براءة الأطفال التى تطل من وجهها وهى تتحدث عن معاناتها فى الإمساك بالقلم كفيلة بالتعاطف معها وتحقيق حلمها، وكلمة «الله كريم» التى سطرتها على «السبورة» بفطرتها تؤكد أن حلمها سيتحقق بعون من الله ثم من فاعلى الخير .. بحكمة من الله، لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى ولدت الطفلة إكرام كريم بأصبع «البنصر» فقط بكل كف من يديها،واستطاعت أن تعطى درسا للكبار والأصحاء، قبل الصغار فى التحدى والإرادة، ولم تمنعها ظروفها الصحية والأسرية من حقها فى التعليم، وأجبرت جميع من فى المدرسة على الوقوف لها إجلالا واحتراما.
تقول الطفلة اكرام (9سنوات): ولدت بأصبع واحد فقط فى كل كف من يدى الاثنتين، ولهذا السبب لا استطيع التحكم فى الإمساك بالقلم مثل باقى زملائى فى الفصل، وأنا أدرس حاليا فى الصف الثالث الابتدائى بمدرسة بنى سلام الابتدائية بمنشية القناطر التعليمية، وأحيانا أتعرض لمواقف محرجة أمام التلاميذ عندما تطلب منى المعلمة كتابة جملة على «السبورة» ويقع القلم من يدى لعدم مقدرتى على التحكم فيه بشكل سليم، ولكن بسبب تشجيع المعلمين لى خاصة المعلمة عالية إبراهيم، أحاول مرة أخرى أن أكتب على «السبورة».
وتضيف اكرام: أحلم بأن أكمل تعليمى، وأن أصبح طبيبة عندما أكبر، وأقوم بعمل عملية لنفسى، وأكمل باقى الأصابع الناقصة فى يدى، لأن والدتى ذهبت بى كثيرا إلى الأطباء، لكى يتم زرع أصابع فى يدى، ولكن العملية مكلفة وثمنها كبير وأسرتى «فقيرة» وليس معها هذا المبلغ، وأنا عندما أكبر وأصبح طبيبة سوف أقوم بعمل هذه العملية لنفسى ولأصحابى المحتاجين إلى عمليات مثل هذه.
وتقول عالية إبراهيم معلمة اللغة العربية بالمدرسة والمسئولة عن الطفلة اكرام بشكل خاص: ولدت اكرام بإصبع واحد فى كل كف من يديها واستطاعت بفضل أسرتها أن تكون قدوة للجميع فى قوة إرادتها وحبها للحياة والتعليم رغم صغر سنها، بالإضافة إلى أنها دائما مبتسمة، ومحبة لزملائها فى المدرسة، ولديها قدرة كبيرة على التعايش مع وضعها وإعاقتها.
وتضيف: لم أجد صعوبة فى تعليمها كيفية مسك القلم وأسس الكتابة منذ أن توليت تعليمها وهى فى الصف الأول الابتدائى حتى الآن، وذلك يرجع إلى ذكاء إكرام وسرعة البديهة التى تتمتع بها، مما جعل تلقيها الدروس التعليمية يتم بسهولة ويسر بالإضافة إلى حبها للتعليم.
وتكمل: الطفلة اكرام لديها طموح ينمو وينضج يوما بعد يوم، ويظهر ذلك واضحا من خلال رغبتها فى معرفة الحروف ومدلولاتها والتلذذ بكتابة جمل وكلمات على «السبورة» وهى دائمة التساؤل والاستفسار عن كل شى يقابلها فى حياتها، ومن أصعب الأسئلة التى أسمعها منها بتكرار: « ليه أنا مولودة بصباع واحد فى كل يد وباقى زملائى بخمسة أصبع»، ودائما أجيبها بأن هذه حكمة من الله وإرادة الله سبحانه وتعالى ولا دخل للبشر فيها، وأن ربنا أكيد هيعوضها بحاجات جميلة لن تجدها فى زملائها، مثل الذكاء وسرعة البديهة وقوة الإرادة.
وعن كيفية تعامل معلمة «الدمج» عالية إبراهيم مع مثل تلك الحالات تقول: إن الخطوة الأولى فى التعامل مع هؤلاء الأطفال ذوى الإعاقة تبدأ من البيت، مشيرة إلى أن المجتمع بحاجة إلى تعزيز الوعى عند أهل هؤلاء الأطفال، فإذا اقتنع الأهل بخروج الطفل المعاق إلى المجتمع ومخالطته فإن 50 % من المشكلة يحل، ثم يأتى بعد ذلك دورنا نحن كمعلمين فى فصول «الدمج» الذى يعتبر دوراً أساسيا فى تأسيس الطالب المعاق نفسيا وتعليميا، وذلك من خلال الإشراف المستمر والمتابعة والتوجيه للحالة وحل أى مشكلة قد تواجهها.
وتوضح المعلمة أن الطالبة اكرام تسير بخطوات ثابتة فى الدراسة والتعلم بما لديها من ملكات تلقى العلم، واستطاعت أن تثبت نفسها، وأن تكتب بالقلم على السبورة بخط جميل ومختلف عن جميع التلاميذ الذين فى عمرها بالمدرسة، مما جعلها محل إعجاب من جميع المدرسين فى مختلف المواد الدراسية التى يتم شرحها لها، وهى من أوائل التلاميذ فى مرحلتها التعليمية، ومن المتفوقات بالمدرسة بعد استخدام أسلوب «الدمج» معها فى الفصل الدراسى.
وتختتم حديثها قائلة: الإعاقة لم تؤثر على اكرام فى شىء، بل أعطتها حافزا ودافعا لكى تجتهد مثل باقى زميلاتها، واستطاعت أن تندمج مع التلاميذ، ولكنى كأم قبل أن أكون معلمة أتمنى أن يتم إجراء عملية زرع أصابع لتلميذتى اكرام وهى فى هذه السن المبكرة، قبل أن تكبر فى العمر وتفقد الكثير من براءة الطفولة التى تتمتع بها حاليا، وحتى لا يؤثر ذلك على حالتها النفسية وخاصة أنها «بنت»، ويعيقها من تحقيق حلمها وتكملة مشوارها التعليمى.
رابط دائم: