من يفتح عيادة، أو محل بقالة أو صيدلية، بعد أن يتوافر له التمويل اللازم،
وبعد أن يستغرق وقتا فى إعدادها للافتتاح، لن يبدأ فى تغطية نفقاته، ثم الربح، إلا بعد فترة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، ومن يشترى شقة فى عمارة جديدة، يدفع المقدم وهو لا يرى أمامه إلا الأرض الفضاء، وينتظر من عام ونصف العام إلى عامين على الأقل، حتى يتسلم الشقة.. ولذلك فالمطلوب عمل تنويهات فى التليفزيون والإذاعة تقدم هذه الأمثلة للناس أو تذكرهم بها.، فحتى الكتب المقدسة تقدم أبسط الأمثلة المستمدة من الحياة اليومية، لتشرح كثيرا من أسس الإيمان والعقيدة التى لا يسهل على عدد كبير من البسطاء فهمها، مهما تكن مكتملة الصياغة منضبطة المعنى.
إن الإنسان لا يثور لمجرد الفقر وقلة الدخل مادام هناك أمل ملموس فى التغيير، لكنه يثور عندما يجد كل الطرق مسدودة، ولا أمل فى التغيير.. عندئذ يتحول إلى ناقم ثائر، ليس لأنه فقير، وإنما لأنه فقد الأمل فى تغيير ملموس، وفى مدة معقولة ومنظورة.. إنك قبل أن تزرع القمح أو القصب أو الأرز، تبدأ بإعداد الأرض، ثم تبذر بذور القمح، أو تضع عُقل القصب، أو تبدأ بإعداد شتلات الأرز قبل نقلها للمرحلة الثانية من زراعته، ثم تروى، وتنقى الزراعة، ثم تضع السماد، وأى إسراع فى أية مرحلة أو تأخير، أو زيادة أو قلة فى الرى أو السماد، تؤدى إلى تلف الزراعة، ثم ننتظر ما بين ثلاثة وسبعة أشهر، طبقا لنوع الزراعة، ثم تأتى مرحلة الحصاد.. شهور من العمل الجاد، المنضبط، المكلف، حتى يأتى المحصول، فيكون مكافأة لمراحل متعددة وجهود متواصلة، تستغرق وقتا، فكيف يظن البعض أنه يمكن أن تكون هناك مصانع يعمل فيها الأبناء لمواجهة البطالة، لتنتج منتجات للتصدير أو للاستهلاك المحلى، بغير أن نوفر الطاقة «الكهرباء» التى تشغل المصانع، وبغير طرق لنقل المواد الخام والعمال، ثم لنقل الإنتاج إلى الأسواق أو إلى المستهلك أو موانى التصدير للحصول على الدولارات.
إننا لعلاج البطالة، ومواجهة قلة الإنتاج، وبالتالى قلة الصادرات.. لابد أن نبدأ بتوفير الطاقة لتشغيل المصانع، أو الطرق لنقل العمال والمواد الخام والمنتجات، وكلنا نتابع الآن كيف يتواصل العمل بكل جدية لتوفير الطاقة وتمهيد الطرق وإعداد الأرض فى مشروع المليون ونصف المليون فدان تمهيدا لوضعها بين أيدى من سيقومون بزراعتها، وكذلك المشروعات المتعددة الواعدة حول قناة السويس، والوصول إلى مرحلة الإنتاج لاكتشافات البترول بالغة الضخامة.
فهل يمكن أن ينسى إنسان ما يتم فى مجال الطاقة والكهرباء، بعد أن لمسنا جميعا كيف أصبحنا نجد الكهرباء فى منازلنا طوال 24 ساعة، بعد أن كانت تنقطع ثلث ساعات اليوم (8 ساعات أو أكثر) منذ أقل من عامين؟، وبعد توفير حاجة البيوت من الطاقة، تحاول مؤسسات الدولة الآن توفير الطاقة لألفين وثلاثمائة مصنع متوقف لنقص الطاقة والكهرباء.
إنها مرحلة تشبه إعداد الأرض للزراعة، أو مرحلة بذر البذور، وإذا كانت الزراعة تحتاج ما بين بذر البذور وحتى الحصاد إلى ما بين أربعة وسبعة أشهر، فإن الإعداد لحل مشكلة البطالة وتشغيل المصانع المغلقة، قد يستغرق عاما ونصف العام أو عامين.. لذلك علينا أن نتحلى بقليل من الصبر، فالخير قادم والحصاد وفير!.
يعقوب الشارونى
من رواد ثقافة وأدب الأطفال
رابط دائم: