رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مخاوف انفراط عقد القارة الأوروبية

> دينا عمارة
«الطلاق المؤلم».. هكذا وصفه المسئولون الأوروبيون, بينما اعتبره البعض الآخر بداية لتساقط حجر الدومينو, بالفعل كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى زلزال عام 2016 بكل ما تحمله الكلمة من معني,

ليس فقط بالنسبة لبريطانيا التى بدت بعد إعلان نتائج الاستفتاء أكثر انقساما من أى وقت مضي، بل على الاتحاد الأوروبى الذى فقد عضوية دولة أساسية فيه, وطرحت أسئلة حول شكل العلاقة المستقبلية التى ستربط ثانى اقتصاد فى القارة الأوروبية وخامس اقتصاد فى العالم بالاتحاد الأوروبي، وتأثير خروجه على مستقبل الاتحاد وقدرته على الاستمرار، بعد أن أخذت أصوات تتعالى فى دول أوروبية أخرى تطالب بالاستفتاء على الخروج من الاتحاد مثل البريطانيين.

وكما أن لكل زلزال توابع, فتبعات الانفصال يبدو أنها ستستمر ليس فقط فى 2017 ولكن لأعوام أخرى قادمة, ففى حين بدأ صبر الاتحاد الأوروبى ينفد مطالبا بريطانيا بإطلاق آلية الانفصال بسرعة فإن لندن يبدو أنها تفضل التريث, فالمفاوضات التى ستباشرها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى معقدة وستستمر سنتين كحد أقصى لضمان خروجها بشكل كامل, وسط توقعات ببدء أزمة اقتصادية عالمية جديدة بسبب الأوزان النسبية الكبيرة للطرفين فى الاقتصاد العالمي. أما سياسيا فسيفقد الطرفان الكثير من مكانتهما فى العالم، وهو ما سينعكس سلبيا على قدرتهما فى التدخل لحل النزاعات الإقليمية أو تحقيق توازن فى القوى الدولية المؤثرة سياسيا أمام روسيا والصين والولايات المتحدة, إلى جانب احتمال حصول هجرة واسعة لرءوس الأموال وعزوف عن الاستثمار فى قطاع العقارات والخدمات المزدهر فى لندن, كما أن تداعيات الخروج تتمثل فى فقدان الفكرة الأوروبية بأحلام الفيدرالية والجيش الموحد جاذبيتها, والتأكيد على هشاشة المشروع السياسى للاتحاد الأوروبى فى مواجهة الأزمات.

أما بالنسبة للمهاجرين وهى القضية التى شغلت الرأى العام البريطانى إلى حد اعتبار البعض أن التصويت على الخروج كان تصويتا حول الهجرة, فمن المحتمل أن يُمنح مهاجرو الاتحاد الأوروبى فى المملكة المتحدة تصريحا بالبقاء، إذا لم يطالب بترحيلهم، لكن ليست هناك ضمانات لهذه المرحلة.

فبموجب القانون الحالى لحرية الحركة فى الاتحاد الأوروبي، فإن المواطنين لديهم كامل الحرية فى السفر والاستقرار فى أى من الدول الأعضاء, وإذا تفاوضت بريطانيا فى الإبقاء على حرية الحركة، لن يتضرر مهاجرو الاتحاد فى المملكة المتحدة وعددهم ثلاثة ملايين ومهاجرو بريطانيا فى الخارج وعددهم 1.2 مليون شخص.

غير أن الحكومة البريطانية قد تجد نفسها تحت ضغط شديد للانسحاب من حرية الحركة بعدما تعهدت حملة الخروج بالحد من الهجرة الأوروبية, وهذا من شأنه أن يلزم المواطنين البريطانيين الحصول على تأشيرة للعمل أو العيش فى الخارج، ونفس الإجراء بالنسبة لمواطنى الاتحاد الأوروبى الراغبين فى الاستقرار فى بريطانيا.

أما التخوف الأكبر من تبعات هذا الانفصال هو تنامى الطموح الانفصالى لدى الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أكثر من دولة أوروبية والتى راقبت عن كثب الخروج البريطانى من أجل المطالبة به فى دولها, وتكمن الخطورة فى أن شعبية هذه الأحزاب فى ازدياد، وهو ما يعنى أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يشكل بداية انفراط عقده وعودة القارة الأوروبية إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية.

لم تواجه أوروبا تحديا يهدد كيانها السياسى الأهم فى تاريخها مثل تحدى الانفصال البريطاني, وفى هذه اللحظات ربما يتذكر الأوروبيون كلمات الرئيس الفرنسى الراحل شارل ديجول حينما حذر فى نوفمبر عام 1967 من أن «فرض بريطانيا كعضو فى السوق الأوروبية المشتركة سوف يؤدى إلى تحطيمه», ولسان حالهم الأن يقول: ربما كان الجنرال الفرنسى العجوز على حق!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق