كان مقررا أن يكون الحوار عن ذكرى ٢٥ يناير، ولكن لم يتحمس للفكرة، لأن الكثيرين يستطيعون التحدث عنها، واقترح بدلا من ذلك أن يتخطى موضوع الحوار عتبة يناير، وأن يتجه لإلقاء نظرة أشمل على العالم فورعودته من الشمال الأمريكى ، وعلى المستقبل.
وعندما اتفقنا على موعد، وتوجهت إليه فى «محرابه» بمبنى الجامعة الأمريكية الجديد القابع فى صحراء التجمع الخامس، بعيدا عن صخب القاهرة، باغتنى بالقول «يناير إيه يا أستاذ إلا فى استخلاص الدروس، زلزال ترامب يهز العالم»، فهززت أنا أيضا رأسى بالموافقة!
باغته بسؤال «تتوقع حربا أهلية فى أمريكا يا دكتور»؟ .. لأبين له أننى «مذاكر كتاباته جيدا»، فقد كتب مقالا فى «الأهرام» فى نفس اليوم بهذا المعنى، ففوجئت به يرد على سؤالى بسؤال آخر : «وأنت تتوقع اغتيال ترامب»؟ فى إشارة إلى ما كتبته فى «الأهرام» حول هذا المعنى قبل أسبوع!
وهنا، بدأ حوارى على الفور بدون مقدمات مع الدكتور بهجت قرنى خبير وأستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذى يملك من الخبرات العلمية والأكاديمية والبحثية ما يكفى ليجعل هذا الحوار محاضرة حقيقية يجب أن يقرؤها كل من يعمل بالسياسة فى مصر والمنطقة والعالم :
بادرته بسؤال من كلمتين هما : «دونالد ترامب»..؟!
فأجابنى على الفور قائلا : ما حدث فى أمريكا زلزال حقيقى ستكون له تداعياته على العالم كله، فأمريكا هى عاصمة العالم من حيث هيمنة الأفكار، وما يحدث فيها يؤثر فى العالم كله بدرجات مختلفة، والتأثير سيكون أكبر فى منطقة الشرق الأوسط، والرئيس السيسى نفسه أكد أكثر من مرة أن العلاقات بين مصر وأمريكا «استراتيجية»، وهو ما يجب أن يستوعبه الإعلام المصرى الذى اعتاد الاستهانة بفهم ما هو أمريكي، وهذا لغز يحيرني، إذ كيف يكون هذا هو تقييم الرئيس للعلاقات مع أمريكا، بينما يتعامل الإعلام معها بهذه السطحية؟ فليس معنى أننى لا أحب أمريكا أن أقول إنها ليست قوى عظمى، او ان اجهل كيف يعمل النظام الامريكى وأقوم بتشريح مجتمعه.
هل صحيح أن فوز ترامب فى صالح مصر؟ وكيف ستتعامل معه مصر؟
على المستوى المباشر والمدى القصير نعم، لأن العلاقات السياسية مع أوباما وفريقه كانت فاترة. و لكن علينا أن «نذاكر» ترامب جيدا، كل ما يخص ترامب يجب أن ندرسه ونجمع عنه معلومات كافية، سواء عن شخصيته، أو عن فريقه، وأن نسعى للتأثير على مؤسسات الدولة هناك مثل الكونجرس وسى آى إيه، لابد أن أبدأ بهذه الطريقة، بأن أجمع بيانات دقيقة وكاملة، وتعبر عن آراء مختلفة، ولا أكتفى بالآراء التى تتماشى مع أهوائنا، ويجب أن نسأل : من وراء ترامب؟ وكيف نجح؟ وماذا يعنى هذا؟ ويجب أن أعد قائمة بوعوده الانتخابية، وأعرف ما هى قدراته والتحديات التى سيواجهها؟ والوعود الرئاسية التى سينفذها؟ وتلك التى لن يقدر على تنفيذها؟ وهل سيتغير بعد فوزه بالرئاسة وفى اى مجال؟ ولا شك فى أن المقابلة التى جرت بين الرئيس السيسى وترامب فى نيويورك كانت خطوة صحيحة فى هذا الاتجاه، ولكنها لا تكفي، فأمريكا ليست اليمن أو تشاد؛ فهى ليست فقط القوة الأعظم ولكن اتخاذ القرار فيها اكثر تعقيداً، والعلاقات الاستراتيجية معناها أن ندرس هذا «العملاق» الذى نتعامل معه، وكيف نحصل منه على ما نريد.
وما هى الطريقة المناسبة فى رأيك لـ«دراسة» ترامب؟
اذا اقتصرت على مستوى القمة السياسية فى البيت الأبيض، سأعطيك بعض السمات والمميزات التى تخص ترامب، يعنى مثلا أولا يجب أن ندرك أن ترامب هو أكبر رؤساء أمريكا سنا، فهو من مواليد يونيو ١٩٤٦، صحيح أن حالته الصحية ممتازة، ولكن لا أعرف تفاصيل عنها، فقد قيل مثلا إنه يضع شعرا مستعارا، وثانيا، هو أكثر رؤساء أمريكا ثراء، وأول رجل أعمال كامل يتولى الرئاسة، فضلا عن أن فريقه عامة من الأثرياء، وبالتالى لا يمكن أن تكون له مصداقية مثلا عندما يتحدث عن الفقراء الذين لا يعرفهم، بعكس أوباما، الذى قال جملة رائعة فى خطابه عام ٢٠٠٩ وهى أنه : «على مقربة شارعين من هنا، لم يكن والدى قادرا على دخول هذا المطعم، لأنه كان أسود البشرة»، أما ثالثا، فقد استشفيت من ترامب فى خطاب تنصيبه التعالى والنبرة القتالية، خاصة عندما قال فى حضور أربعة رؤساء سابقين إن كل هؤلاء «خانوكم»، فهذا انعدام لياقة فى رأيي، بخاصة فى مناسبة رسمية كهذه، أما رابعا : فهو أن ترامب أقل رؤساء أمريكا من حيث التجربة السياسية، وحتى عندما نقارنه مع رونالد ريجان الذى كان ممثلا سينمائيا، سنجد أن ريجان تم تأهيله نسبيا من خلال منصبه فى ولاية كاليفورنيا.
وكيف ستؤثر هذه العوامل الأربعة على عمل ترامب؟
أولا : بالنسبة لكبر سنه، سنجد أن قدرته على التغير ستكون محدودة، خاصة أنه مشهور بالخداع، فقد طالبوه مثلا بإقرار الذمة المالية، ووعد بتقديمه بعد الفوز بالانتخابات، ثم قال أحد مساعديه مؤخرا انه لن يقدمه، أما ثانيا، فكونه رجل أعمال، فهذا معناه أن كل شيء عنده سيكون بمقابل، وبمقابل فوري، وقد قال إنه مستعد للدفاع عن أى دولة ولكن بمقابل، وعندما يتحدث معنا سيقول لنا : «سأمنحكم ١،٥ مليار دولار مثلا»، ولكنه كرجل أعمال سيسألنا أيضا : «وماذا سأحصل عليه منكم فى المقابل»؟ فيجب أن نفكر فى الأمر ونحضر أنفسنا قبل أن يحدث هذا، لكى لا يكون هناك ابتزاز ولا ضغوط، وأيضا، العلاقات مع إسرائيل ستكون قوية جدا فى عهده، وعملية الوعد بنقل السفارة للقدس مجرد انعكاس لأشياء أقوى، وحتى فى الفترات التى كان هناك توتر بين أوباما ونتانياهو، ظلت العلاقات بين الموساد وسى آى إيه قوية جدا، بل يوجد تنسيق شبه يومى بينهما، والأمريكيون يعتقدون أن من يعطيهم فكرة عما يحدث فى الشرق الأوسط هى المخابرات الإسرائيلية، والذى ضلل بوش الابن قبل حرب العراق هى معلومات المخابرات الإسرائيلية، إذن فقوة العلاقات مع إسرائيل عامل ثابت، وزوج ابنته الذى تم تعيينه رئيساَ لكبار موظفى البيت الابيض وذراعه الايمن ليس يهوديا فحسب، ولكنه يهودى متشدد أيضا، وطريقة تفكيره تعد المقابل لتفكير داعش، وحتى كلامه عن الإرهاب الإسلامى يحمل جزءا من العنصرية بصفة عامة، حتى وإن قال إنه ضد التطرف الإسلامى فقط، لأنه قد يعتبر داعش هو الإسلام، وللأسف، اليمين الأوروبي، واليمين العالمي، يفكران بالطريقة نفسها.
لماذا اختار الأمريكيون ترامب إذن، بدلا من هيلاري؟
كثيرون ممن صوتوا لترامب صوتوا له لأنهم لا يريدون نجاح هيلاري، أى أنه تصويت ضد هيلارى اكثر منه لترامب، وهذا ما يذكرنى بانتخابات مرسى وشفيق، عندما اختار بعض الناس مرسى لمجرد «التغيير»، وعندنا فى علم السياسة شيء اسمه «السلوك الانتخابي»، فهو علم متقدم جداً ويقوم بتشريح العملية الانتخابية، وهدف التغيير هو السبب الأكثر ترجيحا، فالرئيس الديمقراطى أوباما استمر ثمانى سنوات، وجاء ترامب ليقدم نفسه على أنه ضد مؤسسات واشنطن التقليدية، بما فيها الحزب الجمهورى نفسه، وقال : نريد بداية جديدة، وهذه عبارات تغرى الناخب الأمريكي، وبخاصة عندما تكون هناك مشكلات ضخمة فى السياسة الخارجية، كما توجد عوامل أخرى، مثل المحافظين الجدد وتيار حزب الشاي، وايضاً بالنسبة لغير العقائديين المختلفين عن ترامب، التغيير كان يهمهم، فى حين أن هيلارى كان معناها استمرارية الوضع الحالي، ونذكر هنا أيضا أن راغبى التغيير من الشباب أصيبوا بخيبة أمل بعد تنازل بيرنى ساندرز ممثل الجناح اليسارى عن الترشح عن الحزب الديمقراطي، ولهذا رفض العديد منهم التصويت للمرشحة الديمقراطية!
بماذا تفسر إذن انهيار مصداقية كيف سيتعامل ترامب مع روسيا؟
بعكس كلامه آثناء الحملة الانتخابية، سيرى خلافاته مع روسيا. قد يبدو ترامب وهو يتكلم مع روسيا يتحدث عن قضية لا تخصنا، ولكن بالعكس، هذه قضية تخصنا تماما، فحديثه معهم سيكون ايضاً من أجل إعادة تنظيم منطقة الشرق الأوسط، وقد قال ترامب فى خطاب التنصيب إن «أمريكا فوق كل شيء»، وطبيعى أن يدافع رئيس أمريكا عن مصالح بلاده، ولكن عندما يكون هذا أسلوبا للانعزال وللتحول إلى دولة منعزلة ومكتفية بذاتها، فهذا خطر علينا لأننا بهذا نصبح تحت رحمة واحتكار قوة واحدة بدلا من استغلال التنافس بين قوتين عظيمتين، خاصة أن أمريكا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى يمكن أن تستغنى عن الآخرين، ولو فعل هذا، واتبع سياسة Isolationist Policy لتأثرنا نحن كثيراً، حيث سنواجه محاولة الاحتكار الخارجى بمفردنا.
توقعت فى مقالك الأخير بـ«الأهرام» أن تشهد أمريكا ما يشبه الحرب الأهلية، لماذا هذه النبوءة؟
قد يتعرض ترامب لعدة مشكلات، ربما بسبب موضوع التهرب الضريبي، وربما بسبب اتهامه بتضارب المصالح، ولكن أهم موضوع هو القرصنة الإليكترونية الروسية على الحزب الديمقراطي، كما أن للرجل طريقة حديث مثيرة وتصادمية، ورأيناه فى أول خطاب له يصب الزيت على النار، وهناك واقعة حقيقية حدثت، وهى أن أحد كبار أعضاء الكونجرس من السود، وهو صديق لمارتن لوثر كينج زعيم حركة الحريات المدنية منذ الستينيات، قال إنه لن يحضر التنصيب، فقال له ترامب ساخرا «اهتم بدائرتك» التى تسيطر عليها الجريمة والقذارة، ولو استمر ترامب هكذا سيكتسب عداوات كثيرة، وقد يصل الأمر إلى حرب أهلية، لماذا؟ لأنه ستكون هناك مظاهرات ضده، ومظاهرات أخرى تؤيده، ومع معارضة حظر الأسلحة الشخصية فى أيدى الأمريكيين، قد يصبح الأمر خطيرا بالفعل! وقد يؤدى هذا - إذا لم يغير أسلوبه - الى تنحيته أو الإطاحة به بطريقة ما.
هل سيحظر ترامب فعلا جماعة الإخوان؟
ترامب أمامه تحديات كبيرة، ولا أعرف إن كان هذا من أولوياته أم لا، ولكن ما أعرفه أن الكونجرس يؤيد ذلك بالفعل، وهذا سيسهل عليه الأمر جدا، وهذا يتناسب مع بنية ترامب الذهنية، لأنه تصادمي، ولا يفرق كثيرا بين الجماعات الإسلامية المتطرفة المختلفة، ومن حوله يفكرون بالطريقة نفسها، وفى هذا الموضوع سيكون الأمر غالبا بالتنسيق مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لأنها مختلفة عن ديفيد كاميرون فى التعامل مع هذا الموضوع بالذات، وأعتقد أن وجود اليمين البريطانى والأوروبى سيسهل هذا الأمر، بدليل أنه فى مدينة ألمانية مغمورة يوم السبت الماضى عقد اجتماع حضره معظم زعماء اليمين الأوروبيين من إيطاليا وألمانيا وهولندا وفرنسا، وحضرته الفرنسية مارى لوبان، وكان هذا الاجتماع بمثابة اجتماع احتفالى بمناسبة وصول ترامب للحكم فى رأيي. اليمين عادة متعصب وعنصرى ضد كل ما هو مختلف ، وحالياً ضد الاسلام و المسلمين.
هذا يجرنا للحديث عن اليمين الأوروبي، ومستقبل علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبى بعد سنوات عجاف أعقبت ثورة 30 يونيو، فهل سيكون الوضع أفضل؟
سيكون هناك اتفاق وتنسيق معهم بالتأكيد فى ضرورة محاربة الإرهاب الإسلامي، ولكننا سنختلف فى أشياء أخرى كثيرة، فاليمين الأوروبى يؤمن بالهيمنة والسيطرة، وبالفوارق، وينظرون نظرة دونية لمن هم خارج أوروبا والغرب، وهذا أمر خطير، وهم لا يؤيدون العدالة الاجتماعية، ولا منح المساعدات، لذلك يجب أن نعرف الخلفية الفكرية للحكم، وليس مجرد السلوكيات، لأنه من الممكن أن تكون سلوكياته على السطح جيدة نحونا، ولكن فى داخله النظرة الداروينية التى تؤمن بتفوق الأجناس، ويجب ألا نقبل ذلك، وعلى هنا أن أصحح له أفكاره وأقاوم، حتى لا نعود لعصر الاستعمار، فمن الجائز أن أكون فى العموم أقل منه تعليما وثراء، ولكنه أيضا لديه مشكلات كبيرة، مثل القيم المنحلة، ويجب أن تكون هناك ندية فى العلاقة، وألا يكون تلقى المساعدات مصحوبا بنظرة دونية، لأننى فى المقابل يمكن أن أساعد بشيء آخر، فعندى بعض الاوراق الرابحة كأن أسمح لك بالحركة فى قناة السويس بكفاءة، أو أساعد فى الحد من المهاجرين القادمين من أفريقيا، ومثل محاربة الفكر المتطرف بمساعدة الأزهر، فعندى أوراق ولدى رأس مال معنوي، وهنا تأتى أهمية دقة البيانات، ونظرية المفاوضات، فيجب أن أعرف كيف أتفاوض، وكيف أصل إلى مرحلة المكسب للطرفين Win Win، ونستطيع أن نفعل ذلك كورقة رابحة للضغط فى محاربة التطرف الإسلامي، يعنى يمكن أن أرفع إيدى من الموضوع بدون صراخ وصياح، وأقول له : تعامل مع المهاجرين والإرهاب بمعرفتك، وفرنسا مثلا بها خمسة ملايين مسلم، كيف يمكن أن أساعد الفرنسيين لكى لا يقع هذا الشباب المسلم فى فخ التطرف؟ لو قلت كلاما مرسلا، لن يصدقنى أحد بعد ذلك، ولكن علينا استخدام الأوراق الرابحة كما قلت بناء على معلومات دقيقة وأجندة معدة إعداداً جيداً، فعندى رصيد تفاوضى يجب معرفة كيفية استعماله، مثلاً العمل على تخفيف ضرر التطرف الإسلامى على العالم، لأننا نحن من نعرف أسباب التطرف ومعناه، ولدينا تجاربنا الخاصة معه.
هنا يجب أن أسأل : كيف نستطيع أن نغير فكرة اليمين الأمريكى أو الأوروبى عن الإسلام؟
يجب أن يدركوا أننا مسلمون أيضا، وأن داعش مجرد جزء من بعض مجتمعاتنا ، ولكنه لا يمثل الإسلام فى شيء، فعندما أتكلم مع اليمين الأمريكى مثلا على أن أذكره بوجود بعض الجماعات المتطرفة لديه، مثل كلوكس كلان فى أمريكا، فهل هذه هى أمريكا؟ وعندما أتكلم مع الأوروبيين أضرب لهم مثلا بالنازيين الجدد، فهل هؤلاء أوروبا؟ أيضا، عليهم أن يلتقوا بشخصيات مثل شيخ الأزهر، لأن الأزهر هو بمثابة هارفارد العالم الإسلامى الموجود منذ عشرة قرون، أما ثالثا، فيجب أن أبلغهم بأن داعش قتلت من المسلمين أضعاف ما قتلت من الغربيين، وهى بهذا عدوة الاسلام والمسلمين أيضاً. يجب فى التفاوض أن اتحلى بالحقائق وأتجنب الكلام المرسل و الشعارات الرنانة.
إذا انتقلنا إلى موضوع آخر، كيف ترى السبيل لإصلاح ما أفسدته بعض الملفات فى العلاقات المصرية السعودية؟
أولاً يجب ان نتذكر انه بالاضافة الى المستوى الثنائي، فإن العلاقات المصرية السعودية مهمة للمنطقة كلها، وهما الدولتان الكبيرتان المتبقيتان فى ظل التهتك الإقليمى وسقوط دول أخرى، ولذلك يجب أن تقوم هذه العلاقات على أساس سليم، ولابد أن نناقش القضايا الخلافية وليس فقط القضايا التى نتفق بشأنها، وهنا أذكر أن أمريكا وكندا والمكسيك عندما توصلوا لاتفاق التجارة الحرة النافتا» فى أواخر القرن الماضي، وجدت أن الجزء الأكبر من نص الاتفاق يتعلق بالخلافات المتوقعة وسبل مواجهتها، سواء بين الحكومات أو بين المصدرين، أما هنا، فلابد أن نتحدث مع السعوديين فى قضايا اليمن وسوريا وروسيا، ولا داعى لأن نبحث عن انتصارات فى معارك صغيرة، فالخلافات طبيعية، ولكن لا يجب أن تؤدى لعداوة أو قطيعة، ورأيى أن نعد أجندة بالاختلافات ونناقشها بموضوعية، والأهم أن يحرص كل طرف على ألا يضعف موقف الطرف الآخر.
لنختم بالحديث عن سوريا .. كيف ترى مستقبل سوريا بعد محادثات الآستانة والتطورات الميدانية هناك؟
غير واقعى القول إنه على بشار الأسد ألا يبقى فى الحكم، ولكن فى هذه الحالة، الصراع سيستمر، والتحديات القادمة بالنسبة لسوريا أكبر وأصعب، وأنا شخصيا لو كنت رئيسا لسوريا لتنحيت بعد هذه المحنة الدامية والخراب وساعدت فى بداية جديدة، لأن البنية التحتية للبلد باتت مهلهلة، والمجتمع جريح، وعدد كبير من السكان ترك سوريا وأصبح لاجئا فى الخارج، وسوريا الآن فى حاجة لتنمية قد تستمر 38 سنة لو أرادت العودة إلى معدلات عام 2010، وهذه هى مجتمعات ما نسميها حالياً بمجتمعات بعد فترات الحروب أو Post Conflict Societies، وهو مجال تخصص كبير الآن فى العلوم السياسية، ونفس ما يقال عن سوريا يقال عن أكثر من دولة عربية مثل اليمن وليبيا والعراق، فهى مجتمعات «فى العناية المركزة» الآن!
وإلى هنا .. ينتهى الحوار .. ولم يعد أمامنا سوى أن ننتظر ونرى ما الذى سيحدث.... مع الدعاء الكثير.
د. بهجت قرنى فى سطور
> الدكتور بهجت قرنى أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومديرا لمنتدى الجامعة الأمريكية وهو أيضا أستاذ فخرى فى جامعة مونتريال الكندية وعضو منتخب بالاكاديمية الملكية الكندية، وسبق له العمل فى المكتب الأوروبى بالأمم المتحدة، كما عمل أستاذ زائرا فى جامعات عدة منها هارفارد وأوكسفورد وباريس، وفاز كتابه الأول «التغير الاجتماعى والكاريزما والسلوك الدولي» بجائزة هوتشمان للعلاقات الدولية فى سبعينيات القرن الماضي. وتوجت اعماله فى سنة 2015 بجائزة رابطة العلاقات الدولية فى دورتها السنوية السادسة والخمسين بنيو اورليانز بالولايات المتحدة، لكونه أفضل باحث مرموق عن الجنوب العالمي.
رابط دائم: