انجذب إلى أثير موجات الإذاعة المصرية، وانبهر بحكايات ألف ليلة وليلة، واعتاد سماع البرامج الثقافية، وتشكل وجدانه على روائع «شكسبير» العالمية، وسيطرت المشاهد التى تسمعها أ ذناه على مخيلته، فأصبح يشعر وكأنه يشاهدها، فنبت بداخله حلم أن يصبح ممثلا ومخرجا مسرحيا، وكافح لكيلا تكون ولادته «كفيف البصر» عائقا فى سبيل تحقيق حلمه
لكن تدخل القدر أضاف إلى أحلامه واقعا جديدا، وهو عمله كمرشد سياحى بالمتحف المصرى، واستطاع أن يوظف عمله لتحقيق حلمه، كيف فعل ذلك، هذا ما أخبرنا به عادل مصطفى فى السطور التالية:
يقول عادل: فى عمر الثامنة أبهرنى عالم الإذاعة، واعتدت سماع شبكة البرنامج العام، وداومت على البرامج الثقافية وعروض المسرح، وأصبحت أثير جملة «يفتح الآن الستار على خشبة المسرح» فأصبحت محور حياتى، وكنت أرسم فى مخيلتى المشاهد التى أسمعها، ومن أكثر الشخصيات التى أعجبتنى كانت شخصية «هاملت» إحدى روائع «شكسبير»، وتملكنى أول حلم فى حياتى، وهو كيف أصبح مخرجا وممثلا مسرحيا؟ كانت الخطوة الأولى لتحقيق هذا الحلم على أرض الواقع هى الاشتراك فى فريق التمثيل بالمدرسة، وأول مسرحية شاركت فيها كانت بعنوان «مطلوب عريس لبسبوسة»، واستمر الحال إلى أن التحقت بالجامعة.
مرشد سياحى .. بالمصادفة
وعن أيام الجامعة يذكر عادل: التحقت بقسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وانضممت إلى فريق التمثيل وفى أحد العروض التى شاركت فيها شاهدتنى الدكتورة منى صفوت رئيس قسم الفرنسى بالكلية سابقا، وطلبت أن أذهب إلى المركز الثقافى الفرنسى، وحدث بالفعل، وتدربت هناك على الإرشاد السياحى للمكفوفين، وبعد ثلاثة أشهر من التدريب تعلمت كيف أشرح للكفيف المعلومات الأثرية الموجودة على لوح نحاسى، وتأهلت للعمل فى المتحف المصرى، وتزامن فى ذلك الوقت تأسيس مدرسة الوعى الأثرى للأطفال المكفوفين بالمتحف المصرى، وأخذت أتجول فى أروقة المتحف لأتعرف على القطع الأثرية المختلفة، وما المسموح بلمسه، وغير المسموح، وبدأت أبحث عن أفكار جديدة لتطوير العمل، وقمت مع زملائى بعمل دليل المتحف المصرى ومجموعة من الكتب بطريقة برايل.
الكفيف يرى بيده
يضيف عادل: كل ما كان يشغل تفكيرى هو أن أجعل الأطفال المكفوفين يشعرون وكأنهم يرون التماثيل الموجودة بالمتحف المصرى، لذلك كنت أشرح لهم المادة العلمية وهم يتجولون فى أنحاء المتحف يتلمسون التماثيل المصنوعة من « البازلت والشيست والجرانيت» لأنها لا تتأثر باللمس أو العرق وغيرها من الأشياء، أما التماثيل المصنوعة من الجير والرمل فلا يمكن لمسها مطلقا لأنها تتأثر سريعا، وكنت ألجأ إلى عرض نماذج مماثلة لهذه الآثار على الأطفال، وبعد انتهاء هذه الجولة يقوم كل طفل بتجسيد ما شاهده من تماثيل بيده عن طريق حاسة اللمس بالطين الأسوانى والصلصال، ثم يتم جمع كل الأعمال لتعرض فى المعرض الثانوى نهاية كل عام، ومع الوقت زاد إقبال الأطفال المكفوفين على زيارة المتحف، أيضا من الوسائل التى لجأت إليها لتوصيل المعلومة إلى الأطفال تنظيم زيارات لهم إلى القرية الفرعونية ليستشعروا طبيعة الحياة فى ذلك العصر، وذلك من خلال رائحة الخبز المنبعثة من فرن «الخبيز» مثلما كان يفعل قدماء المصريين وأصوات المواشى فى الحظيرة، وحتى لا تنقطع صلة الأطفال المكفوفين بالمتحف المصرى كنت أذهب إليهم فى المدارس خلال فترة ثورة ٢٥يناير مصطحبا نماذج لبعض التماثيل وأشرح لهم عليها جميع المعلومات. ولقد فازت مدرسة الوعى الأثرى للمكفوفين بالمتحف المصرى على جوائز عالمية عديدة منها جائزة الحمامة الذهبية وكانت ضمن أفضل عشرة متاحف على مستوى العالم فى التواصل مع المكفوفين.
مكفوفو العالم .. وآثار مصر
يقول عادل: أحلم بإطلاق مبادرة تتبناها وزارة الآثار بالتعاون مع وزارة السياحة تدعو فيها المكفوفين فى كل أنحاء العالم لزيارة المتاحف والآثار المصرية مجانا مع السماح لهم بدخول مرافق مجانا أيضا، وذلك باعتبار مصر دولة غنية أثريا وتمتلك ثلث آثار العالم، وبلدا سياحيا متميزا مما دعمها للفوز بجائزة أفضل وجهة سياحية فاخرة للسفر فى العالم، وإذا لاقت هذه الفكرة قبول المسئولين فسوف تحقق زيادة الدخل القومى وتنشط السياحة المصرية بشكل كبير.
عشق المسرح
وعن ارتباطه وحبه للمسرح يحكى عادل: حلمى الأول هو التمثيل والإخراج، لذلك شاركت فى العديد من الأعمال المسرحية، وفكرت فى إخراج عرض مسرحى ولكن الجميع قابلوا الفكرة بـ «سخرية»، ولكن لم التفت لذلك، وقمت بتدريب الأطفال المكفوفين، وقدمنا مسرحية «الثعبان الذهبى» وهى من الحواديت المصرية القديمة على مسرح الجمهورية مع أوركسترا النور والأمل، وكانت هذه أول تجربة إخراج لى، وأحلم بأن أكون فريقا مسرحيا يضم مكفوفين من كل أرجاء الوطن العربى ويطلق عليه «الفريق القومى العربى للمسرح».
رابط دائم: