رئيس مجلس الادارة

هشام لطفي سلام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أبناء‭ ‬المراوح

صلاح‭ ‬عبدالسيد
ولابد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أمى‮»‬‭ ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬تلدنى‭ ‬ليومين‭ ‬وثلاث‭ ‬ليال‭.. ‬مطبقة‭ ‬الساقية‭.. ‬عاقدة‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬تفتح‭ ‬لى‭ ‬منفذا‭ ‬للعبور‭... ‬كانت‭ ‬تدرك‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭..‬

أنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬لى‭ ‬‮«‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬المراوح‮»‬‭ .. ‬لكن‭ ‬‮«‬القابلة‮»‬‭ ‬صرخت‭ ‬عليها‭... ‬وفتحت‭ ‬ساقيها‭..‬

وأخرجتنى‭ .. ‬وقطعت‭ ‬‮«‬الحبل‭ ‬السرى‮»‬‭ ‬بينى‭ ‬وبين‭ ‬أمى‭.. ‬ومسحتنى‭ ‬فى‭ ‬خرقة‭... ‬ووضعتنى‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬أمى‭.‬

ولابد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أمى‮»‬‭ ‬رمقتنى‭ ‬فى‭ ‬أسف‭.. ‬كأنما‭ ‬تعتذر‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬أسلمتنى‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬المراوح‮»‬‭.‬

وفوق‭ ‬رأسينا‭ ‬‮«‬تور‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬المراوح‮»‬‭ ‬الكبيرة‭ ‬الصدئة‭ ‬مسنونة‭ ‬الأذرع‭.. ‬المعلقة‭ ‬فى‭ ‬سقف‭ ‬‮«‬البدروم‮»‬‭ ‬الواطئ‭.. ‬شاحب‭ ‬الضوء‭.. ‬مثل‭ ‬‮«‬خفافيش‭ ‬أسطورية‮»‬‭ ‬تصرخ‭ ‬فى‭ ‬أصوات‭ ‬معدنية‭.. ‬كأنها‭ ‬تتوعدنى‭ ‬فى‭ ‬قادم‭ ‬الأيام‭.‬

و«أمى‮»‬‭ ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬تلدنى‭ ‬ليومين‭ ‬وثلاث‭ ‬ليال‭.. ‬تسعل‭.. ‬وينتفض‭ ‬جسدها‭ ‬الضئيل‭.. ‬وهى‭ ‬ترمق‭ ‬بعين‭ ‬مجهدة‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الخفافيش‭ ‬الأسطورية‮»‬‭.. ‬التى‭ ‬تصرخ‭ ‬فى‭ ‬أصوات‭ ‬معدنية‭.. ‬فوق‭ ‬رأسينا‭.. ‬تكاد‭ ‬ترجوها‭ ‬أن‭ ‬ترفق‭ ‬بى‭.‬

و«الخفافيش‮»‬‭ ‬يتعالى‭ ‬صراخها‭ ‬المعدنى‭ ‬كأنما‭ ‬تؤكد‭ ‬لـ«أمى‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬الوعيد‭.‬

وأنا‭ ‬ـ‭ ‬قطعة‭ ‬اللحم‭ ‬الحمراء‭ ‬المدممة‭ ‬ـ‭ ‬الغارقة‭ ‬فى‭ ‬‬المخاط‭ ‬ــ‭ أصرخ‭..‬

و«أمى‮»‬‭ ‬تلقمنى‭ ‬ثديها‭ ‬لعلى‭ ‬أسكن‭..‬

وظلال‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬المراوح‮»‬‭ ‬ـ‭ ‬الخفافيش‭ ‬ــ‭ ‬تتناوبنى‭ ‬فأرضع‭ ‬مع‭ ‬لبن‭ ‬أمى‭ ‬ظلال‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭.‬

ولما‭ ‬حبوت‭.. ‬حبوت‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭.‬

ولما‭ ‬تساندت‭ ‬على‭ ‬حوائط‭ ‬‮«‬البدروم‮»‬‭ ‬الرطبة‭..‬

تساندت‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ .‬‮«‬أمى‮»‬‭ ‬من‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ ‬المسنونة‭ ‬ــ‭ ‬الخفافيش‭ ‬ــ‭ ‬التى‭ ‬تلتقم‭ ‬أصابع‭ ‬اليدين‭.. ‬فهى‭ ‬لاتطال‭ ‬الرءوس‭..‬

وإنما‭ ‬تطال‭ ‬الأصابع‭ ‬التى‭ ‬ترتفع‭ ‬فوق‭ ‬الرءوس‭.‬

ورفعت‭ ‬يدها‭ ‬اليسرى‭ ‬فى‭ ‬وجهى‭ ‬ليبين‭ ‬‮«‬إصبعها‭ ‬الخنصر‮»‬‭ ‬المبتور‭.‬

وخفت‭.‬

كنت‭ ‬أرقب‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ ‬المسنونة‭ ‬ــ‭ ‬الخفافيش‭ ‬ــ‭ ‬وهى‭ ‬تدور‭ ‬فوق‭ ‬رأسى‭ ‬وتصرخ‭ ‬فى‭ ‬أصوات‭ ‬معدنية‭..‬

تطلب‭ ‬منى‭ ‬‮«‬الغفلة‮»‬‭.‬

وجاءتنى‭ ‬‮«‬الغفلة‮»‬‭ ‬حين‭ ‬رفعت‭ ‬يدى‭ ‬اليسرى‭ ‬فوق‭ ‬رأسى‭ ‬ــ‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭ ‬ــ‭ ‬وأنا‭ ‬أرتدى‭ ‬قميصى‭ ‬المدرسى‭..‬

فالتقم‭ ‬‮«‬الخفاش‮»‬‭ ‬‮«‬إصبعى‭ ‬الخنصر‮»‬

وصرخت‭.‬

وقفزت‭ ‬عاليا‭..‬

أتخبط‭ ‬فى‭ ‬حوائط‭ ‬‮«‬البدروم‮»‬‭ ‬الواطئ‭.. ‬شاحب‭ ‬الضوء‭.. ‬مثل‭ ‬سرداب‭.. ‬أجأر‭.‬

والألم‭ ‬يتمشى‭ ‬حارقا‭ ‬من‭ ‬إصبعى‭ ‬المبتور‭ ‬فى‭ ‬جسدى‭..‬

صاعدا‭ ‬إلى‭ ‬رأسى‭..‬

والدماء‭ ‬تتساقط‭ ‬من‭ ‬‮«‬إصبعى‭ ‬الخنصر‮»‬‭ ‬المبتور‭.‬

و«الخفافيش‮»‬‭ ‬فوق‭ ‬رأسى‭ ‬تصرخ‭ ‬فى‭ ‬أصوات‭ ‬معدنية‭ ‬كأنما‭ ‬فى‭ ‬ابتهاج‭..‬

تلك‭ ‬‮«‬الخفافيش‮»‬‭ ‬أعدائى‭.‬

وانتزعت‭ ‬‮«‬الحديدة‮»‬‭ ‬الطويلة‭ ‬الثقيلة‭ ‬التى‭ ‬تغلق‭ ‬بها‭ ‬أمى«بوابة‭ ‬البدروم‮»‬‭.‬

لتكن‭ ‬تلك‭ ‬نهاية‭ ‬‮«‬الخفافيش‮»‬‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬أهوى‭ ‬بقطعة‭ ‬الحديد‭ ‬الطويلة‭ ‬الثقيلة‭ ‬فوق‭ ‬أذرع‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ ‬المسنونة‭.. ‬لحقت‭ ‬بى‭ ‬أمى‭..‬

وأمسكت‭ ‬يدى‭.‬

ــ‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تجلب‭ ‬لنا‭ ‬الهواء‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬البدروم‮»‬‭ ‬الراكد‭.. ‬ولولاها‭ ‬لما‭ ‬استطعنا‭ ‬الحياة‭.‬

وسحبت‭ ‬من‭ ‬يدى‭ ‬قطعة‭ ‬الحديد‭.‬

ــ‭ ‬أعلم‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬مع‭ ‬الخطر‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭...‬

وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتعايش‭ ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬يحين‭ ‬أوان‭ ‬الخروج‭.‬

وأمسكتنى‭.‬

لا‭ ‬خروج‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬بك‭.. ‬حين‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬شهادتك‭ ‬العليا‭ ‬وتعمل‭.‬

عندها‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬‭ ‬السرداب‮»‬‭ ‬الأبدى‭ ‬إلى‭ ‬نهر‭ ‬الحياة‭.‬

نمتلك‭ ‬مسكنا‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭.. ‬له‭ ‬نوافذ‭ ‬يدخل‭ ‬منها‭ ‬الهواء‭.. ‬بلا‭ ‬مراوح‭ ‬ــ‭ ‬خفافيش‭ ‬ــ‭ ‬فى‭ ‬سقفه‭..‬

نستطيع‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬رءوسنا‭ ‬وأيادينا‭.. ‬ونشير‭ ‬بأصابعنا‭ ‬للحياة‭.‬

وزفرت‭.‬

ــ‭ ‬إنى«أمك‮»‬‭ ‬التى‭ ‬عملت‭ ‬‮«‬خادمة‮»‬‭ ‬فى‭ ‬قصور‭ ‬الأسياد‭ ‬فى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬المدينة‭.. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ترعاك‭.. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬التقمت‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الخفافيش‮»‬‭ ‬أصابع‭ ‬يدى‭ ‬أبيك‭ ‬كلها‭.. ‬إلا‭ ‬إصبعا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يد‭.. ‬فهرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬البدروم‮»‬‭ ‬ــ‭ ‬السرداب‭ ‬ــ‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬المدينة‭..‬

يستجدى‭ ‬الأسياد‭.. ‬ويشحذ‭ ‬فوق‭ ‬يومه‭.‬

ومسحت‭ ‬علي‭ ‬أصابعى‭.‬

ــ‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تحتفظ‭ ‬ــ‭ ‬بأصابعك‭ ‬الباقية‭.. ‬وألا‭ ‬تستجيب‭ ‬لغوايات‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الخفافيش‮»‬‭ ‬التى‭ ‬تدعوك‭ ‬‮«‬الغفلة‮»‬

لما‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طببت‭ ‬إصبعى‭ ‬المبتور‭.. ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬خلفى‭ ‬طابورا‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬مربوطى‭ ‬الأيدى‭ ‬بالشاش‭.. ‬وقد‭ ‬طببوا‭ ‬أصابعهم‭ ‬المبتورة‭.‬

فمضت‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭..‬

ومضوا‭ ‬من‭ ‬خلفى‭.‬

ورأينا‭ ‬ـ‭ ‬فوق‭ ‬رءوسنا‭ ‬ــ‭ ‬فى‭ ‬الفضاء‭ ‬ــ‭ ‬تلك‭ ‬المراوح‭ ‬ـ‭ ‬الخفافيش‭ ‬الأسطورية‭ ‬ــ‭ ‬‮«‬تور‮»‬‭ .. ‬وهى‭ ‬تصرخ‭ ‬فى‭ ‬أصوات‭ ‬معدنية‭ ‬تعلننا‭: ‬أنها‭ ‬لنا‭ ‬بالمرصاد‭.‬

فأسرعنا‭ ‬نخفى‭ ‬أصابع‭ ‬أيادينا‭ ‬المتبقية‭ ‬تحت‭ ‬آباطنا‭.‬

ونصعد‭ ‬الطريق‭.‬

ميرفت‭ ‬عبدالعاطى‭ ‬

‭ ‬الغارقة‭ ‬فى‭ ‬المخاط‭ ‬

‭ ‬تصرخ‭..‬

و«أمى‮»‬‭ ‬تلقمنى‭ ‬ثديها‭ ‬لعلى‭ ‬أسكن‭.‬

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق