رئيس مجلس الادارة

هشام لطفي سلام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صلاح جاهين .. رباعيات عشق لا تنتهى

د. نجاح احمد عبد اللطيف
بيني وبين رباعيات جاهين حالة من العشق لا تنتهي، كلما قرأتها شعرت وكأنني أقرأها لأول مرة، نفس الإحساس والتأثر والشجن والتأمل، حالة أنفض معها همومي وأستريح، حتى إنني حفظت كثيرا منها من كثرة ما قرأتها، ولطالما ضبطت نفسي أردد بعضها وأنا حزينة.

أتنهد مع آهات «نوح راح لحاله والطوفان استمر»، ومع» يوم قلت آه سمعوني قالوا فسد» وأبكي مع «إيش تطلبي يانفس فوق كل دة « ومع «ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب، وأعجب من اللي يطيق يعذب أخوه.»

..............................................

وعندما بدأت رحلتي مع الترجمة من الصينية، بدأ يراودني هذا الحلم، حلم نقل الرباعيات إلى الصينية، لكم وددت أن أنقل هذا الجمال وهذه الفلسفة وهذا الإحساس العالي بالإنسان للصينيين، وددت أن أقول لهم، إن لدينا شاعرا جميلا اسمه صلاح جاهين كتب هذا الشعر الجميل.

وفي العام الماضي كنت أترجم كتابا لشاعر صيني معاصر اسمه جيدي ما جيا، وهو شاعر من أقلية قومية يشغل منصبا حكوميا رفيعا. الكتاب مجموعة من كلمات ألقاها الشاعر في محافل دولية مختلفة تتضمن بعضا من أشعاره، لمست في الشاعر إنسانية ولمست فيه قلقه على المصير الإنساني وتخوفه من العولمة وهو يراها تبتلع في طريقها ثقافات القوميات الضعيفة. الناحية الإنسانية في الشاعر وفلسفته جعلتني-دون أن أنتبه-أقارن بينه وبين صلاح جاهين، وأزداد رغبة في أن أترجم رباعياته. بطبيعة الحال قرأت قصائد جيدي ما جيا بالصينية، ومما لا مفر منه-بطبيعة الحال أيضا-أن يتضاءل جمال النص المترجم بجانب النص الأصلي، ولكنني دائما أقول فيما يتعلق بترجمة الشعر بعد أن يبذل المترجم قصارى جهده في الترجمة، إن شيئا أفضل من لا شيء، أي أن يصل للمتلقي جزء من جمال الشعر وروحه أفضل من ألا يصله شيء على الإطلاق. يقول جيدي ما جيا في ختام إحدى كلماته:

«وأنا على وشك الانتهاء من كلمتي، أود أن ألقي على الحاضرين قصيدة كتبتها مؤخرًا ولتكن هديتي اليوم إليكم. منذ وقت ليس ببعيد زرت تشيلي في أمريكا اللاتينية وذهبت لزيارة موطن رأس الشاعر بابلو نيرودا والذي كان صديقا لأستاذي الشاعر آي تشينغ. ويعد نيرودا واحدا من أعظم شعراء القرن العشرين، وفي حياته زار أماكن عديدة من العالم حتى أستقر في مثواه الأخير في مكان على مضيق تشيلي. في زيارتي هذه زرت محل إقامة نيرودا وزرت قبره، وفي موطنه بشمال تشيلي زرت مكانا اسمه منطقة باتاجونيا حيث كانت تعيش قديما قبيلة من الهنود الحمر اسمها كارل كارس ولأسباب تاريخية لم يبقَ من هذه القبيلة سوى امرأة واحدة تدعى ‘‘الجدة روسا’’، عاشت هذه المرأة حتى الثامنة والتسعين من عمرها وبوفاتها اختفت هذه القبيلة من سطح الكرة الأرضية إلى الأبد، إنها قصيدة رثاء إلى الجدة روسا سأقرأها عليكم:

أنت آخر وردةٍ

تسقط في قلبِ الريح

برحيلكِ

يدخل عالمنا في طرفةِ عينٍ

في قلب الظلام التام

في آخر زمانك

ستلتفتين

وتنظرين

إلى أهلك الذين رحلوا

وكأنك في هذا الكونِ الواسعِ

تصيخين السمعَ

إلى صوت غناء أمك

تهدهدك في المهدِ

حين أنعيك أيتها الوردة

وكأنني أنعى شجرةَ عتيقة

ما أشبهكِ

في هذا الكونِ اللامتناهي

بحبة رملٍ في الصحراء

من يدري

أين ستلقي بها ريحُ الغد

نحزن حين تختفي حياة

فجينات هذه الحياةِ

قد ماتت للأبد

في رحمِ الأرضِ الأم

ونظل مع هذا

في قطب الكوكب هذا

نذكر كالمعتاد

الذبحَ والقهرَ والنفيَ

والمعاناة

أقدم الأسماء على الأرض

أيتها الجدة روسا

إن موتك كارثةٌ للبشرية

فمنذ اليوم

لن يكون هناكَ

أحدٌ من الهنودِ الحمرِ

يدعى كارس كارل

ولا ذلك الطريقُ الصغير

الذي يصلُ بقبيلتك

إلى وطن الحياة»

أما ما جعلني أزداد إصرارا على ترجمة رباعيات جاهين، أنني وجدت في كلمات جيدي ما جيا-ذلك الشاعر الصيني الموسوعي بحق-إشارة لشعراء عالميين، أسماء من الشرق وأسماء من الغرب، من يكتب بالإنجليزية ومن يكتب بالروسية ومن يكتب بالإسبانية وغيرها من اللغات، بعضها أسماء لشعراء لم أسمع عنهم من قبل. ومع كثرة هؤلاء الشعراء الذين ذكرهم جيدي ما جيا، لم يأت إلا على ذكر شاعر عربي واحد هو محمود درويش، وقد مر عليه مرور الكرام. فعز عليَّ ألا يعرف جاهين، فكيف يَجهل جاهين؟! وهل مثل جاهين يُجهل؟

المشكلة ليست في جيدي ما جيا، المشكلة أن أحدا لم يترجم شعرا لجاهين إلى الصينية.

أنا لا أطمع ولا أطمح في أن أترجمها رباعيات جاهين بنفسي فهذا عمل أولى به أولو الفصاحة والبلاغة من الصينيين إن وجدوا.

فترجمة الشعر أمر صعب، فما بالكم لو كان مكتوبا بالعامية؟ ترى هل يقدر الصينيون على ترجمته؟

كنت دائما أسأل نفسي من ذا الذي يقدر أن يتذوق ويفهم ثم يترجم «مهبوش بخربوش الألم والضياع» أو «عجبتني كلمة من كلام الورق، النور شرق من بين حروفها وبرق.» أو هذا الجرس الموسيقي الناتج عن التقاء كل هذه الشينات معا في رباعيته «أنا كنت شيء و صبحت شئ ثم شــئ، شوف ربنا قادرعلي كل شـــــــئ، هز الشجر شواشيه ووشوشني قال: لابد ما يموت شئ عشان يحيا شيء.»

أحيانا يشطح بي الخيال وأتساءل، وكيف سيكون حالهم لو خطر ببالهم أن يترجموا «الليلة الكبيرة»، أبتسم وأنا أتخيلهم قد قطبوا حواجبهم وأخذوا يفكرون.. يتساءلون..ترجمة هذا الكلام كيف يكون « يا أم المطاهر رشي الملح سبع مرات» أو»أنا شجيع السيما أبو شنب بريما» « وطار في الهوا شاشي وانت ما تدراشي». فيتسلل اليأس إلى قلبي وأدع عني الحلم بأن أرى الرباعيات بالصينية وأقول لنفسي» ما يقدر ع القدرة غير ربنا»، حتى عرفت-مؤخرا أن هؤلاء العتاة قد ترجموا المعلقات، بل وترجموا «بردة البوصيري». كيف استطاعوا أن يترجموا «فكيف تنكر حباً بعد ما شــهدتْ به عليك عدول الدمع والســــقمِ. وأثبت الوجدُ خطَّيْ عبرةٍ وضــنىً مثل البهار على خديك والعنــــمِ» وكيف ترجموا «ظلمتُ سنَّةَ منْ أحيا الظلام إلـــى إنِ اشتكتْ قدماه الضرَ من ورمِ، وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطـــوى تحت الحجارة كشْحاً مترف الأدمِ». لقد أقدم على هذا العمل المعجزة صيني مسلم اسمه ما آن تشا عام 1890م ، كان يبدو واضحا على هذا المترجم العبقري إلمامه بخلفية «البردة» و ظروف كتابتها ومرض البوصيري بالفالج وكتابته للبردة ليتشفع بها إلى الله كي يشفيه.. فلما علمت ذلك، تجدد في الأمل، وعدت من جديد أنتظر اليوم الذي أقرأ فيه رباعيات جاهين بالصينية، فلا أعتقد أن العامية المصرية يمكن أن تقف أمام الصينيين بل إني لا أستبعد أن يترجم هؤلاء –الذين يصدرون لنا الجلاليب والسبح وفوانيس رمضان وسجاجيد الصلاة-روائع أغانينا الشعبية مثل «كاتش كادر في الألولو.. كامننا» «وإيه الأساتوك دة» و «أنا تهت مني» «وآه لو لعبت يازهر» ظنا منهم أنها تمثل المدرسة الضبابية الحديثة في الفلكلور المصري المعاصر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق