فى أثناء رئاسته للأوبرا الخديوية تعرض الفنان سليمان نجيب لموقف طريف مع الملك فاروق حينما كان الملك جالساً ليلة عرض أوبرا «لاترافياتا» فى مقصورته، فإذا به يلمح شيئاً ما فى الصالة فتناول «منظاره المكبر»، فغضب مما رآه و أرسل فى استدعاء نجيب، واشار إلى المقعد الخامس من الصف الثالث فى الصالة،
حيث خلع صاحبه الجاكت ووضعه على ساقيه مكتفياً بالقميص الأبيض المضيء وسط ملابس السهرة السوداء ضارباً بذلك قواعد بروتوكول الأوبرا عرض الحائط فاسرع سليمان نجيب للمتفرج «المتهور» الذى خرج عن قانون الأوبرا، ليهمس محذراً «يا ابنى الْبس الجاكت الله يرضى عليك وعلينا».
مأزق آخر ذكره التاريخ وقع فيه أيضا نجيب حينما كانت الأميرة فائزة شقيقة الملك فاروق ، تحجز دائماً أحد «البناوير» فى أيام معينة من الأسبوع وتدفع ثمن اشتراك الموسم كله وتحرص على الحضور فى المواعيد المخصصة، وفى إحدى الليالى قالوا لسليمان إن صاحبة السمو الملكى تجلس الآن فى بنوارها فوقع فى مأزق حرج؛ لأن أصحاب البنوار فى تلك الليلة لابد حاضرون، فتوجه إليها يستأذنها بالانتقال إلى بنوار آخر، فأدركت الأميرة خطأها لتهب واقفة فى خجل قائلة ببساطة لزوجها محمد على رءوف: «لقد أخطأنا وجئنا فى يوم غير يومنا»، واعتذرا لسليمان بك نجيب بشدة، ثم أكملت الأميرة قائلة: «لابد أن نعاقب أنفسنا بقضاء سهرتنا فى البيت».
سليمان نجيب هو أحد العظماء فى تاريخ الفنون المصرية، المولود فى ٢١ يونيو عام ١٨٩٢ بالقاهرة لأسرة أنجبت العديد من الشخصيات المرموقة فهو ابن الأديب الكبير مصطفى نجيب، وخاله هو أحمد زيور باشا احد رؤساء وزارات مصر، ومنذ أيام مرت ذكرى رحيله الـ ٦٢، حيث توفى فى ١٨ يناير عام ١٩٥٥ دون أن يتذكره أحد ،وأشهر أفلامه «غزل البنات» حيث جسد شخصية «مراد باشا» وأتقن اداءها بكل ارستقراطيتها ومزجها بطيبة القلب وخفة الدم التى لم يتصنعها ،بينما رحل قبل عرض فيلمه «أحلام الربيع» بنحو أربعة أشهر.
نشأ وفى روحه ميل قوى نحو الفنون والثقافة، وتخرج فى كلية الحقوق وعمل موظفًا واشتغل فى ذات الوقت بالتمثيل إرضاء لنزعته الفنية الجامحة ،كما عمل بسكرتارية وزارة الأوقاف ،ثم انتقل للعمل بالسلك الدبلوماسى كقنصل فى السفارة المصرية بأسطنبول إلا أنه تم الاستغناء عنه نتيجة اشتغاله بالتمثيل.
بدأ حياته الفنية بكتابة المقالات فى مجلة الكشكول الأدبية تحت عنوان «مذكرات عربجي» منتقداً متسلقى ثورة ١٩١٩، واعتلى خشبة المسرح فى عهد كان يتعذر على أمثاله من الأسرة الارستقراطية المحافظة العمل فى ميدانه. لم يفكر يوما فى الزواج بسبب رأيه السلبى فى فكرة الزواج فى حد ذاتها وحتمية فشل العلاقة وخوفه من إنجاب أبناء لا يستطيع تربيتهم كما ينبغى.
شغل سليمان منصب رئيس الأوبرا فى ١٩٣٨ وحتى ١٩٥٣، وكان ثانى مصرى يتولى هذا المنصب بعد منصور غانم، حيث كان مقتصراً على الاجانب ،وقد أوصى بكامل ثروته بعد وفاته للأوبرا القديمة ، كما كان أول فنان يحصل على لقب «بك» من الملك فاروق.
رابط دائم: