في الخامس والعشرين من يناير لهذا العام ، رحل سيد الكلمة العامية الودود الشاعر سيد حجاب ، فأستقبلته السماء بالورود بعد مسيرة من العطاء امتدت إلى مايزيد على نصف القرن ، فقد كان ميلاد ديوانه الشعري الأول «صياد وجنية» عام 1964. اختار سيد حجاب العامية لينظم بها أشعاره فهي تلك الكلمات القريبة من البسطاء و المثقفين
، لتتوغل وتنتشر بين الجمهور المصري والعربي ، فتستعين به الإذاعة المصرية ليقدم لها برنامج بعد التحية والسلام بالمشاركة مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ، ثم برنامجا عمار يامصر ، وأوركسترا ، إلى جانب كتابته أشعار المسلسل الإذاعي الكنز.
قدم سيد حجاب للمسرح مسرحيتي حدث في أكتوبر ، والمكعب الزجاجي. وفي منتصف السبعينات تقريبا بدأت أشعار حجاب تقتحم السينما والتليفزيون من خلال بعض الأغنيات نذكر منها للسينما أفلام : حنفي الأبهة ، المرشد ،الخاتم ، البداية ، لا تسألني من أنا ، وتوحيدة. أما دراما التليفزيون فكانت الفائز الأكبر بأشعار سيد حجاب فقد كتب أشعار عشرات القصائد سواء داخل حلقات المسلسلات أو لتتراتها ، إلى جانب أشعاره لفوازير حاجات ومحتاجات وألف ليلة وليلة.
تغنى بأشعار الراحل سيد حجاب كبار نجوم الغناء في مصر والوطن العربي في مجال الأغنية المستقلة نذكر منهم : فرقة الأصدقاء ، عفاف راضي التي قدمت ألبومين من أنجح ألبومات الأطفال في الوطن العربي وهما «أطفال أطفال» «وسوسة»، كما غنى أشعاره على الحجار ، محمد منير ، سميرة سعيد ، محمد الحلو ، شيرين وجدي وغيرهم.
كيمياء حجاب والشريعي :
كم الأعمال الذي قدمهما الكبيران في فنهما سيد حجاب وعمار الشريعي ولاقت نجاحا كبيرا يؤكد أن أشعار سيد حجاب كان بينها وبين موسيقى عمار الشريعي كيمياء خاصة كانت سببا في نجاح أعمالهما الكثيرة معاً ، فقد قدما كما كبيرا من تترات وأغنيات المسلسلات ، والأغنيات المستقلة التي قدمت في ألبومات كبار النجوم ، إلى جانب تجربتهما في ألبومي الأطفال اللذين يحملان عنوان «أطفال أطفال» و»سوسة» والتي كانت من أنجح التجارب الغنائية للطفل حتى يومنا هذا .
ومن أبرز تترات المسلسلات التي جمعت بين شعر سيد حجاب وموسيقى عمار الشريعي وصوت علي الحجار كان تتر مسلسل «الأيام» الذي أنتج عام 1979عن السيرة الذاتية لعميد الأدب العربي طه حسين ، وكلمات سيد حجاب الرائعة جسدت مضمون الدراما بوعي شديد في قليل من الكلمات التي تتسم بالعُمق والشمول ونذكر منها:
«أيام ورا أيام / لا الجرح يهدا ولا الرجا بينام / ماشي في طريق الشوك ماشي/ لكن جلبي مطرح مايمشي يبدر الأحلام / العتمة سور والنور بيتوارىَ/ وإيش للفجارىَ في زمان النوح/ مِتىَ تخطي السور يانوارة / ويهل عطرك ع الخلا ويفوح/ ويشدنا لقدام». وقد وضع الشريعي لحن هذه الكلمات في نغمات مقامات صبا وكرد وهما من المقامات التي تحمل شجناً بدرجات مختلفة ، إلى جانب مقام راست في جزء من اللحن بغرض تعبير اللحن عن البيئة التي نشأ فيها بطل المسلسل ، العزف المنفرد لآلة الناي في المقدمة والفواصل الموسيقية بين الكوبليهات في هذا اللحن أكد على حالة الحزن والشجن النسبي الذي طغى على دراما المسلسل. هكذا كانت العلاقة بين ألحان عمار الشريعي وكلمات سيد حجاب في جميع الأعمال التي قدماها لأغنيات الدراما التليفزيونية سواء كانت أغنيات داخل مضمون الدراما أو تترات مقدمة ونهاية لهذه الدراما ، والتي نذكر منها مسلسلات: أبنائي الأعزاء شكرا ، مبروك جالك ولد ، الشهد والدموع ، عصفور النار ، أرابيسك ، العائلة ، وقال البحر ، أميرة في عابدين ، شرف فتح الباب ، أوبرا عايدة ومن أغنيات الأفلام الهامة التي جمعت بين كلمات سيد حجاب والشريعي الأغنية الرائعة «حبيبتي من ضفايرها طل القمر» التي قُدمت في فيلم كتيبة الإعدام وتقول كلماتها: «حبيبتى من ضفايرها طل القمر/ وبين شفافيها ندى الورد بات/ ضحكتها بتهزالشجر والحجر/ وحنانها بيصحي الحياة فى النبات/ حبيبتى بتعلمنى أحب الحياة/ من حبى فيها حياتى شمس وربيع/ والحب فى الدنيا دى طوق النجاة/ لولاه يضيع قلب المحب الوديع/ يا حلوة يا بلدنا يا نيل سلسبيل/ بحُبِك انتِ رفعنا راسنا لفوق«
وإذا ما‘نتقلنا إلى نموذج آخر من أعمال هذا الثنائي الناجح حجاب والشريعي في مجال الأغنية المستقلة نذكر أغنيات فرقة الأصدقاء التي أسسها عمار الشريعي ومن أهمها أغنية (الحدود) وهي من الأغنيات الوطنية القومية والتي تقول كلماتها «وإحنا فايتين ع الحدود/ مستمرين فى الصعود/ إختفى النيل الجميل من تحتنا/ والمدن والريف وأول عمرنا/ وأبتدى شئ ينجرح جوه الوجود/ وأبتدينا أسئلة مالهاش ردود/ ميلنا ع الشباك نخبى دمعة فرت مننا»
وأغنية (الأيام) وهي أيضاً من الأغنيات الوطنية القومية والتي تقول كلماتها
«مع الأيام بنتعود/ على التوهه وع الأحزان/ وبعد التوهه بنحود/ و نرمي الجرح للنسيان/ ومهما ننسى ما ننسى/ حنانك يا حبيبة الروح/ وباقية فى قلبنا لسه/ و لو كان الفؤاد مجروح/ ومهما يكون لبتهوني ولا بتهون لياليكي/ وفوق الجرح بتكوني / وبيهون عمرنا ليكي/ يا واحة راحة الحيران/ يا مية عمرنا العطشان/ يا أرض الحب والانسان».
جاء لحن هاتين الأغنيتين في نغمات مقام نهاوند ذي الطابع العاطفي. أستخدم الشريعي في الأغنية الأولى إيقاعات المارش العسكري في ميزان ثنائي بسيط ، والمصمودي الصغير ، والوحدة الكبيرة. وفي الأغنية الثانية استخدم إيقاعات الوحدة السائرة والوحدة الكبيرة. وقد مزج الشريعي في أغنيات فرقة الأصدقاء بين آلات الباند الغربي وبعض آلات الموسيقى العربية مثل مجموعة الكمان والعود والرق .
خاض الثنائي سيد حجاب وعمار الشريعي تجربة الكتابة والتلحين للطفل فقد قدما لنا مجموعة أغنيات رائعة للأطفال من خلال ألبومي «أطفال أطفال» وسوسة من غناء المطربة عفاف راضي ، ومازالت هذه الأغنيات تتداولها الأجيال بالرغم من مرور الزمن وظهور أغنيات أحدث منها للطفل ، ولكن استخدام سيد حجاب لمفردات من المأثور الشعبي المصري مرتبط بالطفل مثل : هم النم ، تاتا ، بريلا بريلا ، حادي بادي ، سوسة ، هوو ننة ، حابا حابا.
هكذا غنت أشعار الراحل سيد حجاب بألحان عمار الشريعى ، فخاطبت أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ، أبكتنا وأسعدتنا ، حمستنا وهدهدتنا ، فاجأتنا وعلمتنا ، وفي الغربة آنستنا ، وبأصوات وألحان مختلفة لامستنا .
رابط دائم: