أدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في تعاملاتها مع الملفات الخارجية لا زالت تحدد وتبلور أولوياتها وتتشاور حول استراتيجياتها وأيضا تعيد كتابة سياساتها تجاه الأزمات والتحديات الدولية وعلى رأسها محاربة الأرهاب والقضاء عليه. ما شهدته واشنطن في الأسابيع الأخيرة من تصريحات وتعليقات سياسية وإعلامية يؤكد أن الخارجية الأمريكية «مهمشة».
وأن مستشار الرئيس الاستراتيجي «ستيف بانون» بمواقفه وآرائه اليمينية المتشددة «قريب جدا من أذن الرئيس وقراره» وأن الجنرال «اتش ار ماكماستر» مستشار الأمن القومي البديل للجنرال «مايكل فلين» يعيد ترتيب آليات العمل بمجلس الأمن القومي.
كما أن البنتاجون والوزير «جيم ماتيس» وجنرالات الدفاع الأمريكي يعملون من أجل وضع استراتيجية أكثر تشددا وحسما في مواجهة «داعش» والارهاب بشكل عام ليس فقط في العراق وسوريا بل على امتداد منطقة الشرق الأوسط ودول الجوار. وحرص مسئولو الادارة أثناء حديثهم عن محاربة الارهاب خلال الفترة الأخيرة على التأكيد أنها «حرب شاملة» لا تقتصر على الجبهات العسكرية بل تشمل أيضا الجبهات المالية والسياسية والالكترونية.
والمؤتمر المزمع عقده في واشنطن يومي ٢٢ و٢٣ من مارس الجاري بحضور ممثلي ٦٨ دولة ـ أعضاء تحالف ضد داعش بلا شك سيظهر توجهات الادارة واختياراتها في المرحلة المقبلة. وهذا المؤتمر دعا اليه وزير الخارجية «ركس تيلرسون». وقد اهتمت الدوائر العسكرية والسياسية في الأيام الأخيرة بما تنوي الادارة فعله بخصوص مواجهة «داعش» في الرقة ـ حول طبيعة هذه العمليات العسكرية والأطراف المشاركة فيها وبالطبع توقيت اجراءها. ولا شك أن خطوات عديدة قد تم اتخاذها في الفترة الأخيرة ـ مثل زيادة القوات الأمريكية الموجودة في سوريا وزيادة امدادات الأسلحة للقوات المحاربة ضد داعش ومنهم الأكراد بالتحديد بالاضافة الى التشاورات العسكرية التي جرت بين رؤساء أركان أمريكا وروسيا وتركيا. ولا شك أن الملفات الخاصة بسوريا مطروحة للتشاور والمناقشة واعادة النظر وتحديد آليات للخروج من الأزمة الدائرة في سوريا والسعى لوقف تدهورها الحاد.
ومع الحديث المتكررعن تضاؤل أو انكماش دور الخارجية الأمريكية في التعامل مع العالم الخارجي. حذر أغلب المراقبين من تبعات وعواقب هذا التوجه من البيت الأبيض ومن ثم تراجع دور ومهمة الدبلوماسية الأمريكية في معالجة الملفات الدولية بطريقة لا مثيل لها في تاريخ واشنطن الحديث. وآخر مثال لهذا التراجع ظهر بوضوح خلال زيارة قصيرة لواشنطن قام بها وزير الخارجية المكسيكى اذ لم يلتقي بنظيره الأمريكي «تيلرسون». وانصب تشاوراته على لقاءات بالجنرال «ماكماستر» وصهر الرئيس ترامب «جاريد كوشنر» وشخص آخر من أقرب المقربين للرئيس. وزير الخارجية الأمريكي بالمناسبة لم يدل بأي تصريحات أو حوارات صحفية. ولم يلتق بالصحفيين ويرد على أسئلتهم في مؤتمر صحفي. كما أنه لم يصطحب معه أي صحفي ـ في رحلاته الخارجية كما جرت العادة.
واذا كان «ستيف بانون» لفت انتباه أهل واشنطن بما له من حضور في قرارات الرئيس «ترامب» فان نائب الرئيس «مايك بنس» أثار أيضا اهتمام المراقبين بأنه الحاضر والمشارك في صناعة القرارات الخاصة بالعالم الخارجي. ظهر هذا بشكل واضح وصريح في الأسابيع الأخيرة خاصة بعد أن تم ابعاد الجنرال فلين (أو تم دفعه للاستقالة). كما أن «بنس» أكمل في الفترة الأخيرة فريق عمله الخاص بالشأن الخارجي.
ومع مطالبة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بزيادة الإنفاق العسكري ب ٥٤ مليار دولار وتعزيز قوة أمريكا الهجومية تباينت المواقف واختلفت وجهات النظر حول طرق انفاق هذه الأموال ومدى تأثيرها على طبيعة أداء وتوجهات القوى العسكرية الأمريكية في مواجهة التحديات الدولية والقضاء على مخاطر الارهاب. كما أثار استقطاع هذه الأموال من مخصصات مالية آخرى ـ غالبا من ميزانية الخارجية الأمريكية ووكالة حماية البيئة ردود آفعال شديدة الانتقاد لتلك الخطوة لما لها من تداعيات سلبية على دور الخارجية وبرامجها للمساعدات تحديدا في احتواء كوارث عالمية تهدد أمن واستقرار مناطق عديدة سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا. ما تم الاشارة اليه بالنسبة للخارجية الأمريكية هو قطع ٣٠ في المائة من حجم الأموال المخصصة للانفاق علي برامجها الدولية بشكل عام ومن ثم المساس بعدد العاملين فيها. ويصل عدد العاملين بالخارجية الى نحو ٧٠ ألفا. وقد حرص «مارك تونر» القائم بأعمال المتحدث باسم الخارجية على القول منذ أيام بأن التشاور حول ميزانية الخارجية ما زال قائما ولم يتحدد بعد أى نسبة من الأموال سيشملها القطع. وأن المساعدات الخارجية لم يتم بعد تحديد مصيرها.
رابط دائم: