لعل أول ما يتبادر إلى أذهاننا حين نسمع اسم «أفغانستان» هو مشاهد التطرف والإرهاب فى تلك الدولة التى تعانى العنف لأكثر من ثلاثة عقود دمرتها خلالها الحرب وعدم الاستقرار السياسى والتقلبات الاقتصادية ، غير أن المواطن العادى مازال يحاول أن يعيش حياة طبيعية وسط كل هذه الفوضى .
فعلى الرغم من تصاعد المعارك بين الحكومة الافغانية والمتطرفين وحركة طالبان يواصل برنامج «أفغانى ستار» موسمه الثانى عشر ، ذلك البرنامج الذى يكتشف المواهب الفنية فى البلاد منذ عام 2005 على غرار نظيره الأمريكى « أمريكان أيدول» ممثلا بذلك معركة من نوع جديد داخل المجتمع الأفغانى تقودها الأضواء والكاميرات, فهو يعد واحدا من البرامج الأكثر مشاهدة و شعبية فى أفغانستان نظرا لكونه ذا نوعية جديدة فيتابعه حتى سكان المناطق النائية حتى وصل عدد مشاهديه إلى 15 مليون شخص فى كل موسم، وهو ما يمثل نصف عدد السكان, حيث تلتف العائلات حول التليفزيون فى نهاية الأسبوع, خاصة الشباب الأفغانى الذين لا يصدقون أنهم يشاهدون ويشاركون عبر الرسائل النصية القصيرة على هواتفهم المحمولة للتصويت لمطربهم المفضل.
ويعد الترفيه فى مجتمع محافظ كالمجتمع الأفغانى محفوفا بالمخاطر خاصة أنه ينظر إلى الموسيقى نظرة دونية وأنها مجرد شيء مبتذل لا سيما بعد أن منعت حركة طالبان التى كانت تحكم البلاد كل أشكال الموسيقى والتليفزيون من الدخول إلى المنازل الأفغانية، وحرمت الفتيات من تلقى التعليم، و حظرت ظهور النساء فى المجتمع .غير أنه منذ سقوط طالبان فى أواخر 2001، تطورت الأوضاع فى أفغانستان وقد جاء هذا البرنامج ليؤكد ذلك حيث ظهرت فيه المرأة على شاشات التليفزيون فى خطوة جريئة منها وحسب التقرير الذى نشرته جريدة «نيويورك تايمز» فإن هذه المسابقات تأتى وسط حالة من التأهب الأمنى والاستنفار الشديد من خلال نشر العربات المدرعة وتأمين المتسابقين وخضوع الجمهور الذى يشاهد المسابقة فى الاستوديو للفحص الأمنى ,وذلك نتيجة التفجيرات التى تقوم بها حركة طالبان, والتى جاء آخرها العام الماضى حين انفجرت سيارة ملغومة أدت إلى قتل سبعة أشخاص من موظفى شبكة « تولو تى فى » المنتجة للبرنامج الغنائى، الأمر الذى أدى إلى قيامها بنقل الاستوديو الذى يعرض فيه البرنامج داخل الحى الدبلوماسى فى كابول خاصة بعد زيادة التهديدات التى تلقتها الشبكة بقتل موظفيها وفى الوقت نفسه أيضا قامت حركة طالبان بالتهديد بتدمير شبكة الهاتف المحمول فى البلاد.
ويظهر المتسابقون من الشباب الهاوين للغناء خلال هذا البرنامج ، متسلحين بموهبتهم وعزمهم على تحقيق أهدافهم على خشبة المسرح, وترافقهم فرق موسيقية تجمع بين الآلات الأفغانية والغربية مرتدين ثيابا أنيقة ، كما ترتدى المتسابقات أزياء محتشمة وكثير منهم يكسون ثيابهن بألوان العلم الأفغانى، كما حرصت الشبكة التى تذيع البرنامج على إضفاء الصبغة الأفغانية عليه من خلال ارتداء ثياب ملائمة لطبيعة المجتمع الأفغانى، غير أن الأحداث التى تمر بالبلاد لم تكن بمنأى عن تلك المسابقة، حيث غيرت إحدى المتسابقات أغنيتها ذات الطابع المتفائل إلى أخرى حزينة مرتدية ثيابا سوداء بعد أن قتل عمها فى تفجير انتحارى أمام البرلمان الأفغانى خلال الأسبوع الماضى .
ويعتقد بعض المراقبين أن «أفغانى ستار» هو إحدى أدوات القوة الناعمة الأمريكية وأنه النسخة الأفغانية من «أمريكان أيدول» هو نتاج للثقافة الأمريكية . غير ان إلقاء نظرة فاحصة على البرنامج تكتشف العكس فهو فى حقيقة الأمر ضد الولايات المتحدة الامريكية، حيث إن معظم أغانيه تدور حول مقاومة الاحتلال والعنف والتطرف ، ليجد فيها الشباب الأفغانى فرصة فى التعبير عن الموضوعات التى تؤثر على حياتهم والتحدث عن معتقداتهم، وقيمهم وقضاياهم .
رابط دائم: