لماذا إبتعد الإرهاب فى لبنان عن المناطق الشيعية كالمعتاد منذ بداية الأزمة السورية، لينتقل إلي المناطق السياحية وخاصة شارع الحمراء، الشارع الأشهر سياحيا وتجاريا علي مستوى لبنان والدول العربية؟
حيث أجهض الجيش اللبنانى والقوى الأمنية اللبنانية مطلع الأسبوع عملية إرهابية بواسطة إنتحارى كان يحمل حزاما ناسفا، يزن 8 كيلوجرامات من مواد شديدة الإنفجار ،وكان ينوى تفجيره بمقهي كوستا بشارع الحمراء الذى يرتاده النخبة من المثقفين والكتاب والصحفيين والفنانيين ليلا ونهارا فى بيروت، فماذا كان يريد الإرهابى من تفجير الحمراء؟.
الدلائل تشير إلى أن الإرهابيين نقلوا عملياتهم الإرهابية من المناطق الشيعية إلى المناطق السياحية، نظرا لسيطرة القوى الأمنية مدعومة بمسلحى حزب الله على المناطق الشيعية، بإقامة الحواجز الأمنية المسلحة ومعرفة من يدخل فردا أو سيارة، بعد تكرار العمليات الإرهابية بالسيارات المفخخة، والإنتحاريين فى الضاحية الجنوبية معقل الشيعة وحزب الله فى بيروت العام الماضى، بالإضافة إلى إجهاض أكثر من عملية إرهابية بالسيارات المفخخة فى شهررمضان الماضى، ومناسبات شيعية عدة، ولذلك إنتقل الإرهاب إلى الحمراء، وربما لاحقا إلى مناطق الأسواق بوسط بيروت حيث إكتظاظ الناس بالشوارع والأسواق لبنانيين وأجانب، وهو الأمر الذى يريد الإرهاب منه توصيل رسالة للجميع انه قادر على الوصول لأى مكان فى لبنان ،خاصة بعد الإستقرار النسبى الذى يشهده الشارع السياسى اللبنانى. ومع تضييق الخناق على الإرهابيين فى الموصل بالعراق، وحلب بسوريا، وسيطرة حزب الله والقوى الأمنية علي المناطق الشيعية الأشهر فى لبنان، توجه الإرهاب إلى الحمراء.
ولكن ما أنجزته الأجهزة الأمنية فى حادث الحمراء قبل وقوعه، يعد علامة فارقة في الحرب الاستباقية التى شدد عليها الرئيس اللبنانى ميشال عون فى خطاب القسم يوم انتخابه نهاية أكتوبر الماضى وتترجمه القوى الأمنية فى أكثر من منطقة، حيث جاء إحباط العملية الإرهابية في الحمراء بعد توافر معطيات دقيقة لدى الأجهزة الأمنية. وتمكنت مخابرات الجيش وفرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلى من إلقاء القبض على أحد عناصر داعش ويدعي عمر العاصى، والذى انتظم سابقا في جماعة الشيخ السلفي المتشدد الموقوف لدى القضاء اللبنانى أحمد الأسير الذى ذاع صيته فى صيدا جنوب لبنان وبايع داعش، كما قاتل الجيش اللبنانى صيف عام 2013، ثم حاول الأسير الهرب عبر مطار بيروت متنكرا باسم وشكل جديدين، ولكن القوى الأمنية قبضت عليه وهو الآن رهن الإعتقال والتحقيق. وجاء إحباط العملية الإرهابية في الحمراء نتيجة رصد المتهم من قبل، حيث كان العاصى موضع رصد ومراقبة، وتم إلقاء القبض عليه قبل ارتكابه مجزرة فى الحمراء.
وكان العاصي حسب التحقيقات قد تلقي تعليمات من تنظيم داعش الإرهابى لتنفيذ عملية فى أماكن سياحية، وتم تزويده عبر مشغل له فى لبنان بحزام ناسف يزن 8 كيلوجرامات من مواد شديدة الانفجار بالإضافة إلى كمية من الكرات الحديدية، وذلك بهدف إيقاع أكبر خسائر بالأرواح. العملية الإرهابية الفاشلة بالحمراء تتزامن مع تراجع الجماعات الإرهابية فى الميدان السوري والعراقى، حيث بحث الإرهابيون عن أهداف تحوّل الأنظار عن هزائمهم من جهة، وإعادة الفوضى إلى الساحة اللبنانية التى تعرف استقراراً غير مسبوق، لا سيما بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وعودة الحريري إلى السراى الحكومي رئيسا للوزراء، قبل نحو 3 أشهر، مما انعكس إيجاباً على البلاد التي تستعد لموسم سياحى واعد، ومن هنا جاء اختيار الأماكن السياحية لتنفيذ الهجمات خاصة فى العاصمة البعيدة عن استهداف الإرهابيين منذ عام 2013.
ولكن كيف تم القبض على العاصى قبيل تفجير نفسه؟، فرع المعلومات بوزارة الداخلية اللبنانية زود استخبارات الجيش بمعلومات حول انتحارى محتمل قد يتحرك لتنفيذ عملية كبيرة فى بيروت، وكان الرصد التقني - حسب صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله- دليل المحققين، وحصل ضباط الاستخبارات على رقم الهاتف المحمول للانتحاري المفترض، فجرى تعقّبه تقنياً، لم يكن سهلا توقيفه فى المرحلة الأولى، حيث كان المتهم يختفى بإطفاء هاتفه من حين إلى آخر، فيضيع أثره، لكن القوى الأمنية نصبت أكثر من كمين، أحدها كان فى منطقة الكولا، فيما كان الآخر في مقهى الكوستا فى الحمرا. انتظرت عناصر القوّة الخاصة الانتحاريَّ المحتملَ فى المقهى، ولم يتعرفوا عليه لدى دخوله المقهى ولكنه خرج مرة ثانية لإجراء مكالمة هاتفية فتم تحديده وقبل دخوله المقهي للتنفيذ، أوقف بطريقة مباغتة من قبل أفراد المجموعة الذين حرصوا على تثبيت يديه لمنعه من تفجير نفسه، فيما تولّى اثنان منهم ضربه على رأسه لإفقاده وعيه. وبعد توقيفه، داهمت القوي الأمنية منزله في منطقة شرحبيل بضواحي صيدا، وأوقفت شقيقيه وشخصين كانا عندهما في المنزل للتحقيق فى احتمال تورطهم معه، كما صودر جهاز كمبيوتر من منزلهم وتبيّن من التحقيقات أنّ العاصي ينتمي إلى جماعة الأسير، وقد أصيب من قبل في اشتباكات بين الأسير والجيش اللبنانى وقعت فى عام ٢٠١٣.
رئيس مجلس الوزراء اللبنانى سعد الحريري هنأ مخابرات الجيش وفرع المعلومات على احباط العملية الانتحارية فى الحمراء، كما وجه وزير الداخلية نهاد المشنوق تحية إلى شعبة المعلومات واستخبارات الجيش التى تحافظ على أمن اللبنانيين دائما.
ويرجع نجاح لبنان في إحباط العملية الإنتحارية بالحمرا، إلى تضافر جهود كل القوى الأمنية اللبنانية مع الجيش ومخابرات حزب الله، بل ومع مخابرات أخرى، بعد إعتبار كثير من دول العالم أن أمن لبنان خط أحمر، وأن حصار داعش ومطاردته فى لبنان لايقل أهمية عن مواجهته في سوريا والعراق، خاصة وأن لبنان يضم 500لاجئ فلسطينى فى 12 مخيما منتشرا فى ربوع لبنان، بالإضافة إلى مليوني نازح سورى، ومنهم من ينتمون لداعش والنصرة وجند الشام وفتح الشام، ولو إشتعلت الإضطرابات الدموية فى لبنان فلن يوقفها أحد، لذا كان لزاما على الجميع أن يتكاتف لمواجهة وحصار داعش وأخواتها.
رابط دائم: