رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الجمعة يكتبه:احمد البرى
العيون الجاحظة!

ضاقت بى الدنيا، فلم أجد غيرك أبثه همومى وأحزانى عسى أن تخفف عنى بعض متاعبى التى تقض مضجعى فأصحو من عز النوم على كابوس جاثم فوق صدرى، مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم، فأنا رجل فى سن الثانية والستين، كنت أعمل فى وظيفة كبرى بالتربية والتعليم، وأقيم فى محافظة ساحلية، ونشأت وتربيت فى أسرة متوسطة لأب يعمل موظفا بهيئة حكومية، وأم ربة منزل طيبة للغاية, وستة أشقاء «أربعة أولاد وبنتين» وبرغم تعليم أبوىّ المتواضع فإنهما ربيانا على الفضيلة، وأحسنا معاملتنا فصرنا فى رباط واحد, وجمعتنا علاقة صداقة فكان كل منا يفضى إلى الآخر بهمومه ومتاعبه، والتحقنا جميعا بوظائف مهمة بالجامعات والوزارات السيادية، والهيئات الكبرى، وكان أقربهم إلى قلبى, أخى الذى يحتل الترتيب الثالث بيننا، ويكبرنى بثلاث سنوات، وفى سنوات شبابى الأولى أحببت فتاة رأيت فيها الزوجة المناسبة، فارتبطت بها وعشت معها أياما جميلة لمست فيها حبا وحنانا، ولم يعكر صفو حياتنا سوى بعض المشكلات الصغيرة الموجودة فى كل البيوت، وأنجبت ولدين وبنتا، هم قرة عينى، وكرست كل جهدى لكى تظلل السعادة بيتنا، وجاءتنى فرصة عمل فى الخارج، فأوكلت رعاية أسرتى إلى أخى القريب منى، فلقد كان دائما يرعى مصالحى، ويساندنى ويشير علىّ برأيه فيما يواجهنى من مشكلات، ومضت الأمور على ما يرام، وأنهيت عملى بالخارج، وعدت إلى مصر، وجمعت «اللمة» شمل العائلة من جديد، وكبر أولادى وتزوجوا وصار لى أحفاد ملأوا الدنيا علينا بهجة وسعادة، وبعد خروجى إلى المعاش مرض أخى مرضا شديدا، فلازمته فى رحلة علاجه لدى الأطباء والمستشفيات حيث خضع لتحاليل مكثفة، وفحوص أظهرت أنه مصاب بسرطان الدم، وأن حالته تفاقمت إلى درجة خطيرة، وانتحى بى الطبيب الاستشارى جانبا، وقال لى: «إن وضعه الصحى خطير .. صحيح أن الأعمار بيد الله لكنه بالمقاييس الطبية لن يعيش طويلا، والأمر كله مسألة وقت لن يزيد على أسابيع معدودة ثم يغادر الحياة», ونظرت إلى أخى, والدموع تنهمر من عينىّ، فوجدت الهزال الشديد باديا عليه فوجهه شاحب، وعيناه جاحظتان، ويلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، فاحتضنته، وربت على كتفيه، وقلت له: «هوِّن عليك، لا تحزن فلعل الله يدخر لك ما يخفف عنك متاعبك، فدع أمرك لخالقك»، واصطحبته إلى المنزل وسهرت على رعايته, ورأيت فيه أبى وأمى اللذين توفيا وأنا إلى جوارهما, أرعاهما، وألبى طلباتهما ليلا ونهارا، وكنت أرقد بجانبه حتى إذا أحسست وأنا بين النوم واليقظة أنه يريد شربة ماء، أو أن يتعاطى الدواء أنهض تلقائيا، فآتى له بما يريد، ولاحظ لهفتى عليه، ودموعى التى تنسال على خدىَّ فى صمت، ووجدته ذات مرة يطيل النظر إلىّ، وكأنما يريد أن يحدثنى فى أمر ما ثم يتراجع، وفى لحظة التقت عينانا، فانخرطنا فى بكاء مرير، وقال لى بصوت متهدج: «أريد أن أخبرك بذنب ثقيل ارتكبته فى حقك قبل أن ألقى الله لعله يغفر لى خطيئتى، ويقبل توبتى، فكل ما أخشاه أننى سأقابل ربنا بوجه خجول، ولا أدرى ماذا ستكون عاقبتى فى الآخرة, ولا كيف سأموت وأنت لا تعلم بما فعلته»، فانتبهت إليه وسمعته بإنصات تام فقال لى: «عندما سافرت إلى الخارج منذ اثنين وعشرين عاما، كان أولادك وقتها صغارا، وكنت أتردد على بيتك لتلبية احتياجات أسرتك، ومع الوقت ووجودى مع زوجتك فى مكان واحد لفترات طويلة, أقمت معها علاقة محرمة، استمرت طوال مدة إعارتك للبلد العربى، وبعد عودتك من الخارج بعدة سنوات»، وسرد مواقف عديدة حاول التدليل بها على أن ما حدث بينهما كان نزوة تكررت عدة مرات، وطلب منى أن أسامحه, فأصابتنى حالة ذهول, ودارت بى الدنيا، وسرحت بخيالى بعيدا واسترجعت الماضى وسنوات الخداع التى عشتها مع زوجة غير أمينة، وشقيق غادر، وسألت نفسى كيف أننى وثقت به وسلمت له مفاتيح حياتى وبيتى دون أن يتسرب الشك إلىّ لحظة واحدة فى إمكانية أن تجمعه علاقة آثمة بشريكة حياتى التى ربطتنى بها قصة حب طويلة يعرفها الأهل والأصدقاء، وكانت مضرب الأمثال فى المنطقة التى نعيش فيها، ولا نترك مناسبة إلا ونعيد قَصها على أولادنا وأحفادنا..

لقد ظل أخى يسوق لى مبررات كثيرة ويرجونى أن أسامحه حتى لا يلقى الله وأنا غير راض عنه، لكنى لم أعلق بكلمة واحدة, وغلبنى البكاء بصوت مسموع وبكى هو الآخر بحرقة وألم حتى بللت دموعنا الفراش، وانتابتنى بعدها صدمة نفسية عنيفة لكنى استمررت فى خدمته، وأنا صامت ففضل الانتقال إلى المستشفى فذهبت معه، وظللت إلى جواره حتى رحيله عن الحياة .. وبعدها تقوقعت فى منزلى واشتد بى الضيق، ولم أكن قد أبلغت زوجتى بجريمتها حتى ذلك الوقت واستغللت وجودنا بمفردنا على مائدة الطعام، وفاجأتها بما فعلته مع شقيقى الراحل فأنكرت فى البداية تماما أن تكون قد ارتكبت هذه الخطيئة، وقالت إن ما تسمعه منى كلام غريب، .. لكن الاضطراب بدا عليها واصفر وجهها عندما أعدت عليها بعض ما قاله أخى وهو على فراش الموت، فانهارت، وقالت إنها ندمت على ما فعلت، واستغفرت ربها الذى يغفر الذنوب جميعا، ورجتنى أن أسامحها وألا أكشف هذا الأمر، ولكن هيهات أن أنسى ما فعلت، وسأظل غضبانا عليها إلى آخر لحظة فى حياتى، وكيف لى أن أسامح زوجة خائنة بكل المقاييس، ومادامت كذلك، فإن الأمر الطبيعى أن أطلقها، لكنى كلما فكرت فى تطليقها أتراجع حفاظا على أولادى وأسرهم، وسمعتنا وسط المنطقة التى نعيش فيها، إذ سيتساءل الجميع عن سبب الطلاق ونحن فى سن الجلال والاحترام.

إننى لم أعد أتناول الطعام معها، ولا أنام إلى جوارها، ولا أطيق رؤيتها ولا حتى وجودها فى المكان الذى أجلس فيه، وأموت ببطء شديد، ولا أدرى كيف أتخلص من هذا العذاب مع المحافظة على صورة أسرتنا أمام الآخرين؟.

> ولكاتب هذه الرسالة أقول :

اعتاد الناس أن أقارب الزوج معروفون، وهناك ثقة تامة فيهم، ونسوا أنه يجب الأخذ بالاحتياط قبل الوصول إلى المتاهات، وفى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟، قال: الحمو الموت»، فى إشارة إلى شقيق الزوج الذى يرتكب الخطيئة الكبرى مع زوجته، ولا يعلم بها، ولكن فى هذه الحالة تكون معنويات الزوجة قد انهارت، ودخلت هى فى طريق المعاصى، ولا يغادرها الشعور بأنها مجرمة فى حق زوجها، وهذا هو معنى الموت، إذ يقول الحق تبارك وتعالى: «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ( 68 ) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ( 69 ) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 70 ) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا     ( 71 ) » (الفرقان)، فلقد جاء الزنا بعد القتل، مما يبين أن القتل قتلان، قتل الجسد وقتل النفس، فالمرء الذى ارتكب الفاحشة يكون قد قتل نفسيا، أما إذا أصابه ضرب مميت مثلا فيموت جسديا.

ومن هنا يجب الالتزام بتعاليم الدين وعدم الخلوة بين رجل وامرأة، حتى لو كانت مظاهر الطهر والنقاء تحيطها من كل جانب، وكان هو الآخر تقيا ورعا فى نظر الآخرين، والحقيقة أنه ليس هناك مجال لمسامحة الزوجة بعد اكتشاف خيانتها، والخروج عن هذا الإطار أشبه بالشذوذ عن القاعدة، وليس ذلك فى العقلية العربية المتوارثة وحدها، فحتى فى الغرب نجد أن العفو عن خيانة الزوجة وعودة الحياة إلى مجرياتها مرة أخرى لا يحدث كما يتوهم الكثيرون، وتعكس الأفلام والأدبيات الأجنبية هذا المفهوم جيدا، ومن ذلك فيلم بعنوان «الصفقة» لاقى نجاحا كبيرا، وفيه يعرض رجل أعمال ثرى على زوجين مليون دولار مقابل قضاء ليلة واحدة مع الزوجة.. وغرابة هذه الصفقة أنها تمت بعلم الزوجين معا، وقد وافقا عليها بعد تفكير طويل، ولكن ما حدث بعد تلك الليلة كان مربكا لهما، فلقد انفرطت علاقتهما الزوجية، ولم يعد كل منهما يطيق الآخر، حيث شعرت الزوجة بأن زوجها ليس هو الرجل الذى يمكنها أن تعتمد عليه فى حياتها بعد أن باعها مقابل المال مهما تكن قيمته، وأصبح من الصعب على الزوج نفسيا إقامة علاقة زوجية أو مشاعر سليمة مع زوجة رضيت بأن تمنح هذا الحق لرجل آخر لمجرد أنه يمتلك المال .. حدث ذلك برغم رضاهما من الأساس على العلاقة الآثمة لليلة واحدة، فكيف يمكن لرجل عربى يغار غيرة قاتلة على زوجته أن يتقبل مجرد تخيلها بين يدى رجل آخر، فهذا لا يحدث إذا تعرضت الزوجة للتعدى الجسدى من مجرم، فكيف يكون موقفه إذا خانته؟، ولذلك أقدر تماما موقفك الرافض حتى لمجرد وجودها معك تحت سقف واحد.

وعلى جانب آخر, فإن الاحتياج غير الملبى نقمة على صاحبه، إذ يتخبط ويخطئ وقد يُجرح ويُهان بسبب اللهث وراء إشباعه، ولا أعتقد أن هناك من يسلم من ذلك، فكلنا نحتاج إلى الحب والثقة، والإشباع العاطفى والجسدى والمادى، ويعلم الله حقائقنا العميقة، ولذلك يغفر لنا خطايانا وهو الغفور الرحيم، ويشجعنا على نفض الزلات والأخطاء أولا بأول، واستكمال مسيرة التهذيب والتصحيح حيث يؤكد أن الصلوات تكفر ما بينها من خطايا، وكأنه عز وجل يوضح لنا أن مقاومة الزلات والمعاصى ليس لها سبيل سليم إلا أن نسامح أنفسنا، وأن ننسى الماضى بكل مآسيه، باعتبار أن الوقوف عند الخطأ واللوم والتأنيب المستمر, عوامل تجعل الباب مغلقا أمام التحسن، فحين نتعامل مع الأمر الواقع بقدر من الهدوء والعقلانية، فإننا نتمكن من التحرك من «مربع الخطأ» إلى «مربع التصحيح»، ومسامحة الآخرين، وبالتالى فإنك الآن أمام خيارين إما التسامح، وإما الطلاق، فالله سبحانه وتعالى لم يجبرنا على إبقاء الحياة الزوجية مع وجود مشكلة كبرى مثل خيانة الزوجة، بدعوى الحفاظ على صورة الأبناء أمام الآخرين، أو الخوف من المجتمع، أو غير ذلك من الأسباب التى تتصارع داخلك، وتمنعك من اتخاذ قرار الانفصال، فلتأخذ وقتك وتتفاهم مع نفسك إلى أن تصل للمصداقية الحقيقية التى تجعلك تتعامل معها بنضج دون ماض يقفز إلى قلبك كل فترة، ولا يغادر عقلك ويحيل حياتك إلى عذاب دائم .

وأحسب أن شقيقك كان صادقا فى توبته لدرجة أنه رأى إطلاعك على خطيئته مع زوجتك لكى يخلص نفسه من العذاب الذى عاناه فى مرضه الأخير، ولا شك أن الله يقبل توبة العبد حتى آخر لحظات حياته، وقبل أن تصل روحه إلى «الحلقوم»، ولو لم يخبرك بما فعله ما كنت ستدرى شيئا حتى الآن، وربما تكون زوجتك هى الأخرى قد تابت وندمت على ما فعلته، ولم تكن تريد أن تخبرك بجريمتها النكراء خوفا من المصير الذى يتهددها الآن.

لقد مر وقت طويل وأنت متردد فى اتخاذ القرار المناسب، وأقدر تريثك فى هذه المسألة التى سوف تترتب عليها تبعات كثيرة، وأرى, والحال كذلك, أنه لا مفر من الطلاق، واحتفاظكما بأسبابه فيما بينكما بعيدا عن أبنائكما والمحيطين بكما، ويمكنك أن ترتبط بأخرى من باب «الإيناس» فتنشغل بها عن استعادة الماضى، فمن المستحيل أن تظلا معا تحت سقف واحد حتى لا تستعيد كل لحظة «الصورة المؤلمة» التى مازالت عالقة بعقلك وقلبك وتؤرق مضجعك، وتحيل حياتك إلى جحيم لا يطاق، فالأمر هنا ليس شكوكا لا تملك الدليل عليها، أو ربما ليست فى محلها، وإنما هو واقع باعتراف طرفى العلاقة, شقيقك الراحل، وزوجتك الحالية، وليس له علاج فعّال إلا «البتر» بمعنى الطلاق وليذهب كل منكما إلى سبيله، وأسأل الله أن يريح بالك, وأن يلهمك الصبر, وأن يكتب لك حسن الخاتمة وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق