رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الجمعة يكتبه: احمد البرى
قلب فى مهب الريح!

احمد البرى
ضاقت بى السبل ولا أجد سبيلا للخلاص من الأزمة الطاحنة التى تعصف بى, فأنا سيدة فى الأربعين من عمرى, تزوجت فى سن الثالثة والعشرين من شاب أحببته كثيرا, وبادلنى الحب لكنه كان دائم الشجار معى لأتفه الأسباب,

ووجدته بعد شهور من زواجنا سليط اللسان, وعنيدا, وقد أحال حياتى إلى جحيم, ومع ذلك تحملته بعد أن أنجبت منه بنتين, وكم رجوته أن يعود إلى سابق عهده معى من المودة والرحمة والحنان, فلم يكترث لما أقوله, وزاد فى بخله وجفاف مشاعره, وغابت الكلمات الحلوة عن لسانه, وتباعدت المسافات بيننا, فإذا به يتزوج من أخرى كانت مخطوبة له قبلى, وبكيت بين يديه ألا يتخلى عنا, ولم أجد مفرا من أن أتحمل المعيشة معه فى وجود ضرة, ولم أنطق بعدها بكلمة واحدة, لكنى ذقت على يديه العذاب أشكالا وألوانا, أما ضرتى فعاملها فى البداية معاملة طيبة ثم انقلب عليها كما فعل معى فضاقت بالحياة معه, وفوجىء بها بعد أربع سنوات ترفع دعوى خلع ضده برغم أنها كانت وقتها حاملا فى ولد, وبهدلته فى المحاكم, ووقف عاجزا أمامها لا يدرى ماذا يصنع معها, فساندته بكل ما أملك أملا فى أن يحتوينا أنا وابنتيه, فإذا به يعيدها إلى عصمته من جديد, ويتناسى كل ما صنعته له, وكأنه لا يرى فى الدنيا غيرها, فصرخت فيه, «أنا عملت لك إيه», فلم يرد علىّ, وأخذ يحملق فىّ بمنتهى البرود, وخطر ببالى أن أفعل ما فعلته ضرتى, فرفعت دعوى خلع ضده من باب التهديد عسى أن يتراجع عن موقفه مثلما فعل معها, لكنه باعنى وأخذ جانبها وعاش معها, واستغنى عنى وعن ابنتيه, ولم يفكر فينا, ولا فى المصير الذى يتهددنا, ويبدو أننا كنا له كالكابوس, فما أن انفصل عنى حتى انتقل للإقامة معها فى شقتها تاركا الشقة التى كنا نسكن فيها باعتبارى الحاضنة لابنتيه, وظللت عاما على هذه الحال, ولم يحاول ولا مرة واحدة أن يعيد المياه إلى مجاريها مع أننى اتصلت به ورجوته أن يفكر فى البنتين, فلم يعبأ بكلامى, ورفض أى محاولة للصلح بيننا, ولم يكن أمامى مخرج غير البحث عن وسيلة أنساه بها, ففكرت فى الزواج بآخر أملا فى بدء حياة جديدة خالية من المنغصات, ودخلت على موقع زواج على شبكة «الانترنت», وتعرفت على رجل قال لى إنه مطلق, ولديه أبناء كبار يعيشون مع والدتهم, وعرض علىّ الزواج, فرحبت به على الفور, وخلال شهر واحد تزوجته, وأخذت ابنتىّ معى, لكن صورة زوجى السابق لم تفارق خيالى, وانسابت الدموع من عينىّ بغزارة, وأنا أتحسر على حالى, والمصير المؤلم الذى أنساق إليه, وذات يوم جلست مع زوجى ووجدته شارد الذهن, فسألته عما إذا كان يخفى عنى شيئا ما؟, فإذا به يخبرنى بأن فى حياته تفاصيل كثيرة, وقد حان الوقت ليبوح بها إلىّ, ثم قال إنه تزوج قبلى ثلاث زوجات, طلق اثنتين منهن منذ عام, أما الثالثة فمازالت فى عصمته, وتعيش مع أهلها, ولديهما بنت عمرها سنتان, وأنجب من زيجتيه السابقتين ولدين, وقد تزوجا وصارت لكل منهما حياته المستقلة, واكتشفت أنه بلا عمل فى حين أخبرنى قبل الزواج إنه حاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد, ولما سألته عن شهادته لكى أبحث له عن عمل بها غيّر الموضوع, ورفض تماما الإجابة عن أى سؤال منى حول تعليمه وعمله وظل هذا الموضوع علامة استفهام لم أستطع أن أحلها, ووجدتنى مسئولة عن البيت منذ اليوم الأول لزواجنا, وكلما سألته عن وظيفته يستخدم معى أسلوب «التسويف والمماطلة», أما الشقة التى نعيش فيها فقد آلت إليه من أبيه رحمه الله, وهى بالإيجار القديم.

ولما مرت الأيام ولم يزرنا أحد من أهله تحريت عن الأمر وعرفت أنهم جميعا قطعوا صلتهم به, ولا أحد يسأل عنه حتى أبنائه, وبعد كل هذه المفاجآت المدمرة فوجئت بأنه مصاب بمرض نفسى ويخضع للعلاج ويزور الطبيب مرة كل شهر, ولازمته فى جلسات المتابعة, ورضيت بحالى, وكتمت أحزانى حتى لا يشمت أحد فىّ, فالحقيقة أننى تزوجته رغما عن إخوتى الذين حذرونى من الزواج بهذا الشخص, واتهمونى بأننى تسرعت فى الارتباط به, ومعهم كل الحق فى موقفهم منه, فلقد فهموه منذ اللحظة الأولى لرؤيتهم له, لكن عنادى هو الذى أوقعنى فيه.

لقد أخفيت عن أهلى كل شىء عنه منذ معرفتى به, وتحملت تكاليف الزواج بالكامل, إذ لم يعطنى مليما واحدا, ولا شبكة ولا عفش, وتزوجنا على أثاث أبيه القديم, واشتريت ذهبا من أموالى, وأقنعت أسرتى أنه هو الذى اشتراه لى, وللأسف لم يعرنى أى اهتمام, ولم يقدر تضحيتى من أجله, ومارس الكذب علىّ وخدعنى فيه, ووجدتنى أسير إلى نفق مسدود, وتوسلت إليه أن يبحث عن عمل, ووقفت إلى جانبه, وطرقت أبوابا كثيرة, ولكن لم تقبله أى وظيفة, وأصابتنى الحيرة ماذا أفعل؟ وكيف ستمضى حياتنا ونحن بلا مصدر رزق, أما هو فقد أحس بأننى صرفت كل ما بحوزتى على الأسرة ويدرك تماما أنه لن يستطيع توفير مصروفاتنا الضرورية, ولذلك اقترح علىّ أن أعيش فى شقة مطلقى مع ابنتىّ, وأن نصرف من نفقتهما التى يدفعها لهما والدهما, وأن أتردد عليه كل خمسة عشر يوما لمدة يومين, وفعلت ما أشار علىّ به رغما عنى إذ لم يكن هناك حل لوضعه الغريب, فحتى اليومين اللذين أذهب إليه فيهما أصرف عليه, ولم يتحرك للبحث عن أى عمل, وبعد عناء شديد وسؤال الكثيرين وجدت له وظيفة محاسب نصف يوم فى أحد المكاتب الصغيرة بستمائة جنيه, وهو مبلغ لا يكفى ثمن السجائر التى يدخنها, ولا الأنسولين الذى يحقن به يوميا لأنه مريض بالسكر, إلى جانب أدوية العلاج النفسى.!!

إننى متزوجة أمام الناس فقط, وغالبية المحيطين بى يتصورون أنه يساند ابنتىّ, ويعاملهما كأنهما ابنتاه, وأتظاهر دائما بالسعادة, ولا أحد يعرف الحقيقة.. وقد أدركت الخطأ البشع الذى ارتكبته فى حق نفسى وابنتىّ, وأنا أتوهم الانتقام من أبيهما بأن أشعره بأننى مازلت مرغوبا فىّ, ولم أحسب أن النتيجة ستكون ما أعيشه الآن من قلق وحزن واضطراب حيث أقضى ساعات الليل فى التفكير, وتلاحقنى الهواجس, والوساوس, وأحيانا أصحو فى حالة فزع مما فعلته بنفسى, ولا أعرف ما هو القرار الصحيح الذى أتخذه للخلاص من الوضع السيىء الذى وجدتنى فيه.. أحيانا أفكر فى الطلاق, وأن أكمل حياتى مع ابنتىّ, وكفانى بهدلة مع هذا المخادع, وأحيانا أخرى أسرح بخيالى بعيدا وأحاول إقناع نفسى بالإبقاء على الوضع الحالى إلى أن تكمل ابنتاى دراستهما, وتتزوجا وتصبح لكل منهما حياة مستقلة, وبعدها أعود إليه وأستقر معه إلى النهاية.. فبماذا تنصحنى؟

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد افتقدت منذ البداية أبسط قواعد اختيار شريك الحياة, فالزواج الناجح لا يتحقق لمجرد القبول الشكلى, أو يتم الحكم على الرجل أو المرأة بناء على حديث عابر يحاول فيه كل طرف أن يتجمل أمام الآخر, وفى أحيان كثيرة يكذب ويخفى أسرارا كفيلة بإفشال الزيجة قبل إتمامها, وإنما تحكمه العوامل المتعارف عليها بالتحرى الدقيق عن كلا الطرفين, ولا شك أنك لم تتحرى جيدا عن كل ما يتعلق بزوجك الأول, ولم تبنيا جسورا من الثقة والمودة بينكما فاكتشفت بعد فترة وجيزة عصبيته ولسانه السليط, وحدته, ومع ذلك استمررت معه خمسة عشر عاما, ولم يغير موقفك زواجه من أخرى وإنجابه بنتين منك, ولم تتوقف حالة التخبط بك عند هذا الحد, بل سعيت للزواج من أى شخص بعد انفصالك عنه بدعوى أن الارتباط بآخر سوف ينسيك إياه, وكانت ضالتك فى «الإنترنت», فأوقعتك خطتك فى شخص عاطل يدّعى أنه يحمل درجة الدكتوراه فى الاقتصاد, فى حين أن الحقيقة غير ذلك, كما تبينت لك زيجاته الثلاث الأخرى, وفى كل يوم تتكشف عنه جوانب جديدة كانت خافية عنك.

إن التحرى عن شريك الحياة أهم عوامل نجاح أى زيجة, ويعد الشرط الأول لقبوله أو رفضه, سواء بالنسبة للمرأة التى يجب أن يعرف أهلها كل شىء عن العريس الذى يرغب فى الزواج بها, أو بالنسبة للرجل الذى لا يقدم على هذه الخطوة لمجرد أن أحدا رشح له عروسا ما, وعلى المرأة ألا تقدم على الارتباط إلا بمباركة أهلها, فهم أدرى وأعلم بهذه الأمور منها, وللأسف فإن الكثيرات هذه الأيام لا يعين ذلك, وينجرفن وراء الكلام المعسول كما فعلت, ولذلك يجنين حصادا مرا, وأحسب أنه كان بإمكانك أن تتبينى مكنون زوجك قبل عقد قرانك به حتى من ملامح وجهه, فالمرء يستطيع أن يكذب كما يشاء, لكن تعبيراته تتغير بشكل واضح عندما يشرع فى الكذب, ويتأثر أيضا تدفق الدم داخل الأوعية الدموية والشعيرات الدقيقة فى الوجه بالكذب فيميل لون البشرة إلى الاحمرار, وتظهر عليه علامات تدل على اضطرابه مثل حك الذقن والأنف ووضع اليد على الفم والعين, وأحيانا تمرير اليد على الشعر, وهذه الظواهر يفعلها نتيجة الاضطراب النفسى والصراع الداخلى لديه, ومع ذلك من الممكن أن يخفى كذبه وراء قناع يمنع زوجته من معرفة لغة جسده الدالة على الكذب, وهى قادرة على أن تتبين ما يخفيه عنها بسهولة بمرور الوقت .

والحقيقة أن زوجك الحالى مزعج, وحياته بهذه الطريقة كئيبة وكريهة, والطبيعى ألا تحبينها ولا تستريحين لها, لكنك تحاولين الاستمرار معه درءا لكلام معارفك بعد قصائد الغزل والمديح التى قلتها لهم عنه, فلقد تزوجته أملا فى أن يعاشرك بالمعروف ويعوضك عن مطلقك الذى فضّل زوجته الثانية وأعادها إلى عصمته بعد انفصاله عنها والذى أحسب أن عودتها إليه بعد أن خلعته لم تكن سهلة, وأغلب الظن أنها أخذت تعهدات عليه تمنعه من إيذائها مرة أخرى, ولذلك لما حاولت أن تصنعى نفس صنيعها لم تفلحى, إذ رفض أن يعيدك إلى عصمته كما أعادها.. أقول إنك توسمت فى زوجك الثانى أن ينتشلك من الحالة النفسية التى ألمت بك, ولكن من الواضح أن حالة الاضطراب النفسى التى يعانيها والتى جعلته يتزوج أربع مرات لتكونى الزوجة الرابعة فى حياته, ستظل ملازمة له, فهو فى حاجة دائمة إلى من تشعره بالعطف والحنان والرعاية دون أن يتحمل أى مسئولية مادية عن الأسرة, وأعتقد أنه طرح عليك الانتقال مع ابنتيك إلى شقة أبيهما بحيث تزورينه كل أسبوعين لمدة يومين, بعد أن رتب أموره مع زوجته التى مازالت فى عصمته وادعى أنه منفصل عنها منذ عام, ولا تربطه بها أى صلة الآن, فهذا النوع من الرجال لا يمكن أبدا أن يعيش بمفرده, ويبحث باستمرار عن أخرى تعوضه الجانبين الجسدى والمادى, فالزوج الغشاش لديه دائما القدرة على ملء الثغرات التى قد تتسرب إلى نفس زوجته تجاهه, واسترداد حبها وشوقها بسهولة, فهو حتى وإن كان يبحث عن علاقة عابرة فإنها تكون وسيلة مؤقتة لسعادته, أما السعادة الدائمة فتكون مع زوجته التى تشاركه حياته, لكن زوجك زاد فوق ذلك بأنه يسعى إلى الزواج بمن تتحمل كل نفقات المعيشة, وأعتقد أن زيجاته كلها لها نفس الدافع, إذ كان ينفصل عمن تتوقف عن مساعدته ماديا, فقد طلق زوجتيه الأولى والثانية وربما خلعتاه للتخلص منه, وبقيت أنت وزوجته الثالثة فى عصمته حتى إشعار آخر!

إن الزواج مسئولية كبرى, وعندما شرع الحق تبارك وتعالى الزواج قال فى كتابه الكريم «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الروم:21), فأين السكن لدى زوجك, وأين المسئولية التى يجب أن يتحملها تجاهك؟.. إن الوضع الذى تعيشينه الآن غير مقبول, وستكون عواقبه وخيمة عليك إذا استمررت فيه, فلا أنت زوجة ولا مطلقة, وإنما معلقة بل وتعيشين من نفقة ابنتيك التى يدفعها زوجك الأول لهما, بمعنى أن زوجك الحالى يريدك للمتعة فقط وفقا للترتيب الذى طلبه منك, وبالتأكيد فإنه يقضى باقى الأيام مع زوجته الأخرى, وربما يكون قد دخل معك فى مرحلة جديدة, من «الخداع والاستغلال», وإنى أستغرب تفكيرك فى أن تستمرى على وضعك الحالى إلى أن تتزوج ابنتاك ثم تعودين إليه بشكل دائم أى أنك تجلبين لنفسك المتاعب وتحكمين بنهاية استقرارك, وتشردك المؤكد ولو بعد حين عندما تتركين شقة ابنتيك بعد انتهاء فترة حضانتك لهما, وتصبحين بلا مأوى ولا مصدر رزق, ووقتها سوف يطلقك بعد أن يكون قد امتص دمك, ولا يجد فيك فائدة ترجى له.

إن الاستقرار الأسرى يعنى زوجا وزوجة معا تحت سقف واحد, وإذا كان الزوج مرتبطا بأكثر من واحدة فإنه يعدل بينهن فى كل شىء, لكن زوجك المخادع لا يعرف إلى ذلك سبيلا, ومن ثم فإن طلاقك منه أو خلعك له أمر محتوم ولا بديل عنه، ولا تكررى تجربة الزواج مرة ثالثة إلا بعد التأكد من حسن الاختيار, ولتشركى أهلك فى كل أمورك حتى لا تندمى على عدم الاستعانة بهم, ولا تدعى كلام الناس يسيطر عليك, فالنار لا تحرق إلا من يمسك بها, وكونى حاسمة وقاطعة, وتقربى إلى الله يهيىء لك من أمرك رشدا, واستعينى به تجديه عز وجل بجانبك, حيث يقول تعالى «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ “ (غافر 60).. وفقك الله لما فيه صلاحك فى دينك ودنياك, وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق