مشكلة تتكرر كثيرا.. وواقع معروف.. صدمة قد يتعرض لها أى مواطن، وهى أن يفاجأ فى يوم من الأيام أنه محكوم عليه بالحبس أو الغرامة فى قضية لم يعلم عنها شيئا ولم يعلن بها ولم يحضرها ولم يأخذ فرصته فى الدفاع عن نفسه.. فى ذنب لم يقترفه ، جناية أو جريمة لم يرتكبها وليس له علاقة بها من الأصل، لا من قريب ولا من بعيد.
قد يكون الحكم الغيابى الذى صدر ضده بالمصادفة أو بالتعمد .. وقد يكون الغرض هو الانتقام أو التهديد أو الضرر أو الابتزاز.. وأيضاً ربما يكون تشابه الأسماء مع المتهم الحقيقى.. والظلم صعب واثبات الحقيقة ودفع التهمة يأخذ جهدا كبيرا ووقتا طويلا ونفقات كثيرة، فضلا عن تشويه السمعة التى يتعرض لها المواطن البرىء، والحالة النفسية السيئة التى يمر بها هو وأفراد أسرته.
فى البداية يقول د.شوقى السيد المحامى والفقيه الدستورى : تحدث الأحكام الغيابية فى الأحكام المدنية أو الجنائية وكذلك التجارية والاقتصادية وفيها يتم الإعلان صورياً، حيث تتم مخاطبة المحضر مع أى شخص على عنوان خاطئ يقال فيه إنه تخاطب مثلا مع حارس العقار أو شخص رفض ذكر اسمه أو يدعى أن السكن مغلق وقد يخاطب قسم الشرطة ويرسل جوابا، وبهذا من حيث الشكل الإعلان قد تم لأن المحضر قام بالانتقال ولكنه لم يجد أحدا بالسكن ، أو أن المسكن مغلق، (وقد يكون هذا حقيقيا أو غير حقيقى) وبالتالى فإن المدعى ضده لا يحضر الجلسة، فالاعلان لا يتم إلا مرة واحدة إلا إذا تشكك القاضى فى سلامة الاعلان ويقرر إعادته، ولكن من الممكن أن يتكرر أيضاً الاعلان بالطريقة الصورية ذاتها ولا يعلن المدعى عليه للمرة الثانية، وهو ما يمثل حالة من الروتين والبيروقراطية وكذلك التزوير والتدليس ، فيبدو أن الإعلان قد تم ولكنه فى الحقيقة لم يتم، فالاجراءات كلها صورية، ولكنها تبدو أمام القاضى سليمة من حيث الشكل وقد يصدر الحكم غيابياً وقد يصادر حقوق الناس وحرياتهم, فقد يحكم عليهم بالحبس أو الغرامة أو التعويض أو الطرد من السكن أو تسليم عقار وغيرها، ولا يكتشف المحكوم ضده غيابياً الأمر إلا عند تجديده لبطاقة الرقم القومى أو رخصة السيارة أو عند التفتيش فى الكمائن أو عند السفر يفاجأ الشخص بأنه ممنوع من السفر لأنه صدر ضده حكم .
ويضيف : لابد أن تتم المعارضة على الحكم خلال ثلاثة أيام من صدوره لو أن الاعلان صحيح ، لكن إذا كان غير صحيح فيمكن المعارضة فى أى وقت وعلى المحكوم عليه غيابياً تقديم ما يفيد أنه لم يصل إلى علمه أن هناك دعوى مرفوعة ضده والقاضى يقدر ذلك لأنه واقع معروف وبالتالى يقبل المعارضة.
وتصدر هذه الأحكام بسبب الاعلانات الكيدية أو الوهمية سواء من المحضرين أو أمناء السر لدرجة أن هناك بعض الأشخاص يقومون برفع قضايا فى محافظات أخرى بغرض الانتقام، وقد يقوم شخص برفع عشرات القضايا على شخص آخر فى عدة محافظات فى أنحاء الجمهورية ويكون فيها الاسم صحيحا لكن العناوين مختلفة وتصدر الأحكام والمدعى ضده لا يعلم عنها أى شيء.
فهو «إجراء صامت» يتم إما مصادفة أو بفعل فاعل يستغله عند اللزوم، ترجعنا لفكرة «القوة والبلطجة تخلق الحق وتحميه» وهى قاعدة فى المجتمعات البدائية والهمجية ، والأمر يستلزم صحوة من النيابة للتفتيش على المحضرين وأقسام الشرطة ومندوبي المشايخ فى القرى ، والضرب بيد من حديد على من يثبت عليه ذلك لابد أن ينال عقابه فهى تعتبر جناية وليست مجرد جنحة لأنها تزوير فى أوراق رسمية.
ولابد من التحقيق فيها مع المحضر و»الباش محضر« ومدير الإعلان وإذا ثبت على أحدهم أنه قام بالتلاعب والتزوير لابد أن يقدم للمساءلة التأديبية والمحاكمة وتوقيع الجزاء المناسب.
د.أحمد سعد الأستاذ بكلية الحقوق جامعة بنى سويف والمحامى بالنقض يقول: إن الأصل أن الدعوى القضائية مدنية أو جنائية وأنه لا تنعقد الخصومة فيها إلا باتصالها بعلم الطرف الآخر ويكون ذلك عن طريق إعلانه من قلم المحضرين أو الدعوى المدنية التى يقيمها أحد الأطراف ضد الآخر، فإذا تحقق الإعلان فالدعوى تكون صالحة لنظرها وهنا أحد فرضين: الأول أن يحضر من وجه إليه الاعلان سواء كان متهما أو مدعى عليه فى الموعد المحدد فى التكليف، والثانى هو ألا يحضر، فإذا حضر شخصياً أو بوكيل عنه أو يقدم مذكرة أو مستندات فهنا يصدر الحكم حضورياً، أما إذا لم يحضر الخصم رغم إعلانه فهنا تنظر المحكمة الدعوى فى غيبته طالما تأكدت من إعلانه فيصدر الحكم هنا غيابياً.
وأسباب صدور أحكام غيابية فى حقيقة الأمر فى أغلب الأحوال ترجع إلى شرط إعلان الدعوى للخصم إما أنه إعلان إدارى أو إعلان على غير مسكنه ويتواطأ مع قلم الكتاب بإحضار إفادة تقرر أنه قد تسلم الإعلان وفى أغلب الأحيان تصدر الأحكام بغير علم من صدرت ضده ولذلك هناك حكم إعادة الإجراءات وإعادة المحاكمة مرة أخرى عند القبض على من صدر حكم غيابي عليه أو عند حضوره وتقديم معارضة.
الإعلانات وقلة المحضرين
ويوضح أحمد قنديل حجاج المحامى بالنقض والادارية العليا أن هناك تعديلا فى قانون المرافعات بأنه لابد أن تعلن الدعاوى للشخص المدعى عليه أو فى موطنه ولابد من أن يستلمها فعلياً هو أو من يقيم معه، كما توجد مواد فى القانون المدنى والمرافعات حددت طرق الطعن فى الأحكام الغيابية، أما القانون الجنائى فتقام دعاوى من النيابة العامة على شخص سواء كان متهما بجنحة أو بمخالفة يتعين على النيابة العامة إعلانه بشخصه فى محل اقامته أو موطنه المختار ولكن مع كثرة القضايا الجنائية تكتفى النيابة باعلانه عن طريق المحضرين ودائماً المحضر قد لا يقوم بتسليم المتهم الإعلان وذلك لكثرة القضايا واتساع رقعة المساحة السكنية التى يقوم بها المحضر، وبالتالى تكثر الأحكام الغيابية ويفاجأ بها المتهم حين سفره أو استخراجه رخصة سيارته أو تجديد بطاقة الرقم القومى.
تشابة الأسماء
ويضيف انه يجب أن يراعى فى أى حكم الأخذ بالاسم الرباعى للشخص والمسجل فى بطاقة الرقم القومى واسم الأم حتى لا يظلم شخص آخر يتشابه فى الاسم ولذا يجب التحقق من شخصية المتهم قبل تحريك الدعوى ضده ، كما يجب على النيابة العامة أن تقوم بتحديد جهاز متخصص للاعلانات بالقضايا كما يحدث فى الدول العربية مثل الامارات فعند رفع قضايا أو صدور الحكم يتولى قاضى التنفيذ ومعه محضرون وأفراد من الشرطة مخصصون ليقوموا بالاعلانات الجنائية وهناك محضرون مخصصون لتنفيذ الأحكام.
ويوضح أن هناك تقصيرا فى قانون المرافعات المدنية فى الاعلانات القضائية وتقصيرا من النيابة العامة لكثرة مسئولياتها والقضايا المختلفة فى نطاق مكانى كبير، فلابد أن يتدخل المشرع للتكليف الجازم سواء من الشرطة أو من أقلام المحضرين بالاعلانات حيث إن ذلك قد يؤدى إلى تقادم الدعاوى المدنية بمضى المدة وهى ثلاث سنوات وهناك اعلانات خاصة بمبالغ مادية معينة أو ضرائب أقرتها المحكمة الجنائية أو المدنية وتتقادم بمضى خمس سنوات ولا يتم اعلانها وتضيع هذه المبالغ على الخزانة العامة للدولة.
ونخلص من كل هذا كما يقول إلى أنه لابد أن يتدخل المشرع فى تعديل قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية الخاصة بالإعلانات القضائية حتى لا تضيع حقوق الدولة وحتى لا يقع الناس تحت طائلة القانون بصورة مفاجئة وقد تكون ظالمة لهم.
[email protected]
رابط دائم: