جاءت زيارة الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكى للقاهرة، والتنسيق مع القاهرة فى مجال محاربة الإرهاب، وبخاصة ما تم الحديث عنه بشأن «الدول الداعمة للإرهاب» فى المنطقة، بمثابة «دش بارد» جديد على رأس وسائل الإعلام الأجنبية التى دأبت على مدى الأسابيع الماضية على استغلال أى فرصة للحديث عما تسميه بـ «فشل» زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن، وعدم جدوى الثقة التى أولاها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى القيادة المصرية فى مجال الحرب على الإرهاب.
فقد خصصت وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء وشبكة «سي.إن.إن» الإخبارية جانبا كبيرا من تغطيتهما لمهاجمة زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن والتشكيك فى جدوى ما تمخضت عنه، بدعوى استمرار وقوع العمليات الإرهابية فى مصر دون توقف، وبدعوى أن الرئيس شريك لا يجب على واشنطن الاعتماد عليه بسبب السياسات القمعية التى تنتهجها السلطات فى مصر ضد جماعة الإخوان الإرهابية، التى لا تزال وسائل الإعلام الأمريكية حتى يومنا هذا تدافع عنها باستماتة بدعوى أنها جماعة سياسية سلمية معارضة!
وفى تقرير لها يوم 3 أبريل بعنوان «أمريكا وروسيا تختلفان حول المحاولة الأمريكية لمناقشة حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة»، حول موافقة مجلس الأمن على أجندة أعماله لشهر أبريل دون أن يتم إدراج قضية انتهاكات حقوق الإنسان فى العالم بها، للمرة الأولى فى ظل رئاسة الولايات المتحدة للمجلس، تباكت وكالة أسوشييتد برس على ملف حقوق الإنسان الذى أضاعته إدارة ترامب، وقالت فى هذا الإطار إن إدارة ترامب كانت قد أعلنت أنها لن تنتقد علنا السجل المصرى فى مجال حقوق الإنسان خلال زيارة السيسى لواشنطن، وهو ما حدث بالفعل، حيث أكد مسئولون أمريكيون أنهم سيناقشون هذه القضية من الآن فصاعدا مع الجانب المصرى فى الغرف المغلقة وليس فى العلن.
وقالت الوكالة، فى تقريرها، إن الإدانات العلنية الأمريكية للدول التى تنتهك حقوق الإنسان، ومن بينها دول عربية، من وجهة نظر الوكالة، كانت من السمات المميزة فى فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، رغم أن الحقائق على أرض الواقع، وبالأخص قضية الناشطة آية حجازي، أثبتت فشل أسلوب الإدانة العلنية فى معالجة مثل هذه القضايا الحساسة. كما أبدت الوكالة نفسها دهشتها من تصريح نيكى هيلى مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بأن الأولوية الرئيسية لمناقشات الولايات المتحدة فى المنظمة الدولية مع حلفائها مثل مصر والسعودية وغيرهما تتركز الآن على هزيمة تنظيم داعش الإرهابى والجماعات المتطرفة الأخري، ولاحظوا عبارة «الجماعات المتطرفة الأخري»، لنتأكد أن واشنطن الآن تتبنى وجهة النظر الرسمية المصرية التى تنادى بعدم التفرقة بين الجماعات المتطرفة.
وفى تقرير آخر بثته الوكالة نفسها فى اليوم نفسه، حاولت الوكالة نقل صورة غير صادقة للمظاهرات التى شهدتها واشنطن بمناسبة زيارة الرئيس السيسى لأمريكا، حيث قالت إنه يتم النظر على نطاق واسع إلى كل من السيسى وترامب على أنهما شخصيتان تثيران الاستقطاب فى بلديهما، وهو ما اتضح - بحسب زعم الوكالة - فى المظاهرات حول البيت الأبيض، المؤيدة والمعارضة للرئيسين معا قبل وصول السيسي، وهى معلومات لا تمت للواقع بصلة، إذ إنه لم تكن هناك مقارنة على الإطلاق بحجم المصريين الذين كانوا فى استقبال الرئيس فى واشنطن، وبين القلة التى رفعت شعارات الجماعة الإرهابية، كما أن الوكالة الأمريكية نفسها لم توضح من هو هذا «النطاق الواسع» بالضبط الذى نظر إلى السيسى وترامب على أنهما مثيران للاستقطاب!
وعبثا حاولت أسوشييتدبرس أيضا على مدى عدة تقارير إثبات نظريتها القائلة بوجود أوجه تشابه بين الرئيسين ترامب والسيسى فى أكثر من جانب، للوصول إلى الهدف نفسه، فتحدثت عن نزاع الرئيسين مع القضاء، ولا أحد يعرف من أين جاءت الوكالة بهذه المعلومة بالنسبة للسيسي، كما زعمت أن الرئيسين يحاولان كسب الجماهير بالحديث عن انتصارات ضد الإرهاب، رغم أن هذا ما لا يقله الرئيس مطلقا فى خطاباته التى يتحدث فيها دائما عن استمرار خطر الإرهاب، وكيف أن الحرب ضده طويلة وصعبة!
أما سي.إن.إن فكانت أكثر استخفافا بزيارة الرئيس لواشنطن وقالت فى تقرير بثته يوم 5 أبريل تحت عنوان «كيف يبدد ترامب طاقته على الصين ومصر»؟ زعمت فيه أن من وصفتهم بزعماء الدول القمعية يستغرقون وقتا طويلا فى الإعداد لزيارة واشنطن لأنهم يعرفون جيدا أن الحديث سيدور حول أوضاع حقوق الإنسان فى بلادهم، ويخافون من رد فعل المجتمع المدنى ووسائل الإعلام التى لا تخضع للرقابة فى الولايات المتحدة على هذه الزيارات، وهو طرح يؤكد أن سى إن إن ما زالت تعيش فى واد آخر تماما، إذ لا تزال تتغنى بسياسات أوباما التى ثبت فشلها، والأهم من ذلك أنها أعطت حجما غير طبيعى لنفوذ الإعلام الأمريكى وتأثيره على رؤساء الدول الأخري، ومن بينها مصر، وحجما أكبر للحديث عن ملف حقوق الإنسان، وقد ثبت فى لقاءى ترامب مع كل من السيسى والرئيس الصينى شى جين بينج أن هناك لغة تعامل جديدة أكثر دبلوماسية وحنكة من الجانب الأمريكى مع هاتين الدولتين المهمتين، بعيدة عن لغة التعالى والوقاحة التى اعتادت إدارة أوباما والإعلام الأمريكى على انتهاجها لسنوات. وجاءت محادثات ماتيس فى القاهرة، وفى عواصم المنطقة التى زارها، ومن قبلها حكم القضاء المصرى فى قضية الناشطة آية حجازي، لتؤكد أن مصر ليست تابعة لأحد، ولا تقبل ضغوطا وتدخلات من أحد، ولتثبت أيضا أن الإعلام الأمريكى لم يعد له أى تأثير لا على القاهرة ولا حتى على قادة واشنطن، وأن علاقة التفاهم هى اللغة التى ستسود بين البلدين الآن... فهل آن الأوان لأرامل أوباما فى الإعلام الأمريكى أن يغيروا من استراتيجيتهم؟
رابط دائم: