منذ أن عرف العالم العربي الفنون بشكل عام والدراما بشكل خاص كان التفوق دائماً لمصر، وكانت الدراما المصرية منتجا فنيا لا منافس له علي شاشات التليفزيون في العالم العربي ،
◄ الحل: تقديم أعمال فنية علي مستوى عال من الجودة وراقية
◄ المطالبة بعودة قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ودعوة الكتاب الشباب لإظهار العلاقات الأسرية ونبذ العنف
◄ على عكس القاعدة ..العملة الرديئة طردت الجيدة، واختفت لتحل محلها دراما ضعيفة
حيث النصوص المميزة والقصص التي تذخر بالعديد من التفاصيل الشيقة ذات الرسائل والمضمون الهادف، بالإضافةً إلي التصوير الجيد والإمكانيات الإنتاجية الغنية ، وكانت الشاشات فى أنحاء الوطن العربى لا تخلو من
الدراما المصرية.
ولن ينسي التاريخ أن أول ظهور للمسلسلات كان منذ ما يقرب من 60 عاماً، حيث ظهرت المسلسلات المصرية مع بداية 1960 وكان من أوائل الأعمال الدرامية مسلسل «الساقية والضحية والرحيل» بطولة ملك الجمل وزيزي مصطفي وسميحة أيوب وعبد الغني قمر وصلاح السعدني وعادل هاشم وقصة عبد المنعم الصاوي وسيناريو وحوار فيصل ندا وإخراج نور الدمرداش ، تبعه مسلسل «هارب من الأيام» الذي تم إنتاجه وعرض لأول مرة عام 1962 ، بطولة عبدالله غيث وحسين رياض وتوفيق الدقن ومديحة سالم وكمال ياسين وعادل المهيلمى ومحمود الحديني ومحمود عزمي وعلي الزرقاني وتأليف ثروت أباظة وإخراج نور الدمرداش، كما شهد المسلسل المصري انتشاراً في أنحاء الوطن العربي ، واستمرت مسيرة مصر وحيدة منفردة في انتاج المسلسلات بلا منافس، وكانت الدولة تقدم كافة الدعم لظهور مسلسلات مصرية ذات قيمة عالية ، وذلك بالانتاج وتوفير الإمكانيات ومعدات التصوير والاستديوهات وكان المشاهد العربي ينتظر علي شاشات تليفزيون بلده موعد عرض المسلسل المصري ليتابعه، وانتجت مصر عبر سنوات روائع وأعمال ناجحة كانت احداثها وقتها حديث المواطن العربي منها «الدوامة» و«المشربية» و«وتوالت الأحداث عاصفة» الشهير بجملة ( أنا البرادعي يا رشدي) و«الشهد والدموع» و«بين القصرين» و«بوابة الحلوانى» و«هالة والدراويش» و«أرابيسك» و« البراري والحامول» و«سكة الهلالي» وغيرها من الأعمال، ومع التوسع في ظهور القنوات الفضائية الخاصة استبشر المشاهد خيراً بأن مزيداً من الأعمال المتميزة في طريقها للظهور، ولكن علي عكس المتوقع فقد ساهمت تلك القنوات التي لاتبحث سوي علي المعلن بأي شكل وثمن في ظهور مسلسلات متواضعة ضعيفة الإمكانيات والنصوص بمحتوي ردئ ، مليئة بالعنف أو الجنس أو المخدرات أو الأغاني الخليعة ، فأصبحت قطاعات الانتاج الحكومى خارج المنافسة وعلي عكس القاعدة طردت العملة الرديئة العملة الجيدة، فأختفت تلك الاعمال المصرية التي كانت تشتهر بتميزها وجودتها وقوتها وظهرت محلها مسلسلات ضعيفة .
وحول هذا الموضوع استنكر الكاتب محفوظ عبدالرحمن من يقول أن الدراما اختلفت عن قبل مؤكدا علي أن الدراما هي الدراما ولكن ما تغير المضمون الفكري حيث لم يصبح توجد قضايا إنسانية أو موضوع يهم المجتمع ولكن الابتذال وإثارة الغرائز هو الذي أصبح سمة في الدراما المصرية ، مشيرا إلي أن كل الأعمال التي تعرض بها إيحاءات أو عنف وهي من فشلت في تحقيق رسالة الفن والحل الاساسي لتلك المشكلات يتطلب الانطلاق الحقيقي في تقديم أعمال فنية علي مستوي عال من الجودة التي من شأنها استعادة التليفزيون في انتاج أعمال راقية.
ونبه عبد الرحمن إلي أن المشكلة التي تعوق ماسبيرو في إنتاج اعمال جيده هو انشغاله وتدبيره مرتبات الموظفين فقط وهذه المبالغ تستطيع أن تنتج المئات من الأعمال الدراميه التي تناسب الأسرة وتجعلها تلتف حول الشاشة، مطالبا الدولة بدعم الإنتاج الدرامي، باعتبارها أول من أنتج الدراما الاجتماعية التي أبدعت في شأن الحياة المصرية وقدم الكثير من الأعمال الدرامية الجيدة المستمدة من الواقع.
وأشار المخرج عادل الأعصر إلي أن قطاع الحكومة أو الدولة هو المسئول الأول عن إنتاج المسلسلات الدينية والمسلسلات التي تعتمد علي عرض حقبة معينة أو بطولات أو سيرة ذاتية والذي قدم أعمالا درامية تحمل قواعد أخلاقية وفنية عالية، وأكد علي أهمية عودة الإنتاج في صوت القاهرة وقطاع الإنتاج مرة أخري لتقديم أعمال تليفزيونية اجتماعية قيمه وهادفة، لتعود الريادة للدراما المصرية فلابد أن تعود الدولة لدورها في التليفزيون وتقوم بإنتاجهما.
وفي هذا الاطار لفت المؤلف بشير الديك إلي أن كل وقت وله ظروفه، فالأعمال الدرامية التي كانت تعرض مثل الشهد والدموع وليالي الحلمية ورأفت الهجان وغيرها كانت تناسب هذا الزمن من هدوء ومجتمع ثابت لا يمر بمفاجآت قوية فبالتالي كانت الدراما تتماشي مع عصرها، مشيرا إلي أن الظروف الآن اختلفت والمجتمع أيضا والدراما تطرح الواقع ما نعيشه بالاضافة إلي التقنيات والتطورات التي طرأت علي المعدات والعدسات في إظهار الصورة مما أدي إلي اختلاف الموضوعات التي تعرض، قائلا: إنه برغم من وجود بعض الأعمال الدرامية التي تطرح العنف والإرهاب إلا انه يوجد الكثير من الكتاب الذين يعرضوا الكثير من الأعمال الجيدة مثل مريم ناعوم وكاملة أبوزكري وعبد الرحيم كمال الذي يتميز في كتابات الصعيد وغيرهم، مؤكدا علي أنه وسط الظروف والأحداث التي تحدث في الخارج إلا أن التليفزيون المصري هو من لدية الريادة ويري أن الدراما المصرية هي الأقوي حتي الآن .
ومن جانبها أعربت الفنانة سميرة عبدالعزيز عن رفضها التام للأعمال الدرامية التي تعرض لأن توجهها مختلف تماما عن الدراما التي كان ينتمي إليها الكاتب اسامة أنور عكاشة وغيرهم ممن قدموا دراما اجتماعيه، وتمنت ان تعود الدراما الاجتماعية التي تناقش مشكلات المجتمع بدون عنف أو ابتذال حيث لايصح ان تظهر علي الشاشة الصغيرة، فالدراما تدخل البيوت وتتابعها الأسرة ولها دور مهم في توجيه السلوك العام وعودة العادات والتقاليد والقيم والأخلاقيات ومن الضروري علي القائمين عليها ان يراعوا السمو والرقي بالأخلاق في المجتمع، وناشدت عبد العزيز المؤلفين وخصوصا الكتاب الشباب ان ينبذوا أفكار العنف والمخدرات عن الدراما ومحاولة إظهار العلاقات الاسرية علي الشاشة والعودة للدراما الاجتماعية الراقية من صورة وألفاظ إلي أسلوب مشددة علي دور الدولة في إنتاج اعمال جيدة لأن المشاهد يريد ان يري اعمالا قيمة مدللة علي ذلك بنسب المشاهدة العاليه لقناة «ماسبيرو زمان» .
وقال الكاتب مجدي صابر: الدراما المصرية حتي وان كانت قد تعرضت لأي شئ اثر في مستواها فهي الآن في حالة جيده جدا ، وهناك اجيال جديدة موهوبة ومتميزة في اعمالها بدأت تظهر سواء في الكتابة او الاخراج خلف الكاميرا او حتي امام الكاميرات من الممثلين ، وسيكون بالطبع لعودة قطاعات الحكومة للانتاج مرة أخري أثر ايجابي كبير علي الدراما المصرية ، لانها تهتم بانتاج اعمال تاريخية واعمال اجتماعية هادفة.
وقال المخرج مجدي أبوعميرة: إن عودة الريادة للمسلسلات المصرية مقروناً بعودة الدولة للانتاج حتي يعود مرة أخري، فالاعمال التي جعلتنا في الريادة انتجت وقتما كان الانتاج الحكومي قوياً ، وكان وقتها ايضاً الانتاج الخاص مميزاً لان المنافسة علي الاعمال القيمة كانت شرسة ، وكان المنتج الخاص مجبرا علي تقديم عمل قوي حتي يستطيع المنافسة ، ولكن مع خروج الانتاج الحكومي من السوق بدأت تظهر اعمال دون المستوي ، خصوصا وان المنتج الخاص يهتم بجانب الربح المادي أكثر من القيمة الفنية التي جعلتنا في الريادة ، وترك الساحة للمنتج الخاص فقط مماحول الدراما الي تجارة بعيداً عن القيم الفنية، ولا ننسي ان قوة المسلسلات المصرية كانت بالمسلسلات التاريخية والدينية، مثل «محمد رسول الله «وهارون الرشيد» و«عمربن عبدالعزيز» ، والتي اختفت الاعمال المماثله لها تماماً، واتمني ان تعود قطاعات الانتاج في الدولة للقوة التي كانت عليها لتعود المسلسلات المصرية أكثر قوة كما كانت في السابق.
وتقول الفنانة عفاف شعيب إنه من أسباب التدهور الخطير فى مستوي الدراما المصرية سيطرة «وكالات الإعلان» علي القنوات التليفزيونية فهو السبب المحوري الذي أدي إلي الانهيار، لان بعض هذه الوكالات الإعلانية تتصور ان الانحلال هو العنصر الجاذب للمشاهدة فتطلب من القنوات عرض المسلسلات التي تمعن في تقديم موضوعات من شأنها تدني الاخلاق بدء من العنف اللفظي والجسدي مروراً بكل ألوان القبح التي تحاصر حياة الشعب المصري، وهنا لابد وأن يفكر المعنيون بأمر الدراما المصرية في حلول سريعة لإنقاذها من انهيار محقق إذا استمر الحال علي ما هو عليه وأول الخطوات يجب أن تبدأ من قنوات التليفزيون المملوكة للدولة، كما اعتقد ان أزمة الكتابة تعد سببا فى تراجع الدراما، لأنه لايوجد سيناريو جيد،إلا نادرا.
ويقول المخرج محسن فكرى: كانت الدراما المصرية تحتل المرتبه الاولي بلا منافس علي الشاشات في العالم العربي، حيث النصوص المميزة والقصص التي تذخر بالعديد من التفاصيل الشيقة اضافةً إلي التصوير الجيد والامكانيات الانتاجية العالية، وكان الوطن العربي يعشق الدراما المصرية، ولكن الأن تغيرت نظرة الجيل بأكمله وبدأ كتاب الدراما يتجهون إلي اختيارات المشاهد بدون النظر إلي أهمية الموضوع الذي يناقش سواء يرضي وأذواق الأسرة المصرية أم ضدها وأصبحت الدراما تجارة فقط دون النظر للموضوع.
ويقول الفنان خالد زكي: لابد من تشجيع المؤلفين علي الكتابه وتدعيمهم بشكل جيد وتحفيزهم عن طريق التكريم، ولابد من إعادة النظر في تكلفة المسلسلات التي يتم تصويرها في الاماكن الخارجية والتي يتم تأجيرها وخاصة الشركات واماكن التصوير الخارجي وكذلك شركات الملابس والاكسسوارات فيجب تخفيض المبالغ المالية مقابل كتابة اسمها والشكر علي التتر كدعاية مجانية كما أنه لابد من السماح لتصوير الاعمال العالمية في مصر، وإزالة المعوقات أمام الشركات المختلفة والتي تدر ربحا وعملة صعبة بالاضافة إلي السياحة المصرية بكل انواعها كما أنه لابد أن تساهم الدولة في الانتاج الدرامى حتي يري المشاهد قصصا محترما.
رابط دائم: