لا أحد ينكر الدور الحيوى الذى لعبه الجيش المصرى منذ نشأته فى دعم استقرار الدولة والحفاظ على ركائزها، حيث شارك الجيش فى العديد من المعارك والبطولات منذ فجر التاريخ حتى وقتنا هذا،فيعتبر الجيش المصرى هو الحامى والضامن لأمن وطننا القومى والتاريخ خير شاهد على ذلك،
فالجيش المصرى أول جيش نظامى عبر التاريخ أخذ على عاتقه مسئولية تأمين حدود مصر وشعبها وحضارتها منذ نشأته قبل 4000 عام فى عصر الملك « زوسر» وحتى يومنا هذا،لم يخض الجيش حربا إلا مدافعا عن وطنه او لنجدة من يستنصره وتكمن قوة هذا الجيش فى التفاف الشعب حوله حيث نشأ هذا الجيش من النسيج الوطنى للشعب بكل طوائفه وفئاته .
وعند إنشاء الجيش النظامى الوطنى فى العصر الحديث على يد «محمد علي» انتقلت اليه الخبرة والمعرفة العسكرية من الدول الأوروبية،حارب هذا الجيش فى العديد من المعارك وحقق فيها انتصارات مذهلة إلى أن وصل إلى حتى مشارف «الأستانة» واشترك فى حرب «المورة» لمساندة الامبراطورية العثمانية، كما حارب فى المكسيك لمساندة امبراطور فرنسا بناء على طلبه ونتيجة لضعف الحكام من خلفاء محمد على وإضعاف دور الجيش فى حماية مصر احتلت بريطانيا مصر فى سبتمبر عام 1882 خاضت القوات المصرية البريطانية المشتركة عدة معارك متتالية فى السودان لإخماد الثورة « المهدية » حتى تم القضاء عليها عام 1890.
أثارت شجاعة وانضباط المقاتل المصرى وقدرته الفائقة على التحمل دهشة القادة الانجليز لذا قرروا فيما بعد الاستعانة به خلال الحرب العالمية الأولى .
وارتباطا بما سبق فقد اندلعت الحرب العالمية الأولى لعدة أسباب مباشرة وغير مباشرة تتلخص فى حالة عدم الثقة والريبة التى اتصف بها المناخ السياسى الأوروبى فى أواخر القرن التاسع عشر مما أدى الى تقسيم أوروبا الى معسكرين سارع كل منهما الى زيادة قدرته العسكرية .
وضم المعسكر الأول كلا من انجلترا وفرنسا وروسيا بما يعرف بدول الوفاق الودى ثم انضمت إليه فيما بعد كل من بلجيكا وإيطاليا وضم المعسكر الثانى كلا من المانيا والنمسا بما يعرف بدول المركز وسارعت ألمانيا بضم الدولة العثمانية اذ وجدت فيها خير حليف للوقوف أمام باقى الدول الأوروبية .
أخذت بريطانيا فى الاستعداد للحرب فحولت مصر نظرا لموقعها الاستراتيجى وأهمية قناة السويس إلى قاعدة عسكرية لتجميع قواتها وقوات حلفائها لحين إرسالها الى مسارح العمليات فى اوروبا فتحولت الاسكندرية الى مركز لقيادة عمليات البحر المتوسط واقيمت الاستحكامات على سواحلها كما اقيمت المعسكرات والمستشفيات فى معظم أحيائها وشوارعها، أما القاهرة فقد خصصت منطقة المعادى للجنود الانجليز ومنطقة هليوبوليس للجنود النيوزيلنديين ومنطقة الأهرام للقوات الاسترالية والهندية .
اتفقت كل من ألمانيا وتركيا على ضرورة انتزاع مصر من انجلترا وأعدت الخطط لمهاجمة مصر من جميع الاتجاهات لإجهاد القوات البريطانية وحتى تحكم بريطانيا سيطرتها على مصر وضعتها تحت حمايتها فى ديسمبر عام 1914 وقد اضطرت مصر لدخول الحرب إلى جوار بريطانيا حفاظا على حرياتها التى انتزعها محمد على فى ميادين القتال من الدولة العثمانية .
شارك الجيش المصرى مع الجيش الإنجليزى فى معارك الدفاع عن مصر على كل الاتجاهات،كما شارك فى إقامة التحصينات وتمهيد الطرق ومد السكك الحديدية وتقديم الدعم الطبى والإدارى على الجبهة الاوروبية .
فعلى الحدود الشرقية لمصر تجمع الجيش العثمانى تدعمه ألمانيا للهجوم عن طريق العقبة وغزة لإغلاق قناة السويس وقطع خطوط المواصلات البريطانية وعندما بدأ الأتراك يعبرون الكوبرى فوق القناة فى اتجاه «سرابيوم» انصبت عليهم نيران البطارية المصرية الخامسة وكبدتهم خسائر فادحة.
كما تم التصدى للقوات العثمانية فى منطقة «طوسن» وهزيمتها ومنعها من عبور القناة وأشاد قائد الجيوش البريطانية بذلك التفوق للعسكريين المصريين وللتضحيات التى قدموها وشجاعتهم حتى قرر ملك انجلترا منح وسام فيكتوريا كروس لكل من الملازم اول «على ذكي» والملازم أول «خليل جبور» لدورهما فى المعركة .
أعقب ذلك تصدى حامية من الأورطة الثانية المصرية للقوات العثمانية فى «الطور» وأجبرتها على الانسحاب .
هاجمت القوات التركية المواقع البريطانية المصرية مرة أخرى فى المنطقة بين «قاطية ورمانة» ودارت معركة رمانة والتى انتهت بهزيمة القوات التركية وانسحابها من العريش ورفح ودخلتها القوات البريطانية المصرية فى يناير 1917. أما على الحدود الجنوبية فقد استعانت الدولة العثمانية بالسلطان «على بن دينار» سلطان دارفور الذى أعلن انضمامه لأعداء بريطانيا وبدأ يتقدم فى اتجاه الخرطوم.
فأعد «وينجيت» حملة مصرية تمكنت وبمهارة من تحقيق النصر فى العديد من المعارك حتى استولت على «الفاشر» وضمت دارفور الى السودان وبذلك فشل تخطيط العثمانيين .
وقد استشهد وجرح فى هذه المعارك الكثير من الضباط والجنود المصريين، وأقر القائد الانجليزى «وينجيت» بأن الفضل فى الانتصار فى هذه المعارك يرجع للقوات المصرية وطلب منح وسام النيل الى الضباط المصريين اعترافا منه بدورهم.
أما على الحدود الغربية فقد نجحت الدولة العثمانية فى استمالة «السنوسي» لمعاونتها فى الهجوم على مصر بعد إمداده بكميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة مستغلة فى ذلك البعد الدينى، وقام السنوسى بالهجوم من الطريق الساحلى وطريق الواحات الغربية وعلم البريطانيون ذلك فحشدوا القوات فى مرسى مطروح ودارت المعارك ونجح «السنوسيون» فى البداية ولكن وصول الإمدادات من الإسكندرية رجحت كفة الانجليز وتم استعادة ما تبقى من المواقع وبذلك مكنت الانتصارات على الجبهة المصرية فى بريطانيا من توفير 19فرقة لدعم الجبهة الاوروبية علاوة على قيام الضباط المصريين بتشكيل لجنة لجمع التبرعات المالية لمساعدة ضحايا الحرب من الأرامل واليتامى فى بريطانيا وجمع الهلال الاحمر المصرى التبرعات المالية والعينية من المصريين لدعم المستشفيات لعلاج جرحى الحرب.
رابط دائم: