء إسلامية أو غير إسلامية، كما يعمل فى الأزهر الشريف أكثر من 25 ألف أستاذ جامعى وعالم وأكاديمى والذين يشكلون هيئته التدريسية، أما فيما يتعلق بهيئة كبار العلماء، فإن مهمتها الرئيسية تتمثل فى إبداء القول والرأي, حول ما يطرأ من مستجدات تقتضى تنزيل الفتوى على الواقع، والأمر نفسه ينطبق على مجمع البحوث، وكل ذلك يعنى أن الاجتهاد فى الأزهر يتسم بالطابع المؤسسى وليس بناء على منظور فردى أو مجموعة من الأفراد.

وهل تتضمن مناهج الأزهر، سواء فى مراحل التعليم ما قبل الجامعى أو فى التعليم الجامعى بالفعل، أفكارا تدعو إلى العنف والإرهاب والتشدد كما يسوق البعض من الإعلاميين؟

من الأهمية بمكان فى هذا السياق، التمييز بين ثلاثة أمور، أولها مقررات تدرس للطلاب لتشكل بها عقولهم، وثانيها: كتب التراث، وثالثها: الأفكار الضالة والمنحرفة التى تقدم للطلاب، مصحوبة بما يفندها ويؤكد تهافتها وهشاشتها وأضرارها، وذلك حتى يتعلموا كيفية مواجهتها والتصدى لها، وهو ما يتسق مع القاعدة المنطقية التى تقول: إن الحكم على الشيء يكون فرعا عن تصوره، وهو ما يستدعى أن يتعرف أبناؤنا الطلاب، على هذه الأفكار وأساليب التعامل معها وطرق الرد عليها وفق أدلة وبراهين وحجج، ومن هنا لا يستقيم عقلا أو منطقا أن يقوم البعض باستخراج هذه الأفكار الضالة والمنحرفة، التى نحن نتعمد تدريسها ونربى طلابنا على مواجهتها، وهنا تجد أن أحدهم يبادر بالقول: إن مناهج الأزهر تحتوى على أفكار تدعو للتطرف وللإرهاب. أما الجانب الثاني، فإنه يتصل بكتب التراث، ولابد أن نميز بين مقررات تدرس من خلال كتب التراث وبين الأفكار المنحرفة التى يتم تدريسها فى الوقت نفسه حتى يمكن الرد عليها، ومعنى ذلك أننا نحافظ على كتب التراث كما هي, وبالتالى فإن الدعوات والصيحات لتنقية التراث هى فارغة، ولا تستقيم مع الفكر الإنساني، وكل الأمم تحافظ على تراثها لأنه يمثل مرحلة من مراحل هذا الفكر الإنسانى فى تاريخ بعينه، وكان متلائما ومتسقا مع الزمن الذى كتب فيه.

ولماذا يتكرر هذا الاتهام لمناهج الأزهر بأنها المسئولة عن تفريخ الإرهابيين؟

إن أول درس انطلق فى الجامع الأزهر، بعد تأسيسه فى الخامس من رمضان سنة 361 هجرية ( 972 )، فهل أسهم خلال هذه الفترة الزمنية التى امتدت الى نحو 1035 عاما فى تفريخ متطرفين وإرهابيين، ولماذا أصبحت مناهجه فجأة مصدرا لصناعة التطرف والتشدد والإرهاب حسب رؤية البعض؟ إن الأزهر منذ نشأته ظل مقيما فى عقل وذاكرة ووجدان الأمة الإسلامية كلها وليس فى مصر فحسب، ومناهجه المتهمة فى المرحلة الحالية هى التى خرجت حشدا من الوطنيين الذين دافعوا عن هذا الوطن، وعلى رأسهم عمر مكرم والسيد كريم وأحمد عرابى وسعد زغلول، وهذه المناهج المتهمة تضم الخطوط العامة التى تربى عليها شيوخنا وعلماؤنا فى القرون الماضية، ومن يروجون لهذا الاتهام الفاسد يفتقرون إلى المنطق السليم والحجة العقلية، لأن الآلاف الذين تخرجوا من الأزهر وينتشرون فى دول إسلامية عديدة، لم يكونوا من بين المتهمين بالتطرف والإرهاب، بل إن المئات منهم تولوا مناصب قيادية فى بلدانهم، فلماذا لم يتحول هؤلاء الخريجون إلى مخربين فى أوطانهم ما دامت مناهج الأزهر تخرج المتطرفين والإرهابيين؟ إن الحقائق تؤكد أنهم أصبحوا صناع حضارة ومساهمين فى البناء والتنمية والتحديث فيها، وكل ذلك يؤكد أن كل ما يتردد فى هذا السياق هو محض افتراء على الأزهر. وليس منطقيا ولا مقبولا ومعقولا أبدا، حينما وقعت حوادث تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية مؤخرا والتى آلمتنا كثيرا، لأنها تهز النسيج الوطنى الذى يحرص ويعمل الأزهر دوما على تمتينه وتقويته، أن يخرج بعض الإعلاميين وأن يصرخوا على شاشات بعض المحطات الفضائية، ويطالبوا شيخ الأزهر بالتنحى بحجة أن الأزهر قد فشل فى القضاء على التطرف والإرهاب، وكأن التهمة معدة مسبقا بأن الأزهر هو الذى قام بهذه الحوادث، أو على الأقل قام بها أحد ممن تخرجوا منه، وحتى ولو كان أحدهم من خريجى الأزهر - على سبيل الافتراض - فإن ذلك لا يشكل خصما من رصيد الأزهر, فهل لو أخطأ الوالد فى تربية ابنه يتم قتله فى هذه الحالة؟ إن ربنا سبحانه وتعالى سجل فى القرآن الكريم واقعة ابن نوح:« يا بنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين« أهنا يتهم نوح عليه السلام بالفشل فى تربية ابنه لأن ابنه لم يركب معه؟ إن الذى يتكلم بدون منطق ولا عقل ولا حقيقة ودون سند من واقع، فالأزهر صمام أمان لهذا المجتمع وليس مصدرا لأفكار التطرف والإرهاب فيه.

لكن كيف يمكن للأزهر أن يمارس دوره بفعالية فى التصدى للإرهاب بوسائل تتسق مع المتغيرات الحديثة سواء علميا أو فكريا أو تكنولوجيا؟

بالتأكيد للأزهر دور فى محاربة الفكر المتطرف والإرهابي, ولكن هذا الدور هو جزء من أدوار يتعين أن تقوم بها مؤسسات مختلفة فى المجتمع المصري، وفى هذا السياق فإنه مطلوب بقوة إنهاء الفقر ووقف البطالة بما يسهم فى رفع المستوى الاقتصادي، والقضاء على العشوائيات، والعمل بجدية أكثر على محو الأمية التعليمية والثقافية، والاهتمام بتحسين المستوى الفكري، والرقى بالفن كما كان حاله الأول، ومن ثم فإنه فى ظل هذه الأجواء من الانحدار، لا يتهم الأزهر وحده بالتقصير، فهو يقوم بدور غير عادى فى مواجهة هذه الأفكار الهدامة، وتخيلوا العالم بغير أزهر وتخيلوا مصر من دونه؟ فمن كان بمقدوره التصدى لأفكار تنظيم داعش الذى كان يمكن له فى ظل غياب الأزهر أن يستلب عقول شبابنا، ومن كان بوسعه أن يواجه أفكار »الإخوان المسلمون » فضلا عن أفكار السلفية ذات الطبيعة الجهادية، لو أن الأزهر لم يكن موجودا فى مصر، أقول لكل هؤلاء الذين يهاجمون الأزهر: نشطوا ذاكرتكم حينما كان الأزهر يقوم فى ثمانينات وتسعينيات القرن الفائت بتنظيم برنامج ندوة للرأى وتنقل بين السجون وقتها، وناقش أفكار الجماعات الإسلامية عبر عدد كبير من علمائه ورموزه، والتى أسهمت ضمن جهود أخري, فى إجراء مراجعات لها والتخلى عنها فيما بعد.

وماذا يصنع الأزهر فى الوقت الحالى لمواجهة الأفكار المتشددة والمتطرفة والتى تدفع إلى تبنى الإرهاب منهجا للبعض؟

إن الأزهر يستحدث الأدوات المناسبة فى كل زمان بما يلائم الحال، فلم يعد يصلح الكتاب أو الصحيفة للقيام بهذه المهمة بمفردهما، وبالتالى هو يقود جيشا إلكترونيا من خلال مرصده الذى يقوم برصد كل ما يبث من أفكار ضالة ومنحرفة بعشر لغات عالمية، ويقوم بالرد عليها وتفنيدها على المواقع الإلكترونية مباشرة والتى يبلغ عدد روادها عشرات الملايين، وكذلك مركز الأزهر للترجمة والذى يقوم بترجمة كتب ومطبوعات الإسلام الوسطي، بأكثر من عشر لغات عالمية لنشرها فى المواقع الإلكترونية وتوزيعها ورقيا فى أنحاء العالم، كما يصدر الأزهر مجلته الشهرية ومعها كتابان وبسعر زهيد للغاية (ثلاثة جنيهات) وهى ترد على كل هذه الأفكار وقد تم تطويرها فى الأعوام الأخيرة من حيث الشكل والمحتوي، إلى جانب جريدة صوت الأزهر، كما سبق الأزهر الجميع بإصدار مجلة » نور« الموجهة للأطفال عبر الرابطة العالمية لخريجى الأزهر، والتى تهدف لتنوير عقول الأطفال، وتقديم الجوهر الصحيح للأديان والأخلاق الحميدة ونشر قيم التسامح والاعتدال، إلى جانب الاهتمام بالجانب العلمى والتاريخي، من خلال الأشكال المحببة لهم بطريقة تنسجم مع مستوى تفكيرهم ومرحلتهم العمرية، وقد امتدح رئيس الجمهورية هذه المجلة وأكد دعمه لها، وقد حققت توزيعا واسعا، وهو ما يعنى أن الأزهر يتجه إلى كل شرائح المجتمع أطفالا وشبابا وشيوخا، كما يتجه إلى الداخل وإلى الخارج، وقريبا سيطلق المرصد العالمى للفتاوى الإلكترونية، وقد تم تدريب أكثر من 300 من شباب جامعة الأزهر الذين يجيدون الحديث بلغات مختلفة ليتفاعلوا على مدار الساعة مع التساؤلات التى يتلقاها المرصد والقيام بالإجابة عنها فورا، أضف إلى كل ذلك دور مجمع البحوث الإسلامية.

ثمة تركيز فى سيل الاتهامات الموجهة للأزهر على أنه لم يقم بتكفير تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية فلماذا لم يقدم على مثل هذه الخطوة ؟

إن الأزهر ليس جهة يناط بها أن تعلن تكفير أو إيمان أحد، بيد أن التكفير هو من مسئولية ولى الأمر أو من ينيبه، وهو هنا القضاء، وبالتالى فهو المناط به أن يتولى الحكم فى أى قضية تتعلق بجرائم الدين، فكيف يمكن الطلب من الأزهر أن يصدر حكما بأن هذه الجماعة أو هذا التنظيم كافر أو غير كافر، وهو ما يتعارض مع دوره وصلاحياته، كما أن الأزهر لديه قواعد علمية مؤسسة على نصوص صحيحة من القرآن والسنة، ومن ثم ما الذى يريده هؤلاء الذين يطالبون الأزهر بتكفير داعش أو غيرها؟ لنفترض أنه أصدر فتوى بهذا الشأن، فهل ستقوم بحل الإشكال ومن ثم ما مرادكم من هذه الخطوة؟ هل لإباحة قتال هذه التنظيمات؟ إن قتالهم مستحل بالقرآن الكريم، وليس بحاجة الى فتوى من الأزهر فى قوله تعالي:«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ« (الآية 33 المائدة)، إذن معالجة هذه الظواهر وتداعياتها موجود فى القرآن الكريم والسنة الشريفة، ومن ثم فلا جدوى من إعلان الأزهر تكفير هؤلاء حتى لا يتحول الأمر من تكفير الأزهر لهذه الجماعات، والتى تقوم بدورها بتكفير الأزهر وتنتقل الأمور إلى ملعبها، والأزهر لن يستدرج إلى هذا المربع لأنه لم يستدرج على مدى تاريخه، وبالتالى فإن موقف الأزهر فى هذه المسألة هو الصواب والصحيح.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق