من أجواء عالم الحكايات الشعبية المثير .. ومن زمن يشبه عصر المماليك حيث يجوز للحاكم أن يفعل أى شىء برعيته ما دام يملك القدرة على الفعل، صاغ المؤلف على أبو سالم أحداث مسرحيته «قمر العميان» والتى يقدمها مسرح الغد من إخراج الشاب المبدع محمد سليم والذى سبق أن انتقدته بقسوة فى عرض سابق ورأيت أنه تعجل باختيار نص ضعيف فجعل من جهده وجهد ممثليه طاقة مهدرة..
ولكن هذه المرة الفارق كبير فـ «قمر العميان» رغم كثرة الشخصيات التى قد تشتت المشاهد، مسرحية جيدة تطرح قضية شديدة الأهمية بلغة شديدة العذوبة والشاعرية.. ونجح المخرج بداية فى اختيار فريق الممثلين كل لدوره كما نجح فى اختيار الملحن أحمد الحجار ليصنع بموسيقاه أثرا عميقا من الشجن يتناسب مع طبيعة الأحداث ويصل إلى الذروة مع أغنية النهاية التى أداها بصوته المطرب التونسى الكبير لطفى بوشناق .. والمسرحية تناقش قضية فساد الحاكم وبطانته حيث يقوم الملك بالإعتداء على شقيقة زوجته الصغرى التى لم تفارق مرحلة الطفولة بعد بحثا عن نزوة جنونية تعيد إليه ثقته الضائعة.. بينما زوجته «ميسون» بطلة العرض تخونه باستمرار بحثا عن المزيد من المتعة والمغامرة وبطانته من الوزراء يخونون ثقته ويتآمرون عليه والجميع يشترك فى خيانة الرعية وإفقارها وحرمانها من أبسط الحقوق ثم يعلنون انزعاجهم ودهشتهم من صوت أنين المظلومين والضعفاء.. وعندما يبلغ الظلم مداه يفقد الجميع القدرة على رؤية نور القمر ويختفى القمر إلا من عيون الأطفال الأبرياء..
قدمت وفاء الحكيم دورا من أجمل أدوارها وهى «ميسون» المرأة الشرهة للقوة والتسلط والتمتع بملذات الحياة والتى برغم قسوتها تخفى فى داخلها قدرا من الإنسانية والعاطفة ناحية أخواتها يجعلها تتعذب من الندم ولا تقدر على العودة إلى عالم الأنقياء.. وقدم طارق شرف دور الحاكم الضعيف المنقاد رغم جبروته وتسلطه الظاهر ونجح فى توصيل ذلك التناقض بفهم وبساطة كما نجح فى تقديم مشاهد سينمائية ساعدت كثيرا فى إثراء الصورة إلى جانب استخدام صبحى عبد الجواد لكل زوايا المسرح فى تخليق ديكورات بسيطة موحية لعديد من المشاهد فرضها المؤلف بتعدد اللوحات وكثرة الديكورات.. وتألق من فريق العمل وائل إبراهيم ومحمود الزيات ونورهان أبو سريع ونوال سمير ومنى شاكر كما اجتهدت مايسة محمد فى تصميم الأزياء المناسبة لكل دور وفقا لدراسة اجتماعية ونفسية للشخصيات.. وظهرت موهبة جديدة فى الغناء هى ملك محمود التى شاركت أحمد الحجار فى تسجيل بعض الأغانى وغنت البعض الآخر على المسرح دون مصاحبة من أى آلة موسيقية.. وهذا أمر يحتاج غالبا إلى صوت مدرب بعناية وموهوب وقادر على التعبير الدرامي.. وأتصور أن المواهب الشابة العديدة فى قمر العميان تحتاج إلى فرص أكبر لتحتل المكان الذى تستحقه بين نجوم المسرح المصرى.
رابط دائم: