رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفهم الخاطئ للقرآن والسنة يسىء إلى الإسلام والمسلمين
فتنة تغيير المنكر باليد.. قتل بائع الإسكندرية جريمة تخالف تعاليم الشرائع وتستوجب أقصى العقوبة

تحقيق - حسنى كمال
لا يغيب عن فكر جماعات العنف والإرهاب اجتهادات قدامى الفقهاء والمفسرين حول ما ورد فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن تغيير المنكر باليد، وتعد تلك الاجتهادات والفتاوى التى تنسب فى كثير من الأحيان إلى «ابن تيمية» هى القاسم المشترك لدى جماعات العنف والإرهاب، ولكنها قد تؤجل لدى البعض لتأتى فى مرتبة أدنى من جماعة أخرى تعتبره منهجا وأصلا من أصول الإسلام وإقامة الدين.

من هنا لا تتوقف حوادث القتل وقطع الرءوس تحت دعوى تغيير المنكر باليد واقامة شرع الله فى الأرض، وما كانت جريمة الاعتداء على ابن الإسكندرية إلا تغييرا للمنكر، واستندوا فى ذلك لآيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
وبعد شيوع حالات سفك الدماء والاعتداء علي الآخرين تحت دعوي تغيير المنكر, رفض علماء الدين القيام بمثل هذه الممارسات بعيدا عن مظلة الدولة, وأكدوا أن هناك ضوابط ومستويات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب الالتزام بها, وأن تغيير المنكر باليد من قبل الأفراد هو عدوان علي سلطة الدولة, مطالبين وزارة الأوقاف والأزهر والإعلام بتكثيف الوعي الديني حول هذه القضية, حتي لا تتحول مجالات الدعوة من قبل البعض إلي فوضي وفتنة بين الناس.
وأكد علماء الأزهر أن الفهم الخاطئ للآيات القرآنية يسيء إلى الإسلام، وأن الإنكار يكون باليد فى حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والجهات المختصة، وأن تغيير المنكر باللسان يجب أن يكون بالرفق وتوجيه النصح، والأهم من كل ذلك أن ضوابط تغيير المنكر ألا يؤدى إلى منكر أشد منه ضررا.
كما أدان علماء الدين حادث قتل المواطن السكندري أمام محله، ووصفوه بـ «الأداء الفوضوي» لأن الإسلام حرَّم القتل، وإذا أساء الإنسان يجب أن يعاقب على هذا العمل لأن هناك ولاة الأمر وهم المسئولون عن أي مخالفات، وأيضا يترك الأمر لأهل الاختصاص في تكييف القضايا، ومعرفة الحكم الواجب التطبيق فيها، ولذا فإن ما حدث في حق المقتول جريمة في التشريع الإسلامي، فضلا عن أن فعلته الشنعاء تبث سموم الفتن وتسيء للمسلمين، وتروع الآمنين، كما يجب على الدولة أن تقوم بتعجيل عقوبة المخطئ والمسيء في مثل هذه الحالات سريعا، حتى لا تستفز مشاعر الناس.

النصيحة والرفق
ويستنكر الدكتور إسماعيل الدفتار، عضو هيئة كبار العلماء، ما حدث من عملية ذبح للرجل أمام محله، وهو ليس تغييرا للمنكر كما يدعي البعض، ومن التوجيهات الإسلامية إعطاء النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضعت لذلك ضوابط وآداب لابد أن يرعاها المسلم الذي يقوم بها، فيجب أن يكون قصده الإخلاص لله أولا، ومصلحة من ينصحه أو يوجهه وأن يكون ذلك بحيث يجتذب إليه من يوجه إليه ذلك النصح، ولا ينفره حتى يتحقق المقصود، ومن أجل ذلك دعا الإسلام إلى الرفق بالآخرين ونبذ العنف، ويقول صلى الله عليه وسلم، ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شانه، (عابه) وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وأضاف: أن معاملة غير المسلم ليس فيها ما يدعو إلى أي تجاوز أو إضمار العداوة، وإنما ينبغي أن نتبع المنهج الإلهي الذي رسمه القرآن الكريم، وأن نعلم أولا أن ليس علينا هدى الآخرين، وإنما يهدي الله من يشاء من عباده، وما على المسلم إلا بيان فضائل الإسلام ومحاسنه بأن يكون قدوة في السلوك وفي حسن المعاملة مع خلق الله أجمعين، وحينما يكون المسلم قدوة حسنة بين الناس، فهذا يستميل القلوب ويجعل الناس يقدرون المنهج الذي يلتزمه، وعند الانحراف أو المخالفة لذلك فإنه يعرض المنهج الذي يدعيه أو ينتسب إليه للطعن والتجريح والاتهامات بغير حق، فإذا ارتكب المسلم في حماقة بالقتل أو التخريب وما إلى ذلك فذلك مما يوجب عقابه على الله، ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم، (ما نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول (قابيل) كفل من وزرها وذلك إلى يوم القيامة وتوجيهات الدين تؤكدها القاعدة الإسلامية (لهم مالنا وعليهم ما علينا) كما تتمثل في أن الإسلام يجعل المعاهد في موضع الأمن والأمان على ماله وعلى نفسه، والنبي، يقول (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة) والإسلام بهذا يحترم العلاقات الإنسانية والعلاقات التعاقدية كما يحترم الروابط النسبية من ناحية الدم والمصاهرة كاحترامه للروابط العقدية.

ترسيخ للفوضى
ويقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن، إنه لا يجوز إهلاك أحد ولو كان مستحقا لذلك إلا بأمر ولي الأمر أو نائبه، ولم تبح الشريعة الإسلامية قتل النفس إلا بالحق, قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق), وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله, فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم في ذلك على الله, والذي يحدد استحقاق إنسان للقتل أو عدم استحقاقه له, هو ولي الأمر أو من ينوب عنه في ذلك, من جهات التحقيق والادعاء العام والقضاء, وهؤلاء ليس بوسعهم الحكم على أحد بالقتل حدا أو قصاصا أو نحوهما, وهذا الجرم الذي حدث في حق القتيل نوع من أنواع الفوضى التي يأباها الإسلام, بل يسبب الكراهية للمسلمين، ويزرع الفتن بينهم، فينبغي ألا تترك السلطات المعنية معاقبة مرتكبه أيا كان تبريره لما قام به, وقد تصل العقوبة في حق قاتله إلى القتل قصاصا به, لأنه لا يملك بينة على ارتكاب من ظنه مسيئا لهذا الجرم.
وأوضح أن إنزال العقوبة بالمخالف, يكون لولي الأمر أو نائبه, وليست لآحاد الناس, حتى ولو كانوا من أهل الاختصاص في تكييف القضايا, ومعرفة الحكم الواجب التطبيق فيها, ولذا فإن ما حدث في حق المقتول جريمة في التشريع الإسلامي, ولا ينبغي أن تمر بغير مؤاخذة مرتكبها ومعاقبته بالعقوبة المقررة شرعا, باعتبار أنه اعتدى على نفس حرم الله إزهاقها إلا بالحق, فضلا عن أن فعلته الشنعاء تعد سابقة أن يعتدى على رجل آمن أمام محله، فهذا نهى عنه الإسلام، ويتوافر فيه عدم تحقيق أمن الناس على أنفسهم في غدوهم ورواحهم, ويرسخ لفوضى إزهاق الأنفس بأدنى مبرر, بما قد تعجز معه أي سلطة معنية بأمن المجتمع، أما عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فله ضوابط شرعية، والتغيير باليد يكون للحاكم ومن يحوز السلطة، أما التغيير باللسان يكون للعلماء ومن توفر لديهم العلم الشرعي الصحيح وفي حالة التغيير بالقلب يكون للعامة وجمهور الناس.

عمارة الأرض
من جانبه، يقول الدكتور جمال عبد الوهاب الهلفى، عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنين بجامعة الأزهر، إن الإسلام يحرم الاعتداء على الآخرين بغير حقٍّ، كما يجرم التَّعدِّي على الأبرياء بغير ذنب، وينهي عن ترويع الآمنين وإرهابهم ويدعو إلي التعايش السلمي في مجتمع آمن. والإسلام دين حياة، ينادى بعمارة الأرض، ويدعو للبناء، وإقامة الحضارات، وينبذ العنف ويمقت التشدد. يجعل للحياة قدسية عالية المقام، فتكفل تبارك وتعالى للإنسان أن يحيا آمنا مطمئناً فحفظ له ضرورات حياته في نفسه وماله وعرضه وعقله ثم حد لهذه الضرورات حدوداً ترعاها، وشرع لها عقوبات تحميها، فمن تعدى علي آدمي بالقتل فسلبه حق الحياة بغير حق يكون محارباً لله ورسوله، يستحق الخلود في نار جهنم، قال تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. سورة الفرقان 68 . فحكم عليه الحق تبارك وتعالى بالخلود في العذاب مهاناً كما استهان بمحارم الله، بل جعلت الشريعة الإسلامية قتل الأبرياء من أكبر الجرائم فضاعف الله تبارك وتعالى فيها العقوبة فقال: مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. سورة المائدة الآية 32 قال علماء التفسير: إن عليه إثم من قتل جميع الناس.

معاند لحكم الله
وأضاف: إن دين الإسلام يرعي الجميع تحت رايته لا تمييز فيه على سبيل عرق أو لون أو دين الجميع تحت رايته سواء، لا تفرق فيه ولا تحزب، فقد غضب عمر بن الخطاب من واليه عمرو بن العاص وعاتبه عندما بدر منه ما يدعو الى هذا التمييز، وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا وذلك في واقعة تعدي ابن عمرو العاص على ابن رجل قبطي من أهل مصر.. هذه المعاملة هي دستور الإسلام ومنهاجه في معاملة رعاياه اتفقوا في الديانة أو اختلفوا، توافقوا في القبلية أو تعددوا، إن مصر قد حكم الله لها بالأمن والأمان في كتابه العزيز قال تعالي: ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ. فعلى جموع الشعب العظيم الوقوف خلف قيادته الحكيمة حكومة وجيشاً وأن تكون لهما عونا ومسانداً ومؤيدا ناصراً ومعيناً، يداً واحدة وقلباً واحداً تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ، ضد الإرهاب الأسود الذي يريد أن ينال من وحدتنا، ويهدد حياتنا ويبدد مستقبل أولادنا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق