رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

كشف ملامح خطة الخروج البريطانى من أوروبا بطريق الخطأ

منال لطفى
منذ قررت بريطانيا الخروج من الإتحاد الأوروبى فى استفتاء يونيو الماضي، تعاملت الحكومة البريطانية برئاسة تيريزا ماى مع «ملف الخروج» كأنه ملف حرب سرية تدور معاركها فى أروقة «داوننج ستريت» دون أن يخرج للبريطانيين أى معلومات مفصلة حول استراتيجية الخروج بإستثناء عبارة ماى الشهيرة «الخروج يعنى الخروج... وسنجعل منه قصة نجاح».

أصرت ماى على منع وزرائها من الحديث للصحافة حول أى تفاصيل ومنعت التسريبات حول أى أفكار عامة حيال ملامح خطة الخروج، وأغضبت حلفاءها الاوروبيين الذين كانوا يأملون فى ملامح عريضة بنهاية العام الجاري، ثم دخلت ماى فى معركة قانونية ستحسم الأسبوع المقبل حول السماح للبرلمان البريطانى بأن يكون له دور فى تفعيل المادة 50 لبدء مباحثات الخروج والتصويت على الشكل النهائى لعلاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.

لكن جهود ماى الاحترازية لاخفاء أى شئ عن ملامح خطة الخروج كشفت بطريق الخطأ عندما التقطت عدسات الكاميرات صورا لملاحظات بخط اليد فى يد جوليا دوكريل مساعدة نائب رئيس حزب المحافظين مارك فيلد وذلك بعد اجتماع لمسئولين ووزراء فى الحكومة حول مفاوضات الخروج من أوروبا.

لا يتولى مارك فيلد ملفا محددا فى مفاوضات الخروج، لكنه مهتم بأثر الخروج من الإتحاد الأوروبى على قطاع الخدمات المالية فى بريطانيا، خاصة وانه نائب فى مجلس العموم البريطانى عن دائرة «لندن وويستمنستر» حيث تتخوف الكثير من البنوك والشركات الدولية من آثار الخروج، وبعضها أعد خططا لمغادرة لندن إذا أدت المفاوضات إلى خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الموحدة.

فماذا تكشف تلك الملاحظات التى كتبت بخط اليد وكانت فى طريقها من «9 داوننج ستريت» مقر وزارة الخروج التى تأسست بعد الاستفتاء، إلى «10 داوننج ستريت» مقر رئاسة الوزراء؟

ربما أول ما تكشف عنه تلك الملاحظات هو النهج العام الذى يحكم التفكير البريطانى فى الخروج، والذى من المؤكد أن يغضب باقى دول الإتحاد الأوروبي. ففى إحدى الفقرات يرد السؤال التالي: ما هو نموذج الخروج؟ ليأتى الرد «احتفظ بالكعكة وكلها» وهو تعبير يعنى التحايل للحصول على الشئ ونقيضه، فمن المستحيل الحفاظ على الكعكة كما هى وفى نفس الوقت أكلها. وتشير تلك العبارة غالبا إلى رغبة بريطانية فى وقف الهجرة الأوروبية، لكن فى نفس الوقت إستمرار البقاء فى السوق الموحدة. ومنطقيا وقانونيا الحصول على الميزتين معا شبه مستحيل.

وتكشف الملاحظات أن حكومة المحافظين ترى أنه من «غير المرجح» بقاء بريطانيا فى السوق الأوروبية الموحدة. وهذا من شأنه ان يثير عاصفة من الاحتجاجات ضد الحكومة التى تتحرك فى ملف مفاوضات الخروج وحدها بدون استشارة أكبر مع مجتمع المال والأعمال ومدينة لندن والأحزاب السياسية والجامعات والمؤسسات البحثية والأهم من ذلك البرلمان الذى يريد أن يكون له دور فى تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة الخاص بالخروج وفى الاتفاق النهائى بين بريطانيا والإتحاد الأوروبي.

ووسط الملاحظات العبارة التالية:«لماذا ليس النرويج؟ لسببين: أولا لأننا لا نريد دورا لمحكمة العدل الأوروبية، وثانيا لأننا من غير المرجح أن نكون فى السوق الموحدة». وتأتى تلك العبارة فى اطار تحليل عيوب النموذج النرويجي. فالنرويج ليست عضوا فى الإتحاد الأوروبى أو فى الإتحاد الجمركى ولكنها عضو فى السوق الموحدة. ويرفض المتحمسون لـ«خروج حاسم» من الإتحاد الأوروبى هذا النموذج لأنه يفرض على النرويج قبول حرية انتقال الأفراد من دول الاتحاد الأوروبي، ولأنها يجعلها تحت الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية.

ولا يريد الكثير من الوزراء البارزين فى الحكومة أى أتفاق مع أوروبا يتضمن بقاء بريطانيا فى السوق الموحدة إذا كانت حرية انتقال الأفراد هى الثمن.

ووفقا للملاحظات:«(المفاوضات) يجب ان تسير بشكل متواز. أكثر من 20 مسار مفاوضات فى الوقت نفسه. والالتزام بمهلة عامين للتفاوض. وعدم تقديم المزيد من التفاصيل». وتضيف الملاحظات:«نعتقد أنه من غير المحتمل ان يعرض علينا السوق الموحدة». مع عبارة اخرى محرجة وهى «فرنسا على الأرجح ستكون الأكثر صعوبة» فى المفاوضات بخصوص الخروج.

وتشير الورقة إلى أن التوصل لاتفاق حول العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبى فى القطاع الصناعى ستكون سهلة نسبيا، لكن الاتفاق حول الخدمات وعلى رأسها الخدمات المالية والقانونية ستكون أكثر صعوبة بكثير.

وتريد لندن الاحتفاظ بوضعها كعاصمة المال الأوروبية، لكن خروج بريطانيا المحتمل من السوق الأوروبية الموحدة يجعل هذا السيناريو صعبا جدا وسط تنافس من عواصم مالية على رأسها فرانكفورت وباريس تريدان ان تأخذا مكانة لندن.

ومع انتقاد النموذج النرويجي، تشير المذكرة إلى فكرة «الخيار الكندي» مع تعديلات تناسب الوضع فى بريطانيا، وذلك فى إشارة إلى اتفاقية التجارة الحرة التى وقعت مؤخرا بين الاتحاد الاوروبى وكندا بعد 7 سنوات من المباحثات الشاقة.

ولأن المباحثات حول الإتفاقيات التجارية دائما ما تكون طويلة وشاقة، تتحدث الملاحظات عن الخيارات أمام بريطانيا إذا لم تتوصل لإتفاق مع الاتحاد الاوروبى بعد انتهاء مهلة العامين للتفاوض، وتشير إلى «حالة النفور» فى فكرة «اتفاق انتقالي» بين لندن وبروكسل. وتقول فقرة فى الملاحظات:«مرحلة انتقالية- هذه خطوة منفرة. لكن وايت هول (مقر الكثير من الوزارات) سوف يتمسك بها. نحن بحاجة لوضع حد للمفاوضات».

وتشير تلك الفقرة إلى الخلافات المتصاعدة بين ماى والكثير من وزرائها خاصة ممن أيدوا بحماس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وعلى رأسهم وزير التعاون الدولى ليام فوكس، ووزير الخروج ديفيد ديفيز ووزير الخارجية بوريس جونسون، فهم يريدون مفاوضات بحد زمني، لا عملية مفتوحة الأجل. لكن نهج تيريزا ماى أقل صرامة، فهى ألمحت الأسبوع الماضى إلى أنها لا تمانع فى استمرار المحادثات لفترة أطول من العامين وتعتقد أن لندن وبروكسل يمكن ان يتفقا على مرحلة انتقالية تمتد إلى 2021 إلى حين التوصل للإتفاق النهائي. وهو موقف يدعمه محافظ البنك المركزى البريطانى مارك كارنى الذى يرى ان اتفاقا انتقاليا بحلول 2021 يمكن أن يحمى الاقتصاد البريطانى من الأثار الخطيرة للخروج المفاجئ او المتعجل.

ووسط الإحراج البالغ للحكومة، نأى المتحدث باسم تيريزا ماى برئيسة الوزراء عن المذكرة، قائلا إنها «ملاحظات فردية لا تنتمى إلى مسئول حكومى أو مستشار خاص وأنها لا تعكس موقف الحكومة من مفاوضات الخروج».

ويشعر البريطانيون بقلق بالغ من السرية التى تدير بها حكومة ماى ملف مفاوضات الخروج من أوروبا. فهى ترفض الكشف عن أى تفاصيل محددة بخلاف تقييد الهجرة وعدم قبول مبدأ حرية انتقال الأفراد ورفض القوانين الأوروبية وهذا يعنى ضمنا خروج بريطانيا من السوق الموحدة التى تستلزم شرط حرية انتقال العمالة.

وتتعرض ماى لانتقادات عنيفة من مسئولين ونواب فى «حزب المحافظين» الحاكم لا يريدون «خروج عنيف أو مفاجئا» يعرض بريطانيا لهزات اقتصادية ويفضلون البقاء قدر المستطاع على مقربة من الاتحاد الأوروبى والأستمرار فى السوق الموحدة، وقبول اتفاق انتقالى مع الأتحاد الأوروبى يحمى بريطانيا من عواقب الخروج السريع.

كما تتعرض لانتقادات عنيفة من أحزاب المعارضة مثل «العمال» و«الأحرار الديمقراطيين» و«حزب استقلال بريطانيا» (يوكيب) القومى اليمينى الذى انتخب أمس الأول زعيما جديدا له هو بول ناتول خلفا لزعيمة الحزب ديان جيمس التى استقالت بعد 18 يوما فقط من انتخابها. وناتول، مثل معلمه والزعيم القوى لـ(يوكيب) نايجل فاراج الذى أستقال من زعامة الحزب فى يونيو الماضي، يريد خروجا بريطانيا سريعا وحاسما من الاتحاد الاوروبي، وهذا يعنى الخروج أيضا من السوق الموحدة. ووعد ناتول بالضغط على حكومة ماى لـ«تحقيق إرادة الشعب.. التى تعنى استعادة زمام الأمور، من خلال السيطرة على الحدود والمال والقوانين».

أما زعيم حزب »الأحرار الديمقراطيين« تيم فارون فقال ساخرا حول الملاحظات المكتوبة «لو كانت هذه هى استراتيجية الحكومة، فهى مفككة وغير مترابطة. لا يمكننا الاحتفاظ بالكعكة وأكلها فى الوقت نفسه. هذه الصور تعكس أن الحكومة بلا خطة»، ويخلص: لو لم تكن هذه الخربشات مقلقة جدا، لكانت مثيرة للضحك.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق