«كل حلفاء تركيا في سوريا يبدو أنهم انفضوا من حولها أو على الأقل هم في طريقهم لذلك» ، عبارة يمكن أن تلخص الأحداث المتسارعة والمتلاحقة ومسرحها فضاءات بالقرب من مناطق جنوب وجنوب شرق الأناضول سواء التى تقع بداخلها أو خارجها فى الشمالين السورى والعراقي،
وهي إجمالا لم تكن في حسبان القصر الرئاسي بالعاصمة التركية وساكنه رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان، وهي التي أفرزتها ومازالت صراعات الأطراف المتناحرة ومطامح ومطامع القوى الإقليمية والدولية في غنائم الحرب الأهلية السورية .
وكى لا تجد نفسها أمام الحقيقة المؤلمة والمروعة، والتي قد تتمثل فى «لا وجود لها مستقبلا»، فيما وراء تخومها إلى ما بعد جبال طوروس بالشام تحديدا، وهى التى ناضلت كى تصل بزعيمها للمسجد الأموى بقلب دمشق وتأدية الصلاة فيه ، ها هي أنقرة الآن ومنذ فترة وجيزة تسارع الزمن حتى تظفر بأى نفوذ فى» الكعكة الممزقة «قبل فوات الأوان، خصوصا فى مرحلة ما بعد داعش، سواء في الموصل العراقية، وحاليا سوريا وتلك المعضلة خاصة أن قواتها المسلحة تخوض فى شمالها، ما اسمته بعملية درع الفرات، والتي دخلت شهرها السابع لوأد التنظيم التكفيري الإرهابي، والأهم منع إمتداد الفصائل الكردية على حدودها الطويلة والممتدة للأراضي السورية والملاصقة لعدد من المدن الكبري بأغلبية سكانها من الأكراد ، وهذا كما سنرى بعد قليل بعيد المنال وربما يتحقق العكس .
ووفقا لخبراء ومراقبين ، بمن فيهم مقربون من دائرة صنع القرار ، يبدو ان أضرار عملية الفرات البشرية والمادية ، فاقت بكثير ما تحقق من مكاسب بل إن الأخيرة قد تكون سرابا، والدليل على ذلك هو أن قطاعات عريضة من الشعب « المحجوبة عن وسائل الإعلام التى تسيطر الحكومة على معظمها» انتابها الضجر وباتت على قناعة بأنه لا فائدة مرجوة منها ويكفي إستنزاف البلاد والعباد معا.
وطبيعي أن تقلق تلك المشاعر المتنامية « رغم أنها محاصرة « أهل الحكم ، الذين يتخوفون من تلك التداعيات ، وكذلك المزيد من سقوط الجنود والضباط الأتراك فى هذا المستنقع الذى لا يبدو له نهاية، كل هذا من شأنه إثارة القلاقل في وقت حرج للغاية، يأملون أن يمر دون منغصات حتى السادس عشر من إبريل القادم موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل.
فى هذا السياق كشفت متغيرات جديدة عن تحديات جمة أمام تركيا ، لا يفرضها فحسب تنظيم داعش التي تقول أنقرة إنها تحاربه وكذا فصائل منظمة حزب العمال الكردستاني الإنفصالية وهى هدفها الرئيسى، وانما تأتى من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية وبمساهمة روسية لم تعد تخف عن العيان، الأمر الذى أسهم في تغيير موازين الصراع على الأرض ومعها فقدت وريثة الإمبراطورية العثمانية زخمها في السيطرة على شمال سوريا وهى التى اعطت ايحاء لمواطنيها أن الأخير فى متناولها.
وأصبح واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية استقرت، وعلى نحو نهائي على أهمية مواصلة دعم الأكراد وذلك بإعلانها مؤخرا أن قوات الاتحاد الديمقراطى لا تشكل خطرا على الدولة التركية ، فى حين أن الأخيرة شددت ــ ومازالت ــ دون آذان صاغية ، على أنهم إرهابيون، وفي انتقاد موجه لواشنطن قال بن على يلدريم رئيس وزراء التركى «من المؤسف أن بعض حلفاء بلاده اختاروا وحدات حماية الشعب الكردية السورية شريكا لهم في الحرب على داعش» ضاربين بعرض الحائط تحذيراتنا العديدة والمتكررة من مغبة ذلك».
تلك المواقف عضددت من ساعد ميليشيات سوريا الديمقراطية ، التى سبق والتقت رموزها بمسئولين أمريكين مؤكدين لهم وعلى نحو قاطع، بأنه لا يمكن أن يكون لتركيا دور فى الحملة لاستعادة الرقة من قبضة تنظيم داعش، ولم يجد طلال سيلو المتحدث باسمها أية غضاضة فى أن يقول صراحة «الطرف التركى هو طرف محتل لا يمكن السماح له باحتلال المزيد من الأراضي السورية «، مشيرا إلى أنهم سلموا رسالة بهذا المعني خلال لقاء مع السيناتور الأمريكى جون مكين ومسئولين عسكريين في شمال سوريا الشهر الماضي ، وأضاف بثقة «متوقعون خلال عدة أسابيع يكون فيه حصار للمدينة».
ولمزيد من التأكيد على أنه لا دور لتركيا شهدت المناطق التي يسيطرون عليها وصول مدرعات وعربات مصفحة تحمل العلم الأمريكى في دلالة رمزية لا تقبل التأويل أن واشنطن ماضية في دعمها . كما أن هناك تنسيقا يجرى على قدم وساق وأمام أعين أنقرة ، التى تبدو عاجزة عن فعل شىء ، بين الولايات المتحدة وروسيا ، لخصه مسئول بهيئة الأركان الروسية سيرجي رودسكوي عندما اشار إلى أنه «ووفقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها ، سيتم إدخال وحدات من القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية إلى الأراضي التى تسيطر عليها وحدات الدفاع الكردية.
وبالفعل تسلمت قوات النظام السورى من فصيل منضوى تحت لواء «قوات سوريا الديمقراطية»، المناطق الواقعة قرب مدينة منبج، ليتبخر معها ما كان أردوغان يأمله ويحلم به، عندما قال إن منبج ستكون الهدف التالي فى الحملة العسكرية التى تشنها تركيا إلى جانب فصائل من المعارضة السورية المسلحة التى يدعمها في إطار «درع الفرات» .
فى المقابل بدا رئيس وزرائه واقعيا بإشارته إلى إن تركيا لا تخطط لحملة عسكرية على المدينة من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا اللتين لهما وجود عسكرى في المنطقة، من هنا لم يكن الأمر مصادفة أو مفاجأة ، فى قوله أن أنقرة لا تمانع بفرض سيطرة الجيش السورى على منبج، فــ» الأراضي السورية يجب أن تكون للسوريين « فى خطوة تراجع مذهلة مقارنة بشعارات عنترية أطلقها رئيسه، الذى هدد بضرب المقاتلين الأكراد فى منبج فى حال لم ينسحبوا منها إلى شرق نهر الفرات، وهذا أصبح من الماضي على الأقل فى الأمد المنظور بعد أن قال البنتاجون كلمته أن الجيش الأمريكى حرك عددا صغيرا من القوات داخل وحول المدينة نفسها لردع الهجمات.
والجيش السوري نفسه استفاد من هذا الوضع بيد أنه تمكن من فتح طريق يؤدى إلى نهر الفرات ليؤمن إمدادات المياه لحلب، وهو ما لم يكن يحدث دون تنسيق ضمنى مع الفصائل الكردية المباركة من العم سام، كل ذلك على حساب تركيا الواقفة فى مفترق طرق، إذ أنها لن تستطيع تنفيذ تهديداتها بحرب مفتوحة ضد قوات سوريا الديمقراطية « المتأمركة» وبرضا الكرملين!!
رابط دائم: