رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

استفتاء أردوغان .. الواقع يقول له «لا»

سيد عبد المجيد
تعج الحياة التركية الآن بكم من المفارقات الغريبة والعجيبة التي يطول المجال لحصرها، غير أن الأمر لا يمنع من التوقف عند بعضها لما تنطوي عليه من سخرية لاذعة, بل يمكن القول إنها أشبه بالمبكيات المضحكات معا ، فقبل أيام تعد على أصابع اليد الواحدة وخلال إحدى مقابلاته التليفزيونية التي لا تنتهي، بدا رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في مستهلها وكأنه يهيئ شعبه (الذي ينتظر سماعه بفارغ الصبر هكذا تصوره ميديته مقروءة ومرئية) لمفاجأة مذهلة.

إذ قال والثقة الغامرة تحدوه « أنه سيعلن انضمامه إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم فى اليوم التالى مباشرة، وعقب إعلان موافقة الشعب على التعديلات الدستورية التى سيجرى إستفتاء بشأنها الأحد المقبل وأضاف قائلا «إننى الرئيس المؤسس للحزب (متجاهلا رفقائه الذين أسسوه معه)، وأود أن تستمر خدمتى بصفتى عضوا فى الحزب ولا أعلم متى ستتخذ إدارته قرار بالتوجه للمؤتمر العام الطارئ لاختيار رئيس جديد له» !!

كانت تلك العبارات كفيلة بان تضج وسائط التواصل الاجتماعى بحالة من الدهشة والاستغراب ، متسائلة منذ متى وهو بعيد عنه ؟ فهو لم يبرحه قط حتى ولو للحظة، دائما على دراية بكل ما يجرى بأروقته، لا شيء جوهرى أو مفصلى يمر دون إطلاعه عليه مسبقا والقرارات المهمة لا تتخذ دون موافقته .

وفى قصره بضاحية «بيش تبه» بالعاصمة أنقرة، يديره ويدير أفرعه الممتدة بعموم البلاد ، ولم تكن المسألة عصية عليه عندما شرع فى الإطاحة بـ«أحمد داود أوغلو» الذى أعتقد خطأ أنه رئيس وزراء على غرار الحاصل فى الأنظمة البرلمانية والتى كانت متبعة بتركيا نفسها، فلقنه الدرس لأنه تجرأ وأعد له هو نفسه السيناريو وأشرف على تنفيذه وكان له ما أراد ، ليأتى بالمطيع الذى لا يطمح فى السلطة بقدر اكتناز الثروات.

والملفت أيضا فى حديث أردوغان وهو يقينه الذى لا ينازعه أدنى شك ، بأن نتائج السادس عشر من الشهر الحالى ستكون مذهلة فالفرق شاسع بين نعم و«هى كلمة الحق» ، وصرخة «لا المرادفة للشر والحقد»!! والدليل على ذلك ما قاله حينما أكد أنه يستعد اعتبارا من الآن للأنتخابات الرئاسية فى نوفمبر عام 2019 ، والتى ستجرى وفق التعديلات ، معتبرا ان مواطنيه وافقوا وحان الوقت لوضع الخطط لمشاريع جسورة تمهيدا لتنفيذها فى ذلك التاريخ، وبالتالى لا هناك ما يشغله سوى شيئين لا ثالث لهما : النظام الرئاسى وتعليم حفيده القرآن الكريم على حد تعبير صحيفة ينى شفق .وفى البلدات والقرى بعمق الأناضول يواصل العمد والمخاتير الليل بالنهار، فمقارهم على اتصال دائم برموز العوائل الكبيرة وهؤلاء بدورهم وبالتنسيق مع المحليات يقدمون للعائلات المعونات العينية فى مقدمتها أجولة الطحين والأرز وهدايا الذهب فى الأفراح.

ومع كل هذا فالمنغصات لا تتوقف والدليل على ذلك وجود مخاوف جدية لدى قيادى و حزب العدالة والتنمية الحاكم فى أن يخذلهم أنصار الحركة القومية اليميني، فرغم دعم دولت بهتشلى زعيم الحزب إلا أن نسبة كبيرة من الأعضاء أعلنوا رفضهم وأنهم سيقولون «لا».

المعارضون موجودون، صحيح نعتهم مسـبقا الرئيس ومعه معاونوه (قبل أن يتراجعوا) بالإرهابيين لانهم يسيرون على نهج منظمة حزب العمال الكردستانى الانفصالية وما يصفونه بالكيان الموازى فى إشارة إلى الداعية الدينى فتح الله جولين ، إلا أن البلديات سمحت لهم بمساحات هى فى كل الأحوال محدودة لا تقارن بمثيلتها التى يتمتع بها المؤيدون، فالرافضون بالكاد نصبوا خياما بسيطة تناسب إمكاناتهم المتواضعة بيد أنها لاتقيهم من الأمطار يستقطبون أبناء وطنهم من أجل التصويت بــ«لا». فى المقابل كان للعدالة الحاكم الذى لا يأخذ أذن من السلطات ، شوادره المسقوفة جيدا، والمزودة بالتدفئة اللازمة، إضافة إلى الأماكن الواسعة والتى أختيرت بمداخل البنايات لاستقبال الجماهير ، وتلك لا تقتصر على وسط الميادين، بل فى معظم الشوارع وبالأزقة المتفرعة نصبت أكشاك منها وجميعها تكدست بآلاف اللافتات والمطبوعات بأرواقها القشيبة وألوانها الزاعقة لتناسب بالطبع صور صاحب التحول من النظام البرلمانى إلى الرئاسي. الطريف ان زعيم حزب الشعب الجمهورى كمال كيلتش دار اوغلو ، الذى يبث له التلفار بعضا من خطبه وأحاديثه التى تبتسر ولا تقدم كاملة ، وما أن ينتهى تذيع ذات الشبكة وهى تحديدا «أن تى في» الإخبارية ما من شأنه التقليل من كلامه ، وتستضيف متحاورين ذا الاتجاه الواحد، تكون مهمتهم تسفيه ما ذهب اليه وتفنيده باعتباره أكاذيب وافتراء بحق الدولة وزعيمها ، نفس الحال ينطبق على الإعلانات المدفوعة التى تدعو إلى رفض التعديلات ، فعقب بثها تليها أخرى تدحضها بانجازات الرئيس من مطارات وطرق وكبارى وانفاق الى أخره.

والحقيقة التى يمكن أن يلمسها أى مراقب هى أن المنطق ــ ووفقا لما هو معاش ومرئى فى الواقع الحياتى بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ــ يقول أن ما سوف يسفر عنه استفتاء الأحد سيكون نقيض ما يسعى إليه أردوغان ونظامه، وتلك بداية لأن تعود تركيا تدريجيا إلى ديمقراطيتها التى تكاد تموت، أما وأن خلص إلى العكس فلن تعرف وريثة الإمبراطورية العثمانية الاستقرار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق