-
الإرهابيون استمدوا منهجهم التكفيرى من مؤلفات سيد قطب
-
إعادة النظر فى المناهج وتوحيد جهود المؤسسات لمواجهة المتطرفين
لم يكن الغلو فى الدين بعيدا عن المجتمع الإسلامي، بل ظهر فى عهد الخلفاء الراشدين، ونشر أصحابه الفتنة وعملوا على تمزيق أوصال الأمة، فقتلوا الصحابى عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ولم يسلم منهم الصحابة ولا التابعون،
وزعموا التقرب إلى الله بسفك الدماء، وأن من عداهم ليسوا من أهل القبلة، فكان المروق دأبهم، والظلم نهجهم، وخيم الجهل على عقولهم، فأظلمت قلوبهم، ولم يتورعوا عن تكفير أمير المؤمنين على بن أبى طالب، رضى الله عنه، واعتزلوا الناس لمعتقدهم أن المجتمع كله على ضلال يستحق التكفير دونهم.

إن هؤلاء الخوارج قد خلفوا أتباعا كثيرين جاءوا بعدهم يحملون معاول هدم للأمة، فلم تبرح هذه الفئة الضالة حتى خرج من رحمها جماعة التكفير والهجرة، وإن تباعدت السنون؛ لكن منهاجهم واحدة، فينظرون للمجتمع نظرة ازدراء، بل ينظرون للمساجد على أنها مساجد ضرار، وكانوا من الشباب صغار السن، وكان مدار فكرهم على كتب (سيد قطب) المشتملة على تكفير وجاهلية المجتمعات، فما لبثت هذه الطائفة أن نكلت بكثير من العلماء والقيادات الموجودة فى مصر بحجة كفرهم، وإقسامهم على الدستور المخالف للشرع، فـتولدت منها طائفة أخرى أطلقت على نفسها تنظيم الجهاد. ثم خرجت نابتة فى ثوب جديد، لم يتورعوا عن التكفير، ولم يسلم منهم الأبرياء ولا غير المسلمين، فألف أحدهم كتابا بعنوان: (الفريضة الغائبة) يرى الجهاد حقا داخل المجتمع الواحد دعوة للتقاتل، والتناحر، وشق عصا الأمة. وتوالت الأزمنة وظهرت جماعة (السرورية)، ومثلت فكرا خاصا على منهاج الخوارج، وبدت ملامح التكفير تظهر على بعض أفراد من دول مختلفة تجمعهم مناهج الخوارج حتى أسسوا تنظيما يجمعهم، وبايعوا أحدهم ونصبوه أميرا عليهم؛ وبدأوا فى التوسع اللامركزي، وفى القيام بالتفجيرات وكفروا الحكام والحكومات، والقضاة، وغيرهم”. بهذا السرد التاريخى السريع لخص الدكتور على محمد حسن الأزهري، المدرس بكلية أصول الدين بالزقازيق نشأة الغلو فى كتابه «دَاعِشٌ فِى مِيزَانِ الْإِسْلَامِ .. عَرْضٌ ونَقْدٌ». ذلك التنظيم الجديد الذى ظهر قبل سنوات فى العراق والشام، حيث قام أحدهم، ونصب نفسه أميرا للمؤمنين، وبايعه جملة من أحداث الأسنان، وبدأوا فى تجنيد الشباب عن طريق الشبكة العنكبوتية، وعن طريق الإغراءات المادية، ووهم الخلافة وإقناعهم بأنهم لو قتلوا فهذه شهادة، وأصبح الشباب على شفا جرف هار، فزلت أقدامهم، وخرجوا خلفهم، ونصبوهم قضاة بلا علم ولا فقه، وأكدوا أن من عداهم قد وقع فى الكفر بمجرد إنكاره على هذا التنظيم ما يفعل، إلا أن هذا التنظيم قد زاد فى المروق أكثر من سابقيه، ونادوا بالخروج على الحكام؛ لأنهم خلعوا عنهم الإسلام، وحكموا عليهم بالكفر الأكبر، واستباحوا التفجير، والخطف، والسرقة تحت مسوغ أنهم على الحق، ومن عداهم على الباطل، وأوضح المؤلف أن استدلالهم بأدلة غير صحيحة يؤكد جهلهم وكذبهم على الله. بعد تبنيهم فكر سيد قطب - لاسيما مسألة الحاكمية – وهى المسألة التى زلت فيها الأقدام، وبسببها حكم أحداث الأسنان على المجتمعات بالردة والكفر البواح، ثم زعموا أنهم يطبقون الحدود الفريضة المهجورة، فطبقوا الحدود على الفقراء الجوعى فى بلاد محتلة، وحتى فى تطبيقهم الحدود لم يتبعوا الشرع أبدا بل استخدموا آلة تهشم العظام، واتهموا المجتمعات بالكفر أيضا، لقولهم بحرمة البرلمانات، وكفر من فيها، لأنها أحكام، وقوانين للطواغيت، وتبعهم فى هذا القول جماعة من الدعوة السلفية فى مصر، وعلى ذلك فقس هذه الشبه.
بهذه الأطروحة أراد المؤلف أن يواكب منهج الرد على المخالف، لاسيما بعد أن اتجه بعض الشباب للانتماء ـ ربما فكريا ـ إلى هذا التنظيم الخارجي، ويردد كلاما لا يفقه معناه، وأطلق للسانه عنان التكفير، مسوغا ذلك بأن تنظيم الإرهابى خلافة على منهاج النبوة، وإذا سألته من بايعه؟ يقول: العلماء، فأى علماء تقصد؟ فلا يكاد يبين، ويتحرى الصمت.
وواصل المؤلف تفنيد فكر الدواعش قائلا: إنهم شباب غرر بهم، ضاعوا بين التشدد، والتشكيك فى الدين فى ظل حرب ممنهجة على الإسلام لا يعلم مداها إلا الله، وفى ظل غياب الوعي، والثقافة الدينية بدلت المفاهيم، وانحرفت العقول، وادعت هذه الجماعات أنها على منهاج السلف، وفى الحقيقة هم أبعد الناس عن المنهج الصحيح، ثم بدأت حرب التنظير والفتاوى حتى أصبح الشباب بين خيارين كلاهما مر، فلا يدرى ما الوجهة الصحيحة، ولا الطريق المستقيم. وفى هذا الكتاب جمع المؤلف جوامع من أفكار تلك الفئة الضالة قديما، وحديثا، موثقا بالمراجع، والصور، والأقوال المسندة لأصحابها، فتحدث عن نشأتهم، ومنهجهم، وفرقهم، وألقابهم، وتعاليمهم، مبينا كيف كانت عقيدتهم فى استباحة الدماء الطاهرة، وتكفير أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وقتل عثمان، وعلي.
فتنة التكفير والتفجير
ومن أبرز الشبهات التى تناولها البحث فتنة: التكفير، الخروج على الحكام، التفجير والاغتيالات والخطف والسرقات، فتنة الحكم بغير ما أنزل الله (الحاكمية والقطبية والداعشية)، الجزية، فتنة إقامة الحدود (حد الردة – بيان أن المجتمعات كلها أهل ردة بسبب محاربتها الدولة أو إنكارها على الدولة الداعشية- حد السرقة)، فتنة سبى النساء، فتنة حرق الأحياء (الطيار الأردنى نموذجا)، البيعة ووهم الخلافة الداعشية، شبهة تحريم الانتخابات البرلمانية عند داعش . كما أورد المؤلف عددا من الوقفات مع تفكير ومعتقد هذا التنظيم المارق، وجاء بعدد من الوثائق وفيها شهادة أهل السنة عليهم فى الشام والعراق، وأيضا شهادة المجاهدين فى سوريا، وشهادة تنظيم القاعدة، ثم تحدث عن دور الدول العربية والثناء على مبادرة السعودية والإمارات بتكوين جبهة تعد جيشا قويا لصد هجمات المارقين، واختتم بكلمة عن دور المؤسسات الدينية فى مواجهة هذا الفكر الضال.. وأنهى المؤلف بحثه بعدد من النتائج والتوصيات، أبرزها العمل على ضرورة قبول الآخر، ونبذ العصبية، وضرورة النظر فى المناهج التعليمية، مع تأكيد واجب الأمة فى أن تقف صفا واحدا لقمع هذا الإرهاب الأسود الذى شوه صورة الإسلام والمسلمين، ووجوب تصدى العلماء لهذا الفكر المنحرف وترك الخلاف جانبا للوصول بشباب الأمة إلى بر الأمان.
رابط دائم: