رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صورة لم ألتقطها مع سيدة النقد

باسم صادق;
نهاد صليحة
بين أصوات قراء القرآن فى مدافن الأسرة وعلى خلفية الدعوات لها بالرحمة والغفران كان المشهد مزلزلا للنفس.. أغمضت عينى لحظات لأرى ذكرياتى معها فى مشاهد متعددة وسريعة.. ذكريات قليلة ولكنها مؤثرة ولها بصمتها فى نفسى.

قبل بدء أحد العروض بمسرح ميامى منذ سنوات قليلة تقدمت إليها لأعرفها بنفسى، ففاجأتنى بترحاب وود شديدين وكأنها تعرفنى قبل مائة عام.. مقابلتها أزالت كل حواجز الرهبة من كونى أقف أمام قامة مسرحية ونقدية بحجمها وخاصة وقد كانت تبهرنى بعلمها حينما كنت ألاحقها بنظراتى فى سكون خلال العروض وأراها تفيض على صناعها بأى معلومة تفيدهم بعد أن تشاهده بتركيز وشغف.

مفاجأتها لى تضاعفت حين قالت لى بالحرف الواحد: «يا ابنى أنا متابعة مقالاتك.. وشغلك بيدينى أمل فى مستقبل النقد المسرحى».. هزنى ثناؤها، فشكرتها بشدة وانتابنى الخوف من تلك المسئولية التى ألقتها على عاتقى.

منذ هذا اليوم لم ينقطع الود بيننا واشتدت معه علاقة الحنو والأستاذية.. فكثيرا ما كانت تفاجئنى بأحد كتبها فى النقد لأستزيد منه، ولم أطلب منها يوما مقالا أو كتابا إلا وحرصت على توفيره لى من مكتبتها الخاصة.

د. نهاد صليحة كانت مثلا يحتذى فى المهنية والانضباط فى العمل مهما تكن الظروف، فمازلت أذكر آخر لقاءات عمل جمعتنى بها خلال رمضان الماضى.. تعلمت منها الكثير خلال اجتماعات لجنة مشاهدة العروض المشاركة فى المهرجان القومى للمسرح.. كل جملة كانت تنطق بها تعد درسا فى النقد المسرحى.. مستمعة جيدة للغاية، وتقدر جدا آراءنا فى العروض المختلفة.. ولديها دوما شغف شديد لمشاهدة كل العروض مهما يكن مستواها فتجلس متابعة بكل حواسها كطفلة بريئة.. ولا تتردد فى إعادة مشاهدة أى عرض عدة مرات فى الليلة الواحدة للوصول إلى حكم منصف حوله.. ورغم اختلاف وجهات النظر أحيانا فإن الود وحكمة الأستاذية كانت دوما تقود سفينة المناقشات لبر الأمان.. فلا أنسى موقفها حين اختلفنا معا فى الرأى حول اختيار بعض العروض فى الاجتماعات الأولى، وهو خلاف علمتنى خلاله عدة دروس نقدية، وبحكمة وصبر المعلم، طلبتْ أن نرجئ النقاش إلى آخر الجلسات لعلنا نرى فى العروض التالية ما يحسم الأمر.. وحينما حانت لحظة الحسم، دعتنى لمشاهدة العرض محل الخلاف مرة أخرى سويا رغم ضيق الوقت بين الإفطار والسحور آنذاك.. ثم دار بيننا حوار شديد العذوبة والمهنية، فلم تبخل بوقتها ولا علمها لتوضيح وجهة نظرها لى وميلها للمدرسة الطبيعية فى الأداء والتناول الدرامى، ورغم هذا اقتنعتْ أيضا بالجهد المبذول فى العرض، فضمت صوتها لصوتى فى منحه فرصة المشاركة دون أى إصرار على رأيها باعتبارها الأكثر علما وخبرة.. بل سبقتنى يوم العرض إلى المسرح لتشاهده بنفسها ومنحت الفريق من علمها الكثير، وكأنها هى من تخوض امتحان الوقوف أمام الجمهور بدلا من صناعه.

هذه المشاهد الخاطفة التى مرت أمام عينى نبهتنى أنى لم ألتقط معها صورة واحدة قبل رحيلها.. وكأننى كنت أشعر بأنها ستظل دوما بيننا.. ولكن عزائى أن مواقفها معى لن تمحوها ذاكرتى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق