رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صالون الأهرام الثقافى يُناقش «المواطنة والهوية»

متابعة ــ دعاء جلال ـ رانيا رفاعى رحاب محسن ـ مى إسماعيل
واستضاف الصالون، د.جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، والدكتور «محمد عفيفي» رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، والمفكر د.سمير مُرقص، والدكتور سامح إسماعيل الباحث فى العلوم السياسية، وأدار اللقاء د.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق الذى وصف «صالون الأهرام الثقافي» بالحدث الثقافى المهم، وأشاد بإقامته شهريا فى جريدة تُعرف على مر العصور بتمسكها بالمبادئ الأساسية للتنوير، مثل حرية التفكير والإبداع والعقلانية، والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وترتبط بها الثقافة والتنوير، والاستمرار فى هذه اللقاءات الفكرية يعنى استمرار للرسالة المعنية بها »الأهرام«.

وتوقف «عصفور» إلى أن مصر تواجه مشكلة أساسية فى أن العقول المضادة للدولة المدنية الحديثة تعمل جاهدة لتدمير مايسمى الذاكرة الوطنية، التى إذا دُمرت سيكون الطريق ممهدا أمام العقليات الإجرامية، لذا لابد أن نسترجع دائماً أمجاد مصر وتاريخها التنويرى العظيم، ففى عام 1936 كتب مفكر مقالا بعنوان «لماذا أنا ملحد؟»، ورد عليه أحد علماء الدين المستنيرين فى مجلة الأزهر بمقالة «لماذا أنا مؤمن؟»، وكان حوارا فى غاية الرقى والتحضر والاعتراف بحق الإختلاف، وفى ثورة 1919 رُفع شعار «الدين لله والوطن للجميع».
ويرى د.جابر أن مصر تمر بهجوم عنيف لطمس وتشويه ذاكرتها الثقافية، ولابد فى مواجهة هذا الخطر أن نعيد بعث وإحياء الذاكرة الثقافية، وذكر شيخ الأزهر الذى أمر بتدريس الفقه الجعفرى الشيعي، واعتباره مذهباً خامساً من المذاهب الإسلامية، ويرسل أحد تلاميذه إلى فرنسا فيذهب الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى ويعود من هناك بعد خمس سنوات ليقدم لنا كتابه «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» الذى تحدث فيه عن الدستور الفرنسي، وكانت فيه نصوص خاصة بالمواطنة تنص على أن الحاكم ليس له على المحكوم أى سلطة أو سيادة، وإنما السيادة للوطن كله والمواطنين جميعاً، وأن العدل أساس الملك، ونشر الطهطاوى هذه الأفكار فى ربوع الوادي، لهذا كتب عنه «نعمان عاشور» مسرحيته الشهيرة وجعل عنوانها «بشير التقدم»، وأشار «عصفور» إلى أن ثورة 1919 هى التى وضعت الأسس الأولى لمفهوم الوطن والمواطنة.



واستهل محمد عبد الهادى علام رئيس تحرير الأهرام، كلمته بشكر الحضور، وذكر سبب اختيار «موضوع المواطنة والهوية» لهذا الشهر نزولا على إجماع جمهور افتتاح الصالون الشهر الماضي، وهو متسق مع خطاب «الأهرام» على مر تاريخها منذ نشأتها، وأكبر دليل على سماحة الشعب المصري، وثقافته العامة، واعتبارها صحيفته رقم واحد على مر العصور على الرغم من أن قام بتأسيسها غير مصريين وغير مسلمين، وهذا يعكس إيمانه بالتعددية، وقيم المواطنة، وهى فكرة لها عمقها فى الشارع المصري، وهذه الرسالة تبناها «الأهرام» عبر تاريخه، كما جاء فى مقالة «رسالة الأهرام» لرئيس تحريرها «عزيز ميرزا» اللبنانى الجنسية بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء «الأهرام»، التى قال فيها: «.. فنادت الأهرام ردوا الله إلى الشعب، وردوا الشعب إليه، ثم تولوا الدفاع عن حقوق الله لأن حقوق الإنسان مستمدة من حقوق الله، وتلفت الفتيان الحائرين يطلبون وميض نار فى رماد الفوضى الفكرية أو الإباحة الخلقية، الفتيان الذين علموا كيف يستخدمون سواعدهم لا يعلمون كيف يستخدمون قلوبهم، فدلتهم الأهرام إلى القمم من المُثل العليا»، «هى المثل العليا التى تيقظ على نغمها الوعى القومي، وبروحها اشترعت الأهرام إستقلالها فى الرأي، ونضالها فى الحق، فكان استقلالها ترفعاً فوق مايحجب الأفق من تراب ودخان، وكان نضالها تقديساً لقيمة الانسان». وقرأ فقرة أخرى من مقال للراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل كتبها حين حاول البعض إثارة فتنة بأن أقباط مصر أقلية، فرفض ذلك وقال عبارته الشهيرة «إن أقباط مصر جزء من النسيج الوطنى مثلهم مثل المسلمين، فمواطنى مصر نسيج واحد»، ورفض هيكل وقتها مصطلح ما يسمى الوحدة الوطنية وعنصرى الأمة، وتلك العبارات التى تفرق الكيان الواحد، وذكر فى أحد مقالاته أن مناقشة هذا الموضوع «تتم بجهد مركز ومكثف لاستخلاص وانتزاع آراء وإجتهادات تدخل فى أغلب الأحيان فى تشكيل مواقف وسياسات، ومن هنا فإن الشفافية إلى أقصى درجة تصبح من حق الناس إذا كان مطلوباً منهم أن يقولوا وأن يشرحوا». ودعا هيكل فى مقاله إلى الالتزام بأصول المواطنة والقواعد التى تراعى بالمعرفة المسبقة بموضوع البحث، وأكد «علام» أن هذا هو نهج صالون الأهرام.



واستهل د.جابر نصار كلمته بأن »الأهرام صرح ومنظومة ثقافية وطنية رائعة، ومنبتا للمفكرين والمبدعين والكُتاب «، ورأى أن من الطبيعى أن تكون «الأهرام» منبر لمناقشة القضايا المهمة، وعرض تجربته فى لجنة المائة التى صنعت الدستور الذى واكب حكم الجماعات الإسلامية، وكيف أنه انسحب منها وقت إعلان تشكيلها، وعودته إليها حين أدرك أن السباق يسير بخطى متسارعة نحو إصدار الدستور، ووجد نفسه بمواجهة نصوص كانت تنال من فكرة الدولة المدنية والمواطنة بصورة كبيرة، وفتحت التجربة ذهنه على نقاط شديدة الأهمية جعلته يفهم كيف يفكر هذا التيار.
وبين «نصار» أن دستور 2014 اهتم بفكرة المواطنة فى الحقيقة اهتماما لم يصل إليه دستور مصرى قبله، ولا فى أى دولة عربية، ففى دساتير الدول المتقدمة والدول الأوروبية لم يهتموا كثيراً بهذه النصوص لأن هناك واقعاً أقوى من النص، أما فى الدول العربية فالنص يكون أقوى من الواقع، وهى نصوص مقيدة تنال من الحقوق ومن ضمنها حق المواطنة، و فى جميع الأحوال فإن نصوص الدساتير ليست ضامنة بنفسها لحماية الحق، ولكن أيضاً كل إصلاح فى الدولة لابد أن يكون إصلاحا قانونيا وتشريعيا سواء كان دستوريا أو قانونيا، ودستور 2014 اهتم بتأصيل المواطنة باعتبارها حقاً أساسياً ومحورياً تدور فى فلكه كل الحقوق والحريات، بمعنى أننا فى الفقه الدستورى دائماً نتحدث عن حق أساسى وحق يدور فى فلك هذا الحق الأساسي، ولذلك إذا تم الانتقاص فى حق المواطن فيتم بالتبعية الانتقاص من منظومة حقوق أخرى مرتبطة إرتباطا لا يقبل التجزئة أو مكملة لهذا الحق الأساسي، فإذا ما جُرح حق المواطنة يصبح الحديث عن حقوق أخرى مثل حرية الإعتقاد والفكر والرأى حديثا لاجدوى منه، فلابد من إصلاح الأصل لينتظم الفرع، ويقول أيا ما كان المفهوم الثقافى لفكرة المواطنة باعتبارها حقاً وضرورة حياة للإنسان فى أرضه ووطنه فإنه من المؤكد أن المواطنة فكرة جامعة وحق أساسى ينبثق منه ويتبلور فيه كل الحقوق والحريات الأخرى التى تتقرر للإنسان، فالفقه الدستورى يقسم الحقوق إلى حقوق أساسية وهى لابد أن تكون مصانة، وتدخل الدولة فيها لا يكون أبداً بالتقييد، فكل حرية من الحريات لا يمكن أن تكون مطلقة إلا بعض الحريات الأساسية كالحق فى المواطنة، والعلاقة التبادلية بين المواطنة والولاء تمثل قيمة حقيقية فى العلاقة بين الوطن ومواطنيه، ففى دستور 2014 تأسست فكرة المواطنة على المادة 53، وكان لهذه المادة ظلال فى النصوص الدستورية، فكانت حاضرة وبقوة وأحدثت تغييراً جدياً فى البناء الدستورى لفكرة المواطنة فى الدستور المصري، وهى تتحدث عن مبدأ المساواة «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر»، فهذا النص أكد منظومة تتعلق بحقوق المواطنة قائمة على المساواة بين المواطنين ولا يجوز التمييز بينهم لأى سبب، والدولة تلتزم بالتدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وهذا النص الذى لم يعرفه النظام الدستورى المصرى بهذا التفصيل من قبل، ساعد على إرساء مفهوم المواطنة الصحيح، ورغم أن الفقرة الأولى انتهت بمنع التمييز لأى سبب، فإن كل الأسباب التى ذكرتها كانت للتأكيد وبدأت بالدين والعقيدة والجنس، وهذا التأكيد جاء بسبب المناخ الذى أنتج فيه هذا الدستور، فالنص الدستورى لابد أن يكون حازماً فى حماية حق المواطن ضابطاً لكل منابت التمييز محذراً ومجرماً لها، ولم يكتف هذا الدستور ببسط الجنسية لكل مولود لأب مصرى أو لأم مصرية، بل أضاف الاعتراف القانونى له ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، وكذلك تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق، وفيما يتعلق بالوظائف العامة إعتبرها حقا على أساس الكفاءة وليس المحاباة أو الوساطة، وغيرها من مواد فى الدستور تحمى فكرة المواطنة، فالقانون الجيد الذى يحمى الحقوق ويصون الحريات ويحمى الوطن من التفكك». وطالب الدكتور جابر نصار البرلمان بإصدار التشريعات اللازمة لصيانة وحماية حق المواطنة وفقاً لنصوص دستور 2014. وختم حديثه بالإشارة إلى أهمية مؤسسات التعليم فى إرساء قيم المواطنة، فبلا شك مشكلة مصر الأساسية هى التعليم، وشبه مصر بمثلث قاعدته التعليم وأحد أضلاعه الثقافة والضلع الثالث الفن، وأكد أن الفكر المتطرف إذا اخترق مناهج التعليم أو حاصرها يؤدى إلى تفريغ المنظومة من مضمونها، ويصبح التعليم شكلاً بلا مضمون، وأشار إلى أن تجربته مع جامعة القاهرة قامت على قناعة ان الطالب المتطرف لايمكن تعليمه، فهو يحصل على شهادة فقط بأى طريق يسلكه ولكن دون تعليم، فنحن حاربنا التطرف فى الجامعة بالفن.


وانطلق الدكتور محمد عفيفى من «أهمية دراسة الماضى لفهم تفاصيل الحاضر ورسم المستقبل»، ليستعرض إسهام ثورة 19 فى تأسيس مفهوم المواطنة المصرية فى التاريخ الحديث، و كانت لحظة ميلاد حقيقية للقومية المصرية، وهنا أذكر كيف كان للأستاذ «محمد حسنين هيكل» دور مهم وفعال فى إعادة قراءة التاريخ بعد 67، حين احتفل عام 1969 بمرور خمسين عاما على ثورة 19 وتحدث وقتها بشكل رائع وسبّاق حول ضرورة استمرارية التاريخ المصرى والثورات، ليرد الاعتبار من جديد لهذه الثورة بعد الهجوم عليها.


وعن تاريخ معرفته بثورة 19 أوضح «عفيفي» أن البداية كانت مشاهدته فيلم «بين القصرين»، وتعلقه من صغره بلقطات الثورة، خاصة مشهد القس وهو يعتلى منبر الأزهر، وحين أصبح أستاذا فى التاريخ لاحقا بحث كثيراً عن شخصية هذا الرجل، وهو «القمص سرجيوس» الذى أسماه الزعيم «سعد زغلول» «خطيب الثورة»، لأنه كان يخطب بصمود وشراسة طوال ثورة 19 من على منبر الأزهر من أجل الثورة المصرية، لهذا نفاه الإنجليز إلى رفح بصحبة الشيخ «مصطفى القاياتي».

وعن كيف عالجت ثورة 19 النزاعات الطائفية قال عفيفى : لقد داوت كثيرا من جراحات الطائفية التى أوجدتها القوى الاستعمارية، فاجتمعت الأمة بدياناتها المختلفة على الهوية العربية الإسلامية لمصر، وتم النص على ذلك فى دستور سنة 1923 الذى رفض الأقباط عند إعداده فكرة التميز الإيجابى للتعارض مع مفهوم المواطنة. فهذه الثورة كانت اللحظة الفارقة فى التاريخ المصرى التى شكلت القومية المصرية والوحدة الوطنية فى الحركة المشتركة للأقباط والمسلمين فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، بعد الثورة أصبحت الأمة بأكملها تتكلم باسم مصر وليس الدولة العثمانية. أثناء الثورة حاول الإنجليز كثيرا فض هذه الوحدة المشتركة عبر كثير من الحيل مثل تعيين «يوسف وهبي» باشا القبطى رئيساً للوزراء ليتم اغتياله ليكون بابا للفتنة، لكن حيلهم كلها فشلت.


وعن أهميةالأشياء المهمة التى ترتبت على ثورة 19 أوضح أن القيادة الوطنية بزعامة «سعد زغلول» كانت واعية منذ البداية بأهمية الوحدة الوطنية، فعندما ذهب وفد من الأقباط لـ «سعد» لاستيضاح دورهم قال جملته الشهيرة «الأقباط لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، ومن وقتها شارك الأقباط فى الحياة السياسية بقوة ووطنية فى هذه الفترة، وتواجدوا بشكل طبيعى وملحوظ على الساحة السياسية كلها، وفى جميع المراكز القيادية، حيث انتُخب «ويصا واصف» رئيسًا لمجلس النواب، ووصلت نسبة تمثيل الأقباط فى البرلمان من 8% إلى 10% وهذه أعلى نسبة تمثيل فى الدستور الأخير.

واختتم الدكتور عفيفى كلمته قائلاً: «ألقيت الضوء على بعض الملامح التاريخية لثورة 19 لأهميتها فى إرساء قيم المواطنة والوحدة، وإعداد دستور 23 الذى كان من أعظم الدساتير على مستوى العالم فى ذلك الوقت، ووضع قانون الجنسية المصرية بعد أن كانت تحت الحكم العثماني، وكانت سبَّاقة بشكل كبير ليس فقط لدول المنطقة العربية لكن للدول الأوروبية أيضاً بهذا الدستور والتراث المهم والعظيم».


وقدّم د.سمير مرقص ورقة بحثية عن «مفهوم المواطنة فى الركب الحضارى متعدد الهويات»، تحدث فيها عن حراك الطبقة الوسطى المصرية من 1919 إلى 1969، فى بُعدها المدنى والسياسى قبل دستور 1952، وبعدها الاجتماعى والاقتصادى بعد ذلك. وأشار إلى أننا »نقرأ تاريخ مصر دائما من خلال تاريخ حكامها، وليس تاريخ الشعب وحركة المجتمع وهذا خطأ كبير، فعلى مر العصور تعد التجربة المصرية فذَّة فى قضية استيعاب العناصر المتنوعة من إغريق ورومان وعرب وعثمانيين وغيرهم، إلى الدولة الحديثة. وكتاب «تكوين مصر» للكاتب «محمد شفيق غربال» من أفضل و أبسط الكتب التى قدمت رؤية مُركزة للتاريخ المصري، وكيفية استيعاب البلد لعناصرها المتنوعة والمختلفة، وتمنى «مُرقُص» معالجة هذا الكتاب حسب المراحل العمرية المختلفة للتدريس فى كافة المراحل لمعرفة الطبيعة المركبة للعناصر المصرية المختلفة، «لأن المناهج التعليمية الفلسفية والفكرية فى مصر والعالم العربى للأسف تركز على المعنى الساكن للهوية»، وكأنها شيء ثابت لا يتغير وهذا أمر غير صحيح، وكل النظريات الحديثة أظهرت أن الهوية متغيرة بقدر تحرك الإنسان، فحين يتحرك الانسان إيجابيا تصبح الهوية إيجابية، والعكس صحيح بمقدار تحرك المواطن يكون حصاده، فالهوية بشكل مبسط «من أكون أنا وكيف أقوم بتقديم نفسي، وهنا تكمن حركة المواطنة، فالمواطنة هى حركة المواطن على أرض الواقع، من أجل اكتساب الحقوق المتنوعة».

وقال إنه يجب ألا تقتصر حدود المساواة على الجنس أو الدين فقط فهناك تسعة أنواع أخرى من الحقوق يجب الاهتمام بها من اجتماعية وثقافية وعرقية وغيرها من الحقوق التى تختلف باختلاف الواقع. فكل مواطن عليه مسئولية تطوير الهوية وما بها من حقوق مرتبطة بلحظة تاريخية معينة والواقع المحيط، وقدم مثالا على ذلك دستور 1923 وكيف كان مذهلاً وقتها فى نطاق الحقوق السياسية والمدنية لمصر، بينما تراجعت الحقوق السياسية والمدنية لحساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى دستور 1952. و أوضح أنه لابد من ضمان وجود أربعة شروط أساسية لتفادى مشكلات المجتمع، وهى سياسات الاعتراف ببعضنا البعض، وقبول الآخر والدمج والتمكين.

وفى بداية كلمته أكد الدكتور «سامح اسماعيل» أنه يجب ضبط المفاهيم و «التفرقة بين المواطنة والهوية»، «فالمواطنة بالانتساب الجغرافى للوطن وحدود أراضيه»، أما «الهوية فهى بالانتساب الثقافي» بمعنى أنه يمكن أن أكون مواطنا، والمواطنة تتحقق فى الانتماء لهذا الوطن، لكن هوية كل مواطن تختلف عن الآخر وفقاً للخلفية والبيئة الثقافية لكل فرد بالمجتمع وفى الوقت نفسه نعتبر جميعاً مواطنين فى دولة واحدة.

فالمفاهيم تتخلق وفقاً للبنية المكانية والثقافية والاجتماعية للإنسان، وكل فرد يمكن أن يحدد مفهوم الآخر وفقاً للظروف الحالية التى يعيشها، كما قال «جيل دولوز»: «أنه لا توجد مسميات للمفاهيم، بل هى قابلة للتجدد والتشكيل بصورة دائمة». وأعطى مثلاً من عشرينيات القرن العشرين لعالم الاجتماع الأمريكى «كولن» الذى يعد الأب الروحى لحركات التعددية الثقافية حين أطلق «صيحة تنديد بمبدأ الشخصية الأمريكية» ليخرج بمفهوم التنوع والتعددية الثقافية الواجب احترامها داخل المجتمع الواحد.


حيث يتحقق مبدأ التنوع من خلال الهدف المشترك للجماعة، فحين تكلم العالم العظيم «جمال حمدان» عن شخصية مصر من سكان البحر المتوسط الفينيقيين ومن الشرق الهكسوس إلى آخره وكان يقول «الكل ينصب فى الشخصية المصرية»، وعليه يمكن تحقيق مبدأ التنوع من خلال الهدف المشترك لجماعة بشرية تجمعها بنية جغرافية ومكانية واحدة و مصالح مشتركة ترسخت عبر تاريخ ممتد. ويتمدد المفهوم بحيث يتجاوز حيز الجماعة الواحدة (دينية/عرقية) إلى مفهوم (الأنا) المتمايز عن الذات الواحدة المهيمنة، وبالتالى استيعاب الفروق الفردية واحترامها وقبول هذا التنوع فى القدرات و الإدراك والمعتقدات والتوجهات الاجتماعية و الدينية والايديولوجية، فى ظل الاحترام المتبادل للأطر القانونية الحاكمة والحامية لسلامة المجتمع و حرية الآخرين.

ولأهمية الأمر جاء الإعلان العالمى للتنوع الثقافى الصادر عن هيئة اليونسكو فى الدورة 31 لمؤتمر العام سنة 2001م ليضع قاعدة قانونية تلزم الدول الأعضاء باحترام التنوع الثقافى بكل أشكاله. فى حين أنه يمكن رصد على اتساع خارطة العالم العربى قدراً هائلاً من التنوع الديني/الطائفى والعرقى رغم ما يدعيه الخطاب الرسمى من وحدة دينية تجمع كل العرب تحت لوائها، متخذا مصر مثالاً فى التنوع الدينى غير المتمثل فى الدين الإسلامى والمسيحى فقط بل مؤكداً على وجود تنوع داخل المذهب الواحد بين سنة وسلفية وصوفية، وشيعة وإمامية وزيدية ومسيحية وأرثوذكسية وإنجيلية، و غيرها كثير. فيجب قبول هذا الآخر و قبول حقوقه فى بناء المجتمع حتى نخلق ذات واحدة تحترم الجميع.

وبعد انتهاء المتحدثين على المنصة من كلماتهم، فتح د.عصفور الباب للحضور للمناقشة والمداخلات. فكان أول المتحدثين الدكتور جمال عبد المحسن الذى طالب رئيس تحرير الأهرام بأن تتبنى الجريدة كما عهدنا دورها التنويرى بإحياء الذكرى المئوية لثورة 1919، بعدما اتضح من كلمات المنصة الدور الذى لعبته هذه الثورة العظيمة، وما يمكن أن يفعله التذكير بها من تكريس لروح المواطنة بين المصريين و تعزيزها. وبادر محمد عبد الهادى رئيس التحرير: »سنضع هذه النقطة فى الاعتبار بسياسات الجريدة التحريرية«

وأثار الدكتور أكرم لمعى نقطة ارتباط الهوية بالوطن والأرض، قائلا إن خير دليل على ذلك ما عاشته الأمة المصرية أثناء الاحتلال البغيض لشبه جزيرة سيناء. والتنوع فى الهوية من أهم المكونات الحضارية التى تحرص عليها العديد من الأمم مثلما يحدث فى دول مثل الإمارات، وأمريكا، وعودة التنوع للهوية المصرية أحد أهم مقومات استمرار و تعزيز مفهوم المواطنة.

وتحفظ الكاتب الصحفى صلاح سالم على ما طرحه د.مُرقص قائلا إن هناك استراتيجتين لتعريف المواطنة إحداهما موجبة و أخرى سالبة، الموجبة هى أن تترك الدولة المواطن ليقوم بتعريف دوره ومفهوم المواطنة من وجهة نظره، وتقدم هى الأخرى تعريفها فى هذا الشأن، والاستراتيجية السالبة هى التى تنبع من لحظات الضعف التى تمر بها الأمم، وعلى الصعيد الفلسفى هناك تعريف الفرنسى «إدوارد دوركايم» و هو أن تجربة الاجتماع الانسانى المفترض على أرض وحدود ودولة وأبرز النماذج على ذلك الأمريكي.

وقال إنه يختلف مع طرح الدكتور مُرقص حول أن الهوية المصرية استوعبت مختلف الجنسيات والهويات الوافدة إليها من هكسوس وتتار وغيرهم، وقال إن استيعاب الهوية هو استيعاب التعدديات المختلفة، لكن ما حدث فى الحالة المصرية هو أن هذه الوفود أثرت بالسلب على الهوية المصرية، وبالنظر إلى النموذج الصينى وقدرته على الحفاظ على هويته رغم المتغيرات التى طرأت عليه عبر تاريخه الطويل استطاعت الأمة الصينية الحفاظ على هويتها الأصيلة، بينما مصر التى تملك حضارة أقدم و أعرق لم تستطع ذلك وهذه إشكالية استمرار الهوية.

واتفق عدد كبير من المشاركين على ضرورة انتقال التوعية بموضوع الهويةمن المنصات إلى التعليم، خاصة فى المرحلة العمرية من 9 إلى 12 عاما.

وقال د.مدحت خفاجى إن التجربة الصينية فى هذا الصدد أثبتت نجاحا فاعلا حيث أصبح هذا الجيل قادرا فيما بعد على توجيه المجتمع بأكمله و ليس تأمين مستقبل الأمة فحسب.

وشارك د.فرحان صالح رئيس تحرير مجلة الحداثة اللبنانية (ضيف الصالون) بكلمة قال فيها إن هناك صراعا ضمنيا بين القانون والأعراف إلى يومنا هذا، ومن يتابع جلسات الحوار يجدها تحمل مضامين عرفية أكثر منها قانونية، واللغة العربية هى الأخرى إحدى أهم مكونات الهوية، وأشار إلى الأمازيغ الذين لم يتبق منهم سوى لغتهم الآن.

وقال القمص إنجليوس راعى كنيسة المغارة إنه يفضل أن يكون طرحه أكاديميا لأننا منذ فترة طويلة لا نقدم سوى أحاديث فقط. فالمشكلة هى كيف تُشكَّل الهوية؟ موضحا أن الوالدين هما المسئولان عن تشكيل هوية الطفل فى الخمس سنوات الأولى من عمره، وفقا لما نشأت عليه أسرته سواء من خلال الجامع أو الكنيسة أو شارع أو ثقافة أو غيره، ثم المدرسة، فالجامعة والتى غالبا ما يذهب إليها الشخص وشخصيته شبه مكتملة والتعويل على دور الجامعة فى تغيير فكره وثقافته لا يكون كبيرا، والنتيجة التى نصطدم بها الآن هى أننا بتنا أصحاب هوية ممسوخة ولا توجد سياسات تدير بوضوح الشكل الذى يجب أن تكون عليه هويتنا.

واهتم محمد الخولى بالتعليق على فكرة «القومية العربية» بحماسة شديدة مشيرا إلى أنها لم تكن وليدة لتصنيف اثنى أو عرقى أو ديني، وأضاف إن اللغة العربية هى ضمانة اجتماع الأمة على فكرة القومية العربية وهو بالضبط ما حدث فى ألمانيا ما بعد النازية.

واعتبر أحد المشاركين (طالب جامعي) إن تمثيل الشباب فى الجلسة ليس كافيا، مؤكدا أن مفهوم المواطنة بالنسبة لجيله يختلف تماما عما يدور حوله الحوار. وقال: «المواطنة بالنسبة لى هى حقوقى التى لا أستطيع أن أحصل عليها من تعيينات ووظائف وفرص».. و قال إنه وأقرانه لا ينظرون لمشكلة الأقليات، ويمكنهم الجلوس معهم والأكل معا من طبق واحد، لكن المشكلة الحقيقية هى أن الطبق ليس موجودا بالأساس. وترسيخ مفهوم المواطنة يستلزم تدريس مناهج التاريخ لجميع طلاب الجامعات بعدما لمسه من جهل حقيقى بين الجامعيين فى كليات القمة وغيرها بتاريخ وطنهم.

وقال سيد موناليزا (صاحب محل بقالة): «لو عبدت الأوثان لو قرأت القرآن لو حملت الصلبان هذا أمر لا يخصنى .. أنا يخصنى أنك انسان».

وتحمست المذيعة غادة الشريف للدفاع عن »ماسبيرو« (إتحاد الإذاعة والتليفزيون) بوصفه إحدى أهم المؤسسات التى حمت مكونات الهوية المصرية لأكثر من 60 عاما مضت. وقالت إن هناك حربا ممنهجة للقضاء على الإعلام الوطنى الشريف.

وأهدى الدكتور حسين البنهاوى نسختين من رسالتيه للماجستير والدكتوراة عن حلايب وشلاتين والأخرى عن سيناء والانتماء لمكتبة الأهرام.

وأبدى الدكتور جابر عصفور فى الختام إعتزازه الشديد بحضور هذه الجلسة من صالون الأهرام الثقافى مؤكدا أن هذا الدور ليس غريبا على جريدة ومؤسسة الأهرام العظيمة. فالتنوع الثقافى الخلاق هو أن تعلم أنك لست وحدك فى المجتمع، يختلفون عنك ومعك وعليك احترامهم وقبولهم. فعلينا أن نتعلم احترام بعضنا البعض، وأن ليس لأحد العصمة على أحد، ولابد أن يسود الاحترام وإلا فلا فائدة فى هذا الوطن. ونحن فى مصر ما زلنا فى دائرة التنوع، ودستور 23 صاغه مسلمون ومسيحيون ويهود، والآن نحن بأمس الحاجة إلى قبول التعددية الجنسية والعرقية. فلماذا لا نعود إلى هذا النموذج الجميل.

وكان مسك الختام إلقاء الشاعر «بهاء جاهين» قصيدة »على إسم مصر« لوالده الراحل الشاعر «صلاح جاهين».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 3
    دكتور كمال
    2017/02/08 12:29
    0-
    0+

    المواطنة اولاً و اخيراً
    المواطنة صفة عامة تختص بالجقوق و الواجبات التي يلتزم بها كل من يعيش علي ارض الوطن و هي لا تختلف من رجل او امراة او طفل او مسنً او باختلاف الاديان او الملل او اللون او الاصل : : الهوية هي صفة خاصة : هي ما يعتبر الفرد انه ينتمي اليه : رجل او امراة او ثقافة معينة او دين معيًن : و هي لا علاقة لها يالحقوق او بالواجبات و لا تضيف الي من ينتمي اليا ميزات خاصة او دونية : هي شيئ خاص علي اساس انها هي ما يظن الفرد او يحب ان ينتمي اليه او يتشبه به : هي ما يهوي او يدعي انه منه : و حق النتماء او الهوية هو حق من حقوق المواطنة : من حقك ان تنتمي او تظن انك تنتمي الي ما تشاء
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    ابو العز
    2017/02/08 08:19
    0-
    1+

    مواطن ..
    مصري النسب والهوى .. وتحية للأهرام ورجالها .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    عادل
    2017/02/08 07:11
    0-
    1+

    المواطنة واحدة والهوية متنوعة
    المواطنة تشمل كل مصري على تراب مصر والهوية متنوعة تشمل كل الثقافات والاديان والعرقيات ويجب ان تحترم من جميع من يحمل صفة المواطنة والاهم من ذلك كله هو ان يكون الدستور المشتمل على المساواة والحريات والحقوق والواجبات ان يكون واقعا فعليا لا حروف وكلمات على الورق
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق