رجل يتخذ من كلمة «الحرية» ستارا لنشر أفكاره ومعتقداته المتطرفة البغيضة التى تثير الفتنة وتحض علي الكراهية، فهي بمثابة دعوات غير مباشرة للقتل والعنف.. فالحرية مجرد كلمة يتشدق بها دوما،ومفهومها لديه يسير في اتجاه واحد، هو أن يعبر عن آرائه ومعتقداته هو فقط متجاهلا آراء ومعتقدات وحريات الآخرين ..فهو متطرف يخرج بين الجموع متظاهرا في ثوب البطل المغوار الذي يجازف بحياته من اجل الحفاظ علي هوية بلاده.. أنه السياسي الهولندي ومؤسس حزب «من أجل الحرية»، جيرت فيلدرز، ذلك الرجل الذي يتصدر المشهد السياسي في هولندا لقرب الانتخابات البرلمانية، والتي ستعقد في ١٥ مارس القادم.
تحت شعار «هولندا ستعود لشعبها مرة أخري» أطلق فيلدرز حملته الانتخابية، التى لا يعرض من خلالها خططه واهدافه المستقبلية الخاصة بالتنمية والتطور الاقتصادي أو السياسي، بل يستغلها فقط لإهانة المهاجرين العرب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، حيث يتطاول علي الإسلام، مستغلا الجرائم التي يرتكبها داعش، حتى أنه أعلن في حال فوزه بأكبر عدد من المقاعد وتشكيل الحكومة، سيقوم بإغلاق المساجد، ووقف الهجرة من الدول الإسلامية وإغلاق الحدود، وسحب جميع تصاريح الإقامة المؤقتة الممنوحة للاجئين الحاليين، وإغلاق معسكرات اللجوء، ومنع ارتداء الحجاب في الوظائف العامة، ومنع المقاتلين في سوريا من العودة الى هولندا، وطرد عدد كبير من العرب والمسلمين، وعلي رأسهم المغاربة، الذين طبقا لمركز الإحصاء الهولندي «سي بي إس» يتجاوز عددهم في هولندا الـ ٣٨٦ الف نسمة، من بينهم الكثيرون ممن قدموا الكثير لهولندا وتبوأوا مناصب رفيعة، ومنهم خديجة عريب رئيسة البرلمان الهولندي وأحمد أبو طالب حاكم بلدية روتردام، ثاني أكبر مدينة بعد أمستردام، وغيرهما، فهم أكبر جالية عربية بالبلاد، يليهم الأتراك ثم العراقيين والأفغان، ويشكل المهاجرون حاليا نحو ١٠ % من اجمالي السكان، الذين يصل عددهم لنحو ١٧مليون نسمة.
والغريب في الأمر أن فيلدرز، ذلك الرجل ذو الشعر الأصفر غير المتساوي، والذي يشبه ترامب، ليس في الشكل فقط بل في الآراء المتطرفة والعنصرية تجاه العرب والمسلمين مما جعل البعض يطلقون عليه «ترامب هولندا» وربما أشد قسوة، تناسي أن والديه جاءوا لهولندا مهاجرين، فوالده ألماني ووالدته أندونيسية، تزوجا واستقرا في هولندا وانجبا فيلدرز في مدينة فينلو عام ١٩٦٣، والذي بعدما أنهي المرحلة الثانوية سافر لاستكمال دراسته الجامعية في إسرائيل، ثم عاد لهولندا وهو يحمل الكثير من الأفكار الصهيونية المتطرفة، وأولها العداء الشديد للعرب والمسلمين. وقد كان أول ظهور سياسي له في عام ١٩٩٧ حينما أصبح عضوا في البرلمان ممثلا عن حزب «من أجل الحرية والديمقراطية»، الذي كان عضوا به منذ عام ١٩٨٩.
ولكن لم يكن فيلدرز معروفا وليس له أى دور مؤثر حتي عام ٢٠٠٢ حينما أصبح المتحدث الرسمي باسم الحزب، ولكن بسبب آرائه المتطرفة التي كان يظهرها للعلن، والتي جلبت الكثير من المشاكل للحزب، فقد طرد منه في عام ٢٠٠٤، وفي العام ذاته قام بتأسيس حزب خاص به وهو حزب «من أجل الحرية»، وفي عام ٢٠٠٦ فاز الحزب بـ ٩ مقاعد من أصل ١٥٠ مقعدا في البرلمان.
ورغم عدم فوز فيلدرز سوى بـ ١٥مقعدا فقط في الانتخابات الأخيرة التى جرت في عام ٢٠١٢، في حين حصل حزب «من أجل الحرية والديمقراطية» مع حزب العمل بأكبر نسبة من المقاعد، والتى بلغت ٨٠ مقعدا، إلا أن فرصته في الانتخابات القادمة أكبر، وذلك لزيادة شعبية حزبه حيث حصل علي المركز الأول في استطلاعات الرأي التى اجريت مؤخرا بحصوله علي نسبة تأييد كبيرة متفوقا علي حزب «من أجل الحرية والديمقراطية» الحاكم، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي مارك روته، كما انه طبقا للاستفتاءات التى أجراها مركز «بيلينج ويجر» الهولندى، فإنها ترجح فوز حزب «من أجل الحرية» بـ ٢٤ إلى ٢٨ مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة ١٥٠، وترجح فوز حزب «من أجل الحرية والديمقراطية» الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء الحالي مارك روته بـ ٢٣ إلى ٢٧، وتكتل «اليسار الأخضر من ١٥ إلى ١٧ مقعداً و»الحزب المسيحي الديمقراطي» بـ ١٦ إلى ١٨ مقعدا.
وعلى الرغم من الثقة الواضحة لدى فيلدرز، الا إنه لن يستطيع تشكيل حكومة بمفرده، حيث عادة ما تتشكل الحكومات الهولندية من قبل إئتلاف بين حزبين أو أكثر، إلا أنه لا يوجد أي حزب من الاحزاب الهولندية يؤيد برنامج فيلدرز الانتخابي، ولكن لو حقق فيلدرز مفاجأة كتلك التي حققها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد يشكل الحكومة فى حالة حصوله على ٧٦ مقعدا أو أكثر، أو لو نجح فى إقناع أحد الأحزاب المنافسة بالائتلاف معه، مقابل تقديم بعض التنازلات عن بعض وعوده الانتخابية المثيرة للجدل والغضب.
وها هي أيام قليلة ويتوجه نحو ١٣ مليون هولندي إلى صناديق الاقتراع، فالكلمة الاخيرة لهم.. ولكن هل سينجح فيلدرز في انتزاع أكبر عدد من المقاعد، وإذا نجح هل سيكون حقا عام ٢٠١٧ هو عام صعود أحزاب اليمين المتطرف وإعتلاءه عروش القارة العجوز؟.
رابط دائم: