رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

اشراف : احمد البرى
فلسفة أفلاطون

استوقفتنى قضية «التعليم الاستثمارى» التى أثارها «بريد الأهرام» ، وقد طالب أ.أحمد البرى فيها بضرورة وضع أسس وقواعد تكفل التوسع فى المدارس والجامعات الحكومية وتحسين العملية التعليمية بها، ولا يتم اهمال التعليم الحكومى لحساب التعليم الخاص الذى لا يستطيع الغالبية العظمى من المواطنين توفير المصروفات اللازمة له، وبالتالى يصبح أولادهم مهددين بالتسرب من التعليم.

وتعليقا أقول: إذا كان هناك خوف من إنشاء مدارس خاصة مصرية خشية ألا يدخلها غير القادرين ماديا وهم السواد الأعظم من الشعب، فماذا نقول إذن عن المدارس الأجنبية والدولية التى كثرت فى مصر وانتشرت مثل النار فى الهشيم، والتى يدخلها بالطبع أبناء الأثرياء؟، ألا يعد ذلك مثالا صارخا للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، حيث يكون التعليم الراقى من نصيب الأغنياء والتعليم العادى للفقراء من غالبية الشعب؟.

لقد وقع فى يدى بالصدفة إعلان مدرسة دولية لدولة أوروبية مطبوع على ورق من الكرتون المقوي، والملون بألوان زاهية، ويتضمن صورا عن مرافق وأبنية هذه المدرسة تخلب الألباب وتجذب العيون تماما، وقد قارنت بين الفرق الكبير الشاسع بين هذا النوع من التعليم بكل إمكاناته ومدارسنا الحكومية التى تفتقر إلى هذه المميزات، وبالتالى حرمان أبنائنا منها، ولو كانت المدارس الحكومية على نفس المستوى أو قريبة منها لما رأينا تسريبا للتلاميذ من المدرسة وكرها منهم للعملية التعليمية برمتها، ولأقبل الجميع على التعليم بشغف، ولتقلصت نسبة الأمية فى مصر إلى أن تنتهى تماما..

يقول الإعلان أن هذه المدرسة الدولية تقوم بتدريس اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وتؤهل الطلبة على مستوى عال من الجودة، أما عن أعضاء الفريق التعليمى فهم على مستوى عال من التأهيل والاحترافية، ويحملون شهادات تدريس أوروبية، وللمدرسة قاعتان كبيرتان للمعامل يعمل فيهما طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهناك مكتبتان كبيرتان تضمان العديد من المراجع المتنوعة سواء المكتوبة أو الالكترونية فى اللغات الثلاث الفرنسية والعربية والإنجليزية تتيح للطلبة الاطلاع فى جميع المجالات المعرفية والمناسبة لجميع الفئات العمرية للطلبة، وبالمدرسة قاعة كبيرة كمعمل للكمبيوتر مزود بأجهزة كمبيوتر حديثة، ولكل فصل جهاز كمبيوتر متصل بشبكة الإنترنت وجهاز «بروجكتور» من الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية، وللمدرسة مسرح كبير مزود بأحدث التقنيات يتيح تنظيم الحفلات الكبرى التى تقيمها المدرسة.

وهناك أيضا مسرح آخر رومانى بمدرجات يستخدم لإقامة العديد من الأنشطة فى الهواء الطلق!. ولدى المدرسة قاعة كبيرة للطعام يتم فيها تقديم وجبة ساخنة ومتوازنة لتلاميذ الحضانة فى خدمتين يوميتين تحت إشراف المدرسين والمعاونات، ويتم عرض العديد من الأطباق المتنوعة والساندوتشات وأصناف الحلو للطلبة فى قاعة المطعم الكبيرة، وتمتلك المدرسة سيارات مكيفة تغطى جميع مناطق القاهرة، وبها حمام سباحة حيث يحظى التلاميذ من الحضانة حتى نهاية المرحلة الثانوية بممارسة تمرينات السباحة الأسبوعية على أيدى مدربين محترفين، كما تقدم المدرسة مختلف الأنشطة التعليمية الإضافية مثل كرة القدم، تنس الطاولة، فن الباليه، المسرح، الموسيقي، وتتميز بوجود قاعة جمنيزيوم مجهزة على أعلى مستوي.

انتهيت من قراءة الإعلان الموجه بالطبع إلى طبقة الأثرياء، وأصبت بالدوار، وأشفقت على أبنائنا المعذبين، فمن الخطأ أن يكون هناك تمييز بين أبناء الوطن الواحد فى العملية التعليمية، وأن يكون الفقر والغنى هما المعيارين اللذين على أساسهما تنتسب فئة إلى التعليم الراقى والأخرى إلى التعليم العادي.

إننى أعلم أن من حق القادرين أن يعلموا أبناءهم تعليما راقيا، ولكن ليس فى بلد يعانى أكثر من 90% منه ويكد ويكدح من أجل لقمة العيش، فكيف له بتعليم من هذا النوع؟، وكان من الواجب على الحكومة توفيره، فليس هناك أغلى من «التعليم»، ويستحق أن ننفق عليه كل غال ونفيس، فهو قاطرة المستقبل والضمان الوحيد للتقدم والازدهار، كما لابد للأغنياء ورجال الأعمال من دور مهم فى هذا الشأن بدلا من انفاق الملايين فى حفلات زواج أسطورية لا لزوم لها سواء أقيمت هذه الحفلات فى مصر أو خارجها، ولنا فى أثرياء أوروبا وأمريكا المثل الأعلي، حيث يوجهون أموالهم إلى مصارف الخير فى أوطانهم ولا ينجرفون فى سلوكياتهم إلى مظاهر التعالى والتباهي، تلك الأمراض الاجتماعية التى تصيب أثرياءنا بصورة متكررة، ولا تبدو هناك بادرة أمل فى الشفاء منها.

إن وجود مثل هذه المدارس الدولية يضرب فضيلة الانتماء للوطن فى مقتل، ويؤدى إلى تكريس الحقد والحسد والإحساس بالقهر، ولقد رأيت ذلك بنفسى فى مناسبة لدى إحدى العائلات التى ينتسب إليها الشريحتان الغنية منها والفقيرة مثل الكثير من العائلات فى مصر، رأيت نظرة الحزن والشعور بالدونية من جانب الشباب الفقراء وهم ينصتون إلى أقاربهم من الشباب والفتيات الأغنياء وهم يتحدثون بفخر وخيلاء عن مستوى تعليمهم الراقى ونطقهم باللغات الأجنبية، وقد يكون من بين هؤلاء الفقراء من هو الأذكي، والذى يستحق هذا التعليم، ولكن حال فقره أو بالأحرى فقر والده دون ذلك. لقد فطن إلى ذلك الفيلسوف «أفلاطون» فى جمهوريته منذ 2400 عام، حيث نادى بضرورة أن يكون تعليم الأبناء فى الدولة على مستوى واحد دون تمييز أو تفرقة، وجعل هذا الشرط من الشروط الجوهرية لبناء مدينته الفاضلة وبدونه يختل النظام الاجتماعى ويسود الظلم والاحتقان بين الناس.. «أوقفوا تراخيص بناء مثل هذه المدارس الدولية على أرض مصر»!.

محاسب ـ صلاح ترجم ـ حلوان

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق