رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قالب سكر ...

د.صفاء علم الدين
كلما لمست أناملها قالب السكر تستشعر بأن ثمة رابطا قويا بينها وبينه، تتأمله طويلاً، ولكن لا شىء جديد مكعب من بلور أبيض، تزداد تأملاً فتغوص بين بلوراته،

لتجد نفسها داخل إحداها يحيط بها اللون الأبيض اللامع المقعر وألوان الطيف تتكسر وتجمل القاعة البلورية، لمعت عيناها عندما رأت هذا البريق اللونى الجميل كشريطة شعر مزخرفة تزين الكون البلورى الناعم، وتعلن أنوثته المفعمة بالرقة والجمال والبساطة المعقدة، أخذتها ومضة بَرقت من بعيد، تبعتها بخطواتٍ لاهثة حتى وصلت لغرفة راقصة، كل ما فيها يتراقص مع بعضه، المنضدة مع المشط والتسريحة مع الصورة المنطبعة على المرآة ، والأزهار مع المزهرية والفراش مع ملاءاته، حتى أن خطوات كعب حذائها الأحمر ظل يطنطن مع أنغام بلاط الحجرة الشطرنجى، ولم تعد تعرف حالها، وتساءلت: أهى التى ترقص أم انها تقف فى غرفة راقصة؟!، ابتسمت فجأة لأنها لم تعرف جواب سؤالها، ولم تكترث لانتظار الإجابة، كل ما راودها أن تنطلق مرحة بين جدران تلك الغرفة الشقية، رقصت ومرحت حتى داعبت وجنتاها وجفناها المطبقان قطرات من ندى طفيف خالته أمطاراً صيفية ندية، ظل يتساقط حتى ملأ الغرفة عن آخرها .. وهى تشتعل مع ازدياده حركةً ومرحاً ومجوناً بالمكان. كتلة من النار ومن الحرية تتراقص فى العالم البلورى، حتى بدأت القطرات تتحول إلى فيضان عامر انفرج إثره ثقب فى سقف الغرفة فانهمرت القطرات بألوانها الحمراء والسوداء تتداخل داخل الغرفة مكسرة البلور الأبيض والفتاة لا تزال ترقص، ولكن الأنغام صارت أنغاماً نحاسية يصدرها رنين الملعقة المعدنية وهى تتهادى يميناً ويساراً، ودوائر فى كوب الشاى الأحمر، والفتاة فى الداخل تحاول أن تتوازن مع هذا الجرف الهائل، والبندول الفوضوى، حتى صارت أقدامها فى المتاهة بلا أرض هزهازة أو جدران كل الأشياء ضاعت ..

فتحت الفتاة عينيها فوجدتهما لا تزالان كما كان قالب من السكر على وجه بحر هادئ، فاردة الذراعين .. نائمة، وأشعة الشمس الغاربة تسحب أشعتها من على قسمات وجهها البرىء الناعم مقبلة إياها بلطفٍ، لم يوقظها من غفوتها الكونية إلا بعض الأمواج البترولية السوداء التى تسلسلت لعالمها البلورى فلوثته حتى ارغمتها على الغرق ، أفاقت وهى تتنهد مستسلمة الأوصال ، لا تلمس الأرض ولا يحملها للشاطئ سوى الأمواج الناعمة الوفية، تاركة إياها على الشاطئ كقالب السكر الذائب ، الذى اختفى اثره وظلت حلاوته تعلن وجوده المنتهى.

إمضاء

قالب السكر

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق