رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بوتين وإعادة ترتيب أولوياته فى الشرق الأوسط

رسالة موسكو : د. سامي عمارة
القرار الذى اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين حول الانسحاب الجزئى للقوات الروسية من سوريا فاجأ الكثيرين من خصومه ومؤيديه، واثار الجدل الذى لا يزال يحتدم حول دوافع وابعاد هذا القرار، وما يمكن ان تكون عليه سوريا والمنطقة فى ضوء ما تعقده موسكو من اتفاقات مع اقطاب الساحتين الدولية والاقليمية وفى مقدمتها تركيا وايران، الى جانب ما تعقده من آمال على تحسين علاقاتها مع الادارة الامريكية الجديدة، فى ظل ما صدر عن الرئيس دونالد ترامب من تعليقات، واتهاماته لخصوم هذه العلاقة بانهم «حمقى واغبياء».

بداية نقول ان القرار الصادر عن القائد الاعلى للقوات المسلحة الروسية ليس الاول من نوعه، بل سبق واتخذ الرئيس بوتين قرارا مماثلا قامت القوات الروسية الجوية بموجبه فى مارس من العام الماضي، بسحب عدد من وحداتها ومقاتلاتها فى اعقاب نجاحها فى تدمير الالاف من مواقع البنية التحتية للمنظمات الارهابية فى سوريا، بما استطاعت معه القوات الحكومية السورية وبدعم مباشر من القوات الروسية، تعزيز مواقعها وانقاذ العاصمة دمشق وكانت تشارف على السقوط فى ايدى تنظيمات المعارضة المسلحة.

ونذكر ان الرئيس بوتين قال آنذاك ان قراره حول سحب تلك القوات، لا يعنى انتهاء العملية العسكرية الروسية التى بدأها فى سبتمبر من عام 2015 ، وان هذه القوات يمكن ان تعود اذا اقتضت الظروف ذلك،

فضلا عن ان المقاتلات الاستراتيجية الروسية يمكن ان تواصل مهامها من مواقعها فى جنوبى روسيا، وبدعم مباشر من قطع الاسطول الروسى فى بحر قزوين التى اثبتت قدراتها على توجيه ادق الضربات الصاروخية التى اصابت مواقع «داعش» و»جبهة النصرة» على مسافة تزيد عن الفى كيلومتر داخل الاراضى السورية.

ومن ذات المنظور، يمكن تناول ما اعلنه فاليرى جيراسيموف رئيس هيئة الاركان الروسية الاسبوع الماضي، حول سحب مجموعة السفن الحربية الروسية فى شرق البحر الابيض المتوسط قبالة الشواطئ السورية، وعلى راسها حاملة الطائرات «الاميرال كوزنيتسوف»، والطراد الصاروخى «بطرس الاعظم» بعد تنفيذها للمهام الموضوعة التى توقف المراقبون عند اهمها، وتلخصت فى دعم قوات النظام السوري، ابان المعارك التى انتهت باستعادة مدينة حلب.

وقد جاء القرار الاخير للرئيس بوتين، فى اعقاب الاعلان عن توقيع اتفاقات وقف اطلاق النار فى سوريا مع عدد من التنظيمات المعارضة المسلحة فى 30 ديسمبر من العام الماضي، وبعد التوصل الى اتفاق حول المباحثات السورية - السورية فى آستانة فى يناير الجاري، وهو ما جرى الاعلان عنه فى موسكو فى ختام اللقاء الثلاثى بين وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وايران.

واذا كان هناك من يعزو فى موسكو قرار الرئيس بوتين حول الانسحاب الجزئى للقوات الروسية فى سوريا، الى الرغبة فى توفير الاجواء الايجابية لمباحثات السلام المرتقبة بين الاطراف السورية المعنية فى الاستانة كمقدمة للعملية التفاوضية تحت رعاية الامم المتحدة فى جنيف فى فبراير المقبل، فان هناك من يصف هذا القرار بانه رسالة الى عدد من الاطراف الرئيسية فى الساحة العالمية، وفى مقدمتها الادارة الامريكية الجديدة، الى جانب الرغبة فى الحد من «شطحات» القوى التى تريد مواصلة القتال وتطوير ما حققته من نجاحات وانتصارات ضد المعارضة والتنظيمات الارهابية فى الفترة الاخيرة بدعم مباشر من القوات الروسية ومنها القوات الحكومية، والميليشيات الايرانية وفصائل «حزب الله» الموالية لها، الى جانب التحذير من مغبة الافراط فى التفاؤل، والمضى بعيدا على طريق اعتماد الخيار العسكرى سبيلا الى تصفية المعارضة المسلحة والتنظيمات الارهابية التى تسيطر على مساحات كبيرة من الاراضى السورية.

وفى هذا الصدد يقول آخرون بان قرار بوتين لا يعنى التخلى عن تنفيذ المهمة المعلنة فى 30 سبتمبر 2015 حول القضاء على الارهاب ودعم الشرعية الدستورية فى سوريا، ومن هؤلاء الأميرال فياتشيسلاف بوبوف القائد الاسبق لاسطول الشمال الروسى الذى لم يستبعد احتمالات عودة مجموعة السفن الحربية التى ستغادر شرق البحر المتوسط، الى مواقعها الحالية على مقربة من الشواطئ السورية، فى حال ظهور ما يمكن ان يهدد التسوية السياسية، او يخل بموازين القوى فى سوريا.


على ان موسكو ورغما عن كل ذلك، بل ومع كل ذلك، تظل عند موقفها السابق الذى اعلنته حول عدم وجود خيار عسكرى لحل الازمة السورية. ويذكر المراقبون السجال الذى احتدم بين لافروف وزير الخارجية الروسية ونظيره الامريكى جون كيري، واتهام لافروف لكيرى بانه غير قادر على تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله بشان اجتماعات الخبراء العسكريين للبلدين فى جنيف، وانتهاك الهدنة، وحتى وصفه لاجتماعاتهما بانها «صارت اشبة بالمكلمة التى لا جدوى من ورائها». ونذكر ان لافروف مضى آنذاك الى ما هو ابعد، حين اعلن عن ان موسكو سوف تعتمد لاحقا على التعاون مع دول المنطقة، وهو ما كان مقدمة للاجتماعات الثلاثية فى موسكو بين وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا وايران فى ديسمبر الماضي، وما اسفرت عنه من فكرة عقد المشاورات السورية - السورية فى الاستانة، والتى من المقرر ان تعقد فى 23 يناير الجاري. ولم تقف موسكو عند هذا الحد، حيث سرعان ما اعلن الرئيس بوتين عن الاتفاق مع معظم فصائل المعارضة السورية بما فيها المسلحة والحكومة السورية حول وقف اطلاق النار فى سوريا اعتبارا من 30 ديسمبر الماضي، وما تلا ذلك من اعلان حول سحب مجموعة السفن البحرية فى شرق المتوسط التى كانت عادت الى المنطقة منذ قرابة الشهرين.

ولعله من اللافت فى هذا الصدد ان تقابل الادارة الامريكية الحالية قرار الرئيس بوتين بسحب بعض قواته من مسرح العمليات القتالية فى سوريا، باعلانها عن تنفيذ قرار «تعزيز المجموعة العسكرية الامريكية فى اوروبا» فى خطوة تحاول فيها احباط توجهات الرئيس الامريكى الجديد نحو التعاون مع موسكو. وفيما وصف قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الاتحاد هذا القرار بانه «فخ ينصبه الرئيس اوباما لخلفه ترامب، ومحاولة من جانبه لحرمانه من حرية المناورة»، اعرب عن امله فى احتمالات ان يعيد الرئيس الأمريكى الجديد النظر فيه، بما قد يعنى عمليا التوقف عن تعزيز قوات الناتو على مقربة مباشرة مع الحدود الروسية، وبما يحول دون الاخلال بتوازن القوى فى المنطقة. لكن الواقع يقول بغير ذلك بعد «بدء وصول مئات الدبابات والمدافع الذاتية الحركة والمعدات العسكرية الامريكية الأخرى على متن سفينتين إلى ميناء بريمرهافن بألمانيا يوم الجمعة الماضي، ومن المنتظر نقلها إلى شرق أوروبا- بولندا وبلدان البلطيق وبلغاريا والمجر»، فى اطار وحسب المصادر الغربية، ما يعتبر «أكبر عملية نقل لقوة مدرعة أمريكية إلى أوروبا منذ انتهاء الحرب الباردة». واذا اضفنا الى ذلك ما اتفقت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا حول ارساله من قوات مسلحة تبلغ اربعة الاف جندى امريكى إلى كل من استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ، فاننا نكون عمليا امام تواصل محاولات تدمير التوقعات والامال التى تراود البعض فى روسيا تجاه «تطبيع» العلاقات مع الولايات المتحدة، وبما يمكن معه بدء التعاون مع الادارة الامريكية الجديدة فى مكافحة الارهاب، كما سبق وقال ترامب فى معرض حملاته الانتخابية، والذى وصف مؤخرا معارضى التقارب مع روسيا بانهم «حمقى واغبياء».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق