فى كل أزمة نقف أمامها مندهشين، وكأنها هبطت علينا دون توقع،مع أن السبب معروف ويتحدث به الناس فى الشوارع والمقاهى وأماكن العمل.. إننا نتعامل مع الأزمة بطريقة غض الطرف حينا، أو افتعال أزمة جديدة تغطى على الأولي، وكلما خرجنا من أزمة دخلنا فى أخري، حتى بات الأمر كأنه مقصود لكى لا يجد الفرد وقتا للنظر والتأمل، ولقد مللنا من الصراخ عن الفساد الذى استشرى فى البلاد شرقها وغربها، وأفسحت الصحف صفحاتها، وظلت توجه الاتهام إلى أسماء معروفة دون فائدة حتى استقر فى الوجدان أن الدولة تفرض الحماية لهؤلاء، والأمثلة كثيرة ومعروفة.
إن الطريق إلى الإصلاح يبدأ بإحياء الضمير وإعادة الانتماء إلى القيم والوطن وتطبيق القانون، فمن يأمن العقاب يسيء الأدب، ويجب أن يسرى القانون على الجميع كبيرهم وصغيرهم، وأن يحاكم المسئول فى أثناء ولايته عما يتحمله من مسئولية وعن مدى نجاحه، أو فشله، صلاحه، أو فساده، وكفانا ما يحدث إذ نعلق الجُرم فى رقبة الصغير، ويفلت الكبير فرحا بجرمه، وعلينا أن نتدارس هذا المعنى التربوى السليم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولعل الرجوع إلى القيم الأساسية التى تحكم الحياة، وتنظم شئونها، وتُيسّر تواصلها، وتخفف مكابداتها، وتصنع امتدادا حضاريا لإرساء القانون، لعل ذلك يعيد الأمر المختل إلى وضعه الصحيح، ويقطع الطريق أمام الفاسدين، فتتمكن قيم العدل والمساواة والانتماء من إقامة كيان يضرب بجذوره فى الأرض ويلم الشتات من أبناء الوطن.
علينا أن نستعيد قيم التواد، والرحمة التى تجعل الناس (كالجسد الواحد، يشد بعضه بعضا)، ونشعرهم جميعا بالانتماء والشعور بالمواطنة.. أم سنظل كما نحن يباعد بيننا الكذب والحقد، والتوحش والأنانية.. وإنى أتساءل: كيف نحقق درجة الإيمان الحقيقى بقيم الدين والوطن؟، وكيف نعيد لأصحاب الغنى الوفير توازنهم الذى فلت، ووطنيتهم التى غابت، وعطاءهم الذى نضب، ونصحح نظرتهم إلى الآخرين، وإلى متطلبات الوطن ودعوته لهم بالمشاركة الفعالة فى خدمة الوطن؟، وكيف نجعلهم يؤمنون بأن الجميع نسيج واحد، يتآلف بالمودة، والصدق فى العمل والتواصل الإنساني، وكيف نجعلهم ـ وغيرهم من الرموز ـ يتأسون بالرجال العظام الذين قدموا صورة صحيحة للعدل الإنساني.
حُكى عن عمر بن عبدالعزيز، أن أحدأصدقائه طلب منه أن يوافق على صرف مبلغ عشرين ألف دينار، كان الخليفة السابق قد أمر بها له، فقال له عمر: إن المبلغ الذى تطلبه يُغنى آلاف البيوت من المسلمين، فهل أدفعها إلى رجل واحد؟!، ورفض عمر.. مع أن الرجل كان صديقا حميما له.. وانظر فى ضوء هذا الخبر إلى ما يحدثه الفاسدون، ومغتصبو الحقوق، وأصدقاء السوء والهاربون بالمال، والمتاجرون بأرواح البشر.. وتأمل غيبة القانون، وغض الطرف، وافتعال الأزمات.. ترى من يحاسب أولا، من قام بالفعل، أم من سهل له الفعل وغض النظر؟!.. هل يحاسب من يهتدى إلى الحيل الفاسدة للإثراء، أم يحاسب المسئول الذى رأى وبارك وحصل على الفائدة الخفية؟!.
علينا أن نستخلص الدرس الذى يفيدنا، وأن نطبق القانون بكل شفافية، لأنه فى غيبة القانون تتوالى الأزمات، وتتكرر، وبنفس السيناريو المعلوم!.
الأديب ـ محمد قطب
رابط دائم: