فى غرفة الإفاقة .. يسألنى المحقق إن كنت من ركاب القطار، أهز رأسى بصعوبة، وأغمض عيني استعيد شريط الأحداث..
.....................
انطلق صوت القطار منذرا ركاب محطة مصر، اندفع الجرار، انجرت بذيله العربات، دس أنفه بين القضبان وزعق، ابتلع كل الأصوات، زحف ببطنه المعروق بالزيت والشحم فوق أطنان من الحجارة والزلط والورق ورءوس المسامير الحدادى وكتل الخشب، نظرت من النافذة ، بدت الأشياء خطوطا متوازية متشابهة، ارتطام العجلات والقضبان أصدر إيقاعا ثابتا، حرضنى على التأمل، استرحت لقرارى بالسفر إلى عزاء الغلابة بدار مناسبات العرجان فى طوخ قبل عزاء عمر مكرم الفاخر، هواء العصارى البارد كالسهام شرخ وجهى، كم عمارة وكم برجا سكنيا بالأحمر يزحف على الجانبين، كم شجرة تقاوم هجوم الخرسانة المسلح، عددتهم بسهولة، دفنت رأسى فى عناوين جريدة المساء «شقق الاسكان الاجتماعى برخص التراب». «حَضَرتْ الشقق وغاب المتزوجون». «امتلك متعة الاطلالة من أعلى ربوة بالعاصمة». «العرض سار للعام الثانى». «ڤلل للبيع».«اين تذهب هذا المساء» .«فيلم هجوم الثعالب». «مائة مليون دولار من المعونة».«الوزير يفتتح». «الوزير المحبوس يستأنف». «مصرع ثمانية فى انهيار عمارة جديدة». «المالك أبلغ السكان قبل الانهيار بشهر».«الأبيض يتحدى الجبلاية والأحمر يغازل النجوم». «شاومنج يتوعد البوكليت».«ثلاث آلاف شكوى من هاشتاج آباء ضد المناهج تنسف مشروع التعليم للمتعة». «أم تلقى أطفالها فى الشارع». «موظف بالصحة يرسل خطابا إلى الله»، انتابتنى الرغبة فى الضحك، ترنح القطار المندفع وتمايل، ترنحت عشرات الرءوس الساقطة على الصدور وتمايلت،اصطدمت رأسى الناشف برأس يسقط بجوارى، سألته إن كانت محطة طوخ قد اقتربت، فتح عينيه بصعوبة وابتسم ساخرا: المجَرِى لايقف فى الأرياف، طنطا أول محطة. ثم تمايل!
شعاع شمس الغروب تسلل من ثقب الشباك، نقطة لمعت واهتزت، نظراتى اهتزت فى رعب، اختفى الشعاع واختفت النقطة أفتش عنها، أطاردها، خلف برواز زجاجى عبارة مكتوبة بالأحمر«عند الخطر اكسر الزجاج وشد الذراع إلى أسفل يتوقف القطار». طردت الفكرة قبل أن تسقط من رأسى وتتوهج ، اندفعت الفكرة إلى أصابعى، انهار الزجاج، بدا الذراع أمامى يتمايل ويهتز، تقدم نحوى، تحاشيته، اعترض طريقى، غاظنى، قبالة محطة طوخ، القطار الجبروت ينحدر كالصاروخ، لعبت عشرات الشياطين بأصابعى، أشد الذراع إلى أسفل..
.....................
أفتح عينى، المحقق مازال ينتظر كلمة واحدة أمليها تفسر ما حدث !
رابط دائم: