أنا سيدة نشأت فى إحدى محافظات الصعيد، وتربيت وتزوجت فيها من عامل بسيط بالأجر اليومي,
كان يعمل فى بعض الأحيان، ولا يجد عملا فى معظمها, ودفعنا شظف العيش إلى التفكير فى الهجرة الداخلية إلى أى مكان آخر طلبا لأى مورد رزق، فسافرنا إلى القاهرة واستقرت بنا الحال فيها, ورزقنا الله بطفلين, جاء الأول سليما, أما الثانى فولد بمرض فى عينيه, وعلاجه مكلف جدا, واضطررت إلى العمل فى المنازل لتوفير نفقات علاجه, ومضت سنوات على هذه الحال, وفجأة أصيب زوجى بضعف حاد فى النظر, وأصبح لا يستمر فى أى عمل بضعة أيام ثم يستغنى عنه صاحبه لهذا السبب, فتضاعفت مسئوليتي, وشاء القدر أن أضع طفلى الثالث مصابا بالصرع.. يا إلهى ماذا أفعل وأنا لا حول لى ولا قوة, وكيف أدبر مصاريف أسرة اختبرها الله بهذه الابتلاءات.. إننا لم نتعود الشكوى ولا يعلم أحد عنا شيئا، وكنت كلما هممت بطلب مساعدة من أحد يرفض زوجى بإصرار، ويطالبنى بالصبر، وكان يتحامل على نفسه، ويشتغل فى أعمال مرهقة من أجل أن يوفر لنا لقمة العيش, وذات يوم صحوت من نومى لأجد زوجى قد فارق الحياة تاركا لى عبئا ثقيلا، ولم نجد حلا أمامنا سوى أن يترك ابنى الأكبر تعليمه لكى يتولى مسئولية الأسرة، وهو يؤدى مهمته تجاهنا على أكمل وجه، وأدعو الله أن يزيده من فضله وكرمه.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
إن معايشة الآلام تزيد الأحزان يا سيدتي, ولقد تعودت على الصبر, ولم تلن عزيمتك أبدا على الرغم من المآسى التى تعرضت لها منذ أن كنت تعيشين فى موطنك الأصلى قبل انتقالك إلى القاهرة مع زوجك بحثا عن فرصة عمل تساعدكما على مواصلة الحياة, ولا شك فى أن إيمانك بالله، ورضاك بما قسمه لك، زادك قدرة على تحمل المصاعب التى شاء سبحانه وتعالى أن تتحمليها بعد رحيل زوجك، ومن ينظر إلى متاعب الآخرين تهون عليه متاعبه, فالدنيا مليئة بالمآسى والأحزان، وما أكثر الحالات القاسية التى أستقبلها يوميا، والتى يعانى أصحابها آلاما ويكابدون أمراضا أتعجب من قدرتهم على تحملها بنفوس راضية وقلوب مطمئنة, وسرعان ما أقول: لا إله إلا الله الذى أنزل السكينة على قلوبهم ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، وأنت ياسيدتى واحدة من هؤلاء الذين وعدهم الله بحسن الجزاء.
وأقول لابنك الأكبر الذى تحمل المسئولية بعد رحيل أبيه: ثق فى أن ما تفعله لأسرتك سوف يعود إليك أضعافا مضاعفة فى الدنيا والآخرة، وإياك أن تيأس, فالمؤمن الحق يعقلها ويتوكل على الله، فافعل ما تستطيعه، وسوف يوفقك الله فى حياتك، وأرجو أن تكون بما صنعته لأسرتك مثلا يحتذى به الجميع.
رابط دائم: